ثلاثة أسئلة إلى النخبة (7)

بقلم
ثلاثة أسئلة إلى النخبة (7)
1

قراءتكم لما حدث في تونس بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011؟

مــن الصــدف العجيبــة أن يوم 17ديسمبــر 2010، كــان من المفــروض أن تتــمّ فيــه وقفــة احتجاحيــة أمــام وزارة العدل للمطالبـــة برفع المظلمــة المسلّطـــة علــى قضــاة الجمعيّـــة الشرعيّة للقضـــاة التونسييــن، وأمــام فتــور الحمــاس ورفـــض البعــض للمشاركة تمّ تأجيلها. هذه الحادثـــة تعبّر عـــن حالـــة الإحبــاط التي أصابت النخب المعارضــة فــي السنــوات السابقــة للثــورة: عنف وحملات تشويه ومضايقة للعائلات ومحاصرة إقتصادية وعقوبات مهنية. كلّها إجراءات ساهمت في غرس حالة الإحباط وانضافت لحالة سلبيّةِ الشعب ورضوخه للقمع. قبل سنتين ونصف من اندلاع الثورة وفي شهر جـوان 2008 تمكّن نظام بن علي من القضــاء على انتفاضــة الحوض المنجمي إذ تمّ استهداف المتظاهرين بالرّصاص وسقط لنا أربعة شهــداء وتمّ اعتقال قيادات الانتفاضة. هذه الانتفاضة تمّت في الظاهـر بانتصــار بن علي ولكنّها في الحقيقة ساهمت في إحداث شرخ في منظومة الخوف كان لها بالضرورة أثر في نفوس من وقفوا مساء السابع عشر من ديسمبر يهدّدون بما هو أكبر من الإرهاب على حدّ عبارة الأستاذ خالد عواينية الذي ألهب وأصدقاؤه مشاعـــر المتجمهريــن أمــام ولاية سيدي بوزيد.قد يقــال أيضـــا أن جـــرأة تلـك القلّــة مــن النخــب المناهضــة لبن علــي بجديّـــة والتـــي مرّغـــت كبريــاءه فـــي التّــــراب عبر الأنترنــات وقنــوات كالجزيــرة، قــد كــان لهــا أثر في اندلاع الثورة. وهذا صحيح في رأيي من زاويـــــة خلــق بــوادر ثقافـــة الرّفــض ولكــن في المقابل يكـون مــن التجنّــي على الحقيقـــة ادّعــاء دور مهمّ للأحزاب في الثورة. الثــورة نجحــت فــي رأيـــي، لأنـــه لم يكـــن لهـــا قيادات معروفــة ولــم يكــن لهــا مــن يتفـــاوض باسمهـــا، ونجحــت لتوفّر تغطية إعلاميّة لأحداث انتفاضة سيدي بوزيد لم تتوفر قبلها لانتفاضة الحوض المنجمي: الفايسبوك وقناة الجزيرة بشكل خاص التي كانت المرجع الأساسي في تغطية الآحداث منذ انطلاقها، في حين أنّها لم تشرع في تغطية أحداث الحوض المنجمي إلا بعد انطلاقها بثلاثة أشهر. في سنة 2009 وأمام إصرار البعض على تعطيل التحركات السلمية البسيطة بدعوى عــدم جــدواها وأمام حالة الخوف المرضي الذي انتشر لدى عمــوم النــاس، قلــت أنّ الشعب التونســي لحدّ الآن لا يريد الحياة وكتبــت في مواضــع أخرى مخاطبا النّخب : «التغيير قد يحصــل بأحـــداث تتجاوزنا وأنّ مـــا علينــا القيــام به هو العمــل على توفير شروطـــه». وكـــان ينبغــي أن ننتظــر حادثــة ليست الأولــى من نوعها وهي حادثة حرق محمد البوعزيزي لنفسه لنرى من خلناهم مستكينين ينزعون رداء الخوف ويتحدون آلة القمع بصدور عارية وينحتون ملحمــة شجاعـــة صدمت نظام بن علي بقدر ما صدمت من كان يستهين بهـــم من النّخب التي التحــق بعضهــا بمــا تحـــوّل من انتفاضة إلى ثورة وإن كان بعضهم قد تأخّر في الالتحاق لسبب أو لآخر.

2

هل ترون أن النخبة التونسية قد نجحت في فهم مستحقات المرحلة وحققت بعضا منها؟ وهل نجحت في وضع البلاد على السكّة الصحيحة للإنتقال الديمقراطي؟

اذا ما اعتبرنا أن أهداف الثورة هي القطع مع الاستبداد والفساد والتهميش ، يمكن القول أن ما ساهمت فيه النخب هو الدفاع عن المكسب الأول للثورة وهو التصدي للاستبداد وإذا ما تمت المصادقة على الدستور فإن نخبنا ستكون قد وضعت أساسا من أسس النظام الديمقراطي، وتبقى أسس أخرى تحول دون الاستبداد والفساد ننتظر من نخبنا أن تضعها فيما تبقى من المرحلة الانتقالية. ولكن لا ينبغي أن يفوتنا التذكير بالسلوكات الضارّة بالانتقال الديمقراطي والتي هدّدت في كثير من الحالات نجاح الثورة التونسية وهي الصراعات الإيديولوجية والحزبية التي اتخذت أشكال عنيفة أحيانا والتي أضرّت بصورة البلاد وبالإقتصاد وبهدف من أهداف الثورة المتمثل في مكافحة التهميـش، إذ أن الفتن التي خلقت في كثير من الجهات ساهمت في المحافظة على واقع التهميش وتردي الأوضاع يضاف إلى ذلك ما أبدته الحكومة من بيروقراطية وعدم القدرة على الفعل.

3

أي مستقبل ينتظر تونس؟ وكيف السبيل إلى تجنّب الفشل؟

بعد انتخاب الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، يجب المصادقة على الدستور بأغلبيّة الثلثين الكفيلة بالخروج في أقرب وقت ممكن من المرحلة الانتقالية ومخاطرها ثم وضع القانون الانتخابي والالتزام بالتاريخ الذي تقترحه الهيئة لإجراء الانتخابات والإعلان عنه. من المفروض أن يتم هذا قريبا ما لم يحصل طارىء ، وهنا يجب على الشعب أن ينتبه لمختلف المناورات الممكنة ولكل محاولة لضرب الاستقرار، فقد يختار أعداء تونس الجديدة أو المتضررين من الثورة أو بعض الرافضين للاحتكام لصندوق الاقتراع، لا قدر الله، هذا التوقيت لمحاولة تعطيل المسار وهنا يجب التحلي بالعقلانية وعدم مسايرة دعاة الفوضى. إثر ذلك يستوجب نجاح الثورة التأسيس لديمقراطية ينعم فيها الناس من ناحية بحرياتهم السياسية ومنها حرية اختيار من يمثلهم ومن يحكمهم في إطار انتخابات نزيهة تتنافس فيها البرامج والكفاءة لا الدسائس والمال غير الشرعي، ومن ناحية أخرى يتحسّن فيها مستوى المعيشة وتتقلص فيها البطالة ويكثر فيها الإقبال على الاستثمار ، كما ينبغي أن تكون لهذه الديمقراطية أنياب تحميها بفرض سلطة القانون على الجميع دون مساس بالحقوق المكرسة دستورا وقانونا . كلمة أخيرة في الموضوع : «لنحذر من زرع اليأس ولنفشي الأمل والتفاؤل فهما شرط لكل نجاح» .