من وحي الحدث

بقلم
محمد الطرابلسي
صعوبات الإنتقال الديمقراطي في دول الربيع العربي
 تقديم
ٱنطلقت شرارة الربيع العربي من مدينة سيدي بوزيد التونسية على إثر إقدام الشاب « محمد البوعزيزي» على إحراق نفسه بعد مصادرة عربته من أعوان البلدية . و كان هذا الحدث بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، و ٱنتشرت رقعة الثورة كإنتشار النّار في الهشيم لتشمل مدن تونسيـــة عديــــدة . ورفع المحتجــــون شعار «ارحل» في وجوه رموز النظام السابق، وكان أيضا شعار « شغل، حرية، كرامة وطنية» شعارا أساسيا حاضرا بقوة في الشارع التونسي يترجم ويختزل الأهداف التي قامت لأجلها الثورة. وأدى تطور الأحداث وتسارعها إلى سقوط النظام، وكان لذلك إنعكاسا مباشرا على عديد الشعوب العربية . وبسرعة غريبة لعبت فيها وسائل الإعلام العالمية وشبكات التواصل الإجتماعي دورا هاما، إنتقلت الثورة من تونس لتشمل دول عربية أخرى على غرار مصـــر وليبيـــا واليمـــن وسوريا. سقطت أنظمة إستبدادية عديدة بكل من تونس وليبيـــا ومصـــر واليمن وطرحت منذ ذلك الوقت مسألة الإنتقال الديمقراطي والتأسيس لمرحلــة جديــــدة تقطع مع الماضي وتفتح آفاقا جديـــدة نحو المستقبل.  
إن عملية الإنتقال الديمقراطي في دول الربيع العربي تواجه صعوبات عديدة : اقتصادية واجتماعية وأمنية ، ومن هذا المنطلق نطرح التساؤل التالي : هل يمكن بناء ديمقراطية على قاعدة الفقر والإرهاب؟ وسنحاول من خلال هذا المقال تقديم أبرز التحديات والصعوبات التي تعترض عملية الإنتقال الديمقراطي .
إرث الحكم المطلق :
من أجل فهم جذور الربيع العربي بصورة أوضح، لا بد من الإشارة أن معظم رؤساء دول الربيع العربي ٱعتقدوا أن لديهم ملكية مطلقة للسلطة، فالرئيس كان يحتكر جميع السلطات في شخصه (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، وكان الحكم المطلق بالنسبة لهؤلاء يمثل مبررا لأفعالهم وتصرفاتهم، واستمر الرؤساء الساقطـــون والمتساقطون الواحد تلو الأخر في كل من مصر وليبيا وتونـــس واليمن في البحث عن طرق جديدة لتوريث الحكم حتى وإن إقتضى الأمر تعديلات دستورية لإضفاء الشرعية على تصرفاتهم. وقد أدى هذا الأمر إلى بروز عصابات حاكمة تحتكر السلطة والثروة فٱنتشر الفساد والمحسوبية على أعلى المستويات وفي مختلف القطاعات الإقتصادية.  
هذه التركة الثقيلـــة كانت لهـا تداعياتهـــا على المسار الإنتقالي في جميع دول الربيع العربـــي. صحيـــح أن رؤوس هذه الأنظمـــة قد قطعت ولكن تركت شبكات تشتغل على أمــل إستعــــادة ما فقـــدوه من ثروة وسلطة.
حاولت هذه الشبكات التنظم في أحزاب جديدة وسعت جاهدة لإجهاض الثورات ونشر حالة الإحباط لدى عموم الناس ليشرّعوا من جديد لعودة الدكتاتوريات. وقد كان للإنقلاب الذي حدث في مصر إنعكاسات مباشرة على بقية الدول، إذ حاولت العديد من الأطــراف التي لا تعترف بنتائج الإنتخابات إستيراد ما حصل في مصر واسقاطه على الواقع التونسي أو الليبي. ولكن فشل الإنقلاب في تونس لا يعني أن آلة الثورة المضادة قد تعطلت، ويبقــى الحذر واجبــــا وطنيــــا على القوى الديمقراطية أن تلتزم به.
الفقر، البطالة و رداءة البنى التحتية: 
كان رموز الأنظمة السابقة يعتقدون أن كل موارد دولهم هي ملكهم وحقهم الشرعي، وهذا الأمر كان واضحا في ليبيا التي طالما انتشر الإعتقاد بأنها من أغنى الدول في العالم حيث تتوفر الموارد النفطية العالية الجودة في باطن أراضيها. ولكن في المقابل نجد أكثر من ثلث السكان يعيشون في فقر مدقع، ونسبة قليلة من عائدات النفط يتمّ إنفاقها في برامج التهيئة والبنى التحتية. وعندما نستدل بمشاهد من بعض المدن الليبية خلال الفيضانات الأخيرة يصبح كلامنا غير قابل للنقاش.
