ثلاثة أسئلة إلى النخبة (14)

بقلم
توفيق الشّابي
ثلاثة أسئلة إلى النخبة (14)
 1
قراءتكم لما حدث في تونس 
بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011؟
إنها ثورة حقيقية ولا يجوز لنا أن نقلل من قيمة ما وقع واعتباره مجرد انتفاضة وحراك شعبي لا غير بحجة عدم توافقه مع بعض التصورات النظرية حول مفهوم الثورة. هي ثورة لأنها كانت ردّا طبيعيا على سنوات طويلة من الإستبداد والفساد الذي شمل جميع المجالات من السياسة إلى الإقتصاد مرورا بالثقافة وغيرها من المجالات، وهو الواقع الذي أفرغ المجتمع من كل قدرة على الحركة الحرّة والنمو الطبيعي في مستويات مختلفة، وحتى بعض النجاحات التي تحققت لم يكن لها أن تصمد لأنها لم تكن اختيارا مجتمعيا إراديا ومتوافقا عليه بل رغبات فئة محدودة من المجتمع حكمت بالحديد والنار.
وهي ثورة أيضا لأنها قدمت مثالا مختلفا في التغيير أًقدِّر أنه جاء في الوقت المناسب للرّد على كل خيارات القوة والعنف التي سكنت العديد من الإيديولوجيات والأفكار. وكلّنا يعرف أن تاريخ العديد من الدول العربية مليء بتجارب الانقلابات العسكرية الدموية، إضافة الى ما نشأ في السنوات الأخيرة من أفكار متشددة وعنيفة ولا ترى من خيار للتغيير إلا القوّة. بفرادتها تمنح الثورة التونسية لكل الأفكار والإيديولوجيات دعوة لمراجعة الذات والوعي بقدرة الشعوب على إحداث التغيير بعيدا عن كل أشكال القوة والعنف.
2
هل ترون أن النخبة التونسية قد نجحت 
في فهم مستحقات المرحلة وحققت بعضا منها؟ 
وهل نجحت في وضع البلاد 
على السكّة الصحيحة للإنتقال الديمقراطي؟
من بين الإشكاليات التي واجهتها الثورة التونسية وما زالت تعاني منها هي النخبة. ربما عنصر المفاجأة لما وقع في تونس هو الذي جعل ردود أفعال النخبة يعكس قصر نظر كبير وعدم وعي بالتحديات الحقيقية للمرحلة. منذ البداية ظهر الإنقسام في قراءة الأحداث والتعاطي مع الوضع الجديد، وهو ما أثر كثيرا في مسار الثورة الأمر الذي دفع بالشباب خاصة، لمواصلة تحركاته  حتى بعد 14 جانفي لحماية ثورته من الانتكاس وذلك عبر القصبة 1 و2. لقد كانت مواقف النخبة تعكس بحثا عن مواقع آنية/شخصية وحزبية على المدى القصير وهو ما شتت الجهود وساهم في إرباك المسار بشكل أو بآخر وخاصة في الأشهر الأولى. لقد كانت النخبة موزعة بين تيار إصلاحي مستعد للقبول ببعض التحسينات على النظام البائد وتيار يريد تأسيسا جديدا. وهذا الأخير نفسه لم يكن موحدا بحكم تناقض الخلفيات الفكرية لدى أغلب منتسبيه. وقد ظهر ذلك في كثير من الأحداث خلال الثلاث سنوات. حتى الإنتخابات التي كان من المفروض أن تكون الحكم بين الفرقاء لم تقنع الكثيرين، فاحتد التجاذب السياسي والخلاف بين الأطراف وهو ما جعل الفرصة مناسبة  لبقايا النظام السابق للعودة تدريجيا وفرض بعض الخيارات وان بشكل غير مباشر (سحب قانون تحصين الثورة مثلا). منذ سقوط رأس النظام كان من المفروض أن تلتقي النخبة على برنامج واضح على قاعدة المشترك بين الأطراف ويهدف إلى تحقيق أهداف الثورة. عدم تحقق ذلك يمثل بتقديري فشلا للنخبة في فهم جيد لمستحقات المرحلة وأضاع على البلاد الكثير من الوقت، رغم تدارك الموقف أخيرا من خلال النجاح النسبي  للحوار الوطني الذي ساهم في التسريع في انهاء الدستور وتكوين هيئة الإنتخابات والإتفاق على خارطة طريق تنتهي بانتخابات خلال 2014.
 في تقديري، الواقع اليوم لا يعني نجاحا كامــلا في وضع البلاد على السكة الصحيحة لأن الأوضاع تبقى هشّــة بالنظر إلى التحديـــات الداخلية الكبيـــرة (الأمنية والإقتصادية خصوصا) والواقع الإقليمي والدولي (ليبيا ومصــر خاصة). هذا الواقع يجــب أن يدفع النخبة وأنصار الثورة إلى مزيــد من الحذر والانتباه والعمل على الاستفادة من تجربة المرحلة السابقة من أجل كسب الانتخابات القادمة للقطع نهائيا مع النظام السابق لأن إمكانية الارتداد واردة حتى بعد بناء المؤسسات. 
 
3
أي مستقبل ينتظر تونس؟ 
وكيف السبيل إلى تجنّب الفشل؟
رغم الواقع الهش الذي تعيشه تونـــس فإني أرى أن المستقبل أفضل بالنظر إلى أن البلاد قد نجحت في تجاوز اختبارات صعبة جدا وخاصة بعد موجات الإضرابات والإغتياليــــن وحافظت على نوع من التوازن. أضيف إلى ذالك جنـــوح النخبة إلى الحوار والنقاش في حل الإشكاليـــات. وأًقدِّر أن الحـــوار والمشاركـــة الجماعية في إدارة البلاد في المراحل القادمـــة هما عنوانــان للطريق الأسلم لتجنب الفشل وقطع الطريق على الفئات القليلة التي لا تؤمن بغير الإقصاء والعنف.