تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
و أخيرا نجحنا..
 تونس بلد ليس ككل البلدان. تونس موضع فخر واعتزاز بشعبها ونخبها وموروثها الثقافي المنقى من جملة الحضارات التي توالت عليها عبر آلاف السنين. لقد اعترف المستعمر بشجاعة آبائنا وأجدادنا ووثق بسجلاته أسماء العديد من أبطال التحرير وغفل كما غفل مؤرخو الحركة الوطنية عن ذكر آخرين كثيرين لم يشهروا نشاطهم تواضعا لوطنهم واعترافا له بأحقية الدفاع عنه دون منة ولا رياء. 
لقد انفتحت البلاد التونسية على بلدان صديقة كانت بالأمس معادية تنهب ثرواتها فبنت معها علاقات صداقة مصلحة وهي ما تصنف بالعلاقات الدبلوماسية الضرورية بين الدول وخاصة المجاورة منها. وهكذا استفاد التونسي من مستعمر الأمس الذي لم يكن ساذجا حتى لا يستفيد هو بدوره من التونسي الذي