وقد بلغ في مصر التفاوت بين الفقراء والأغنياء ذروته أثناء المراحل الأخيرة من عمر نظام مبارك، إذ كانت الثروة توزع بطريقة غير عادلة، تحتكرها رموز النظام وعائلته. وتواجه مصر اليوم مجموعة من التحديات بسبب الأحداث المتسارعة منذ سقوط نظام مبارك، فقد تعطل النشاط التجاري بسبب الإنقلاب العسكري والمجازر التي حدثت من وراء ذالك في حق الأبرياء، فأغلقت البورصة وانخفضت عائدات السياحة وأدّت الأزمة الاقتصادية العالمية إلى تراجع الإستثمارات الأجنبية، وتراجع نسبة النمو الإقتصادي إلى ما دون 1 % . ويزيد إنخفاض معدلات النمو الإقتصادي من تأزم الأوضاع الإجتماعية إذ أنها لا تكفي لتوفير فرص العمل للسكان.
وفي تونس كانت ولا تزال مشكلة البطالة من أهم المشاكل، وبالرغم من تعاقب العديد من الحكومات خلال المرحلة الإنتقالية، فإن هذه المشكلة تزداد تعقيدا، وهذا الوضع لا يختلف عن بقية دول الربيع العربي. وفي هذا الإطار نقدم جدول تفصيلي عن تطور نسب البطالة في تونس خلا ل الفترة الممتدة من 2006 إلى 2013  .
كما تعد إشكالية التضخم المالي من أبرز الإشكاليات التي تواجهها إقتصاديات دول الربيع العربي، فإنهارت قيمة العملة الأمر الذي ٱنعكس على القدرة الشرائية للسكان و أدى إلى إرتفاع كبير في الأسعار تزامن مع تواتر عمليات التهريب والإحتكار ونمو التجارة الموازية.
وتتعرض العملات في دول الربيع العربي إلى نزيف مستمر خاصة في كل من تونس وليبيا ومصر، وتلعب حالة عدم الإستقرار السياسي والأمني والإجتماعي دورا مهما ورئيسيا في تكبّد هذه العملات خسائر كبيرة بسبب نزيف إحتياطات هذه الدول من العملة الأجنبية، وهذا النزيف مرتبط بتراجع أداء قطاعات هامة مثل السياحة وتوقف المناجم عن الإنتاج بسبب الإضرابات مدة طويلة إلى جانب تراجع حجم الصادرات والإستثمارات وعجز الميزان التجاري. وهذا الوضع له إنعكاساته على الأمن الغذائي في هذه الدول 
خطر الإرهاب: 
مما لا شك فيه أن أخطر ما يواجه عالمنا اليوم هو تنامي المنظمات الإرهابية، فلم تعد هذه المنظمات مقتصرة على دولة ما، بل هي غدت ظاهرة دولية خطيرة، و يجري تنفيذ جرائمها في مختلف دول العالم، في أمريكا وروسيا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا واندونيسيا... ونال العالم العربي الذي غدا المنبع الأكبر لقوى الإرهاب نصيب الأسد من هذه النشاطات بحكم إستغلال القائمين على المنظمات الإرهابية الظروف الإجتماعية لبعض الفئات وهشاشة الأوضاع الإقتصادية وتسخيرهم لتنفيذ عملياتهم الإجرامية . 
ويعد الإرهاب اليوم عائقا أمام عملية الإنتقال الديمقراطي في دول الربيع العربي، وكلّنا نستحضر عمليات الإغتيال والترويع التي حدثت في تونس وليبيا ومصر، ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء. وهذا الوضع ليس بجديد عن دول الربيع العربي، فقد ساهمت الأنظمة القمعية السابقة في هذه الدول في إيجاد تربة خصبة للتطرف على إختلاف عناوينه، تربة تم إستغلالها لتكون النتيجة الآلاف من الشباب العاطل عن العمل مستعد للقتل والقتال بعد غسيل دماغه بفتاوي وهابية وغيرها.
والمطلوب اليوم في دول الربيع العربي إعتماد سياسة إقتصادية عادلة تعالج مشكلة الفقر والجوع والتخلف، وتوظّف الثروات من أجل بناء أنظمة جديدة عادلة ديمقراطية تحقق الحياة الكريمة لجميع المواطنين، كما أنه من الضروري نشر ثقافة التسامح والآخاء والتوافق بين مختلف مكونات المجتمع وبين مختلف الأطياف السياسية.
خاتمة :
قد يعلمنا التاريخ أنه بعد الثورات قد يستغرق الوضع أعواما أو عقودا حتى يتحقق الإستقرار السياسي والإنتعاشة الإقتصادية. ولكن هنالك إشكاليات لا تقبل التأجيل، تتطلب تدخلا عاجلا من مختلف الأطراف السياسية، وإجراءات فورية في حجم الثورات العربية، ومن أبرز هذه الإشكاليات الفقر والبطالة، لأنه لا يمكن أن نبني ديمقراطية على قاعدة الفقر والبطالة.
المراجع :
- إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء، المسح الوطني حول السكان و التشغيل 2013.
- احمد يوسف التل 1998 : الإرهاب في العالمين العربي و الغربي، عمان ( الأردن) ، 574 ص.
- جون آربرادلي 2013 : ما بعد الربيع العربي ، كلمات عربية للترجمة و النشر ، القاهرة ، 196 ص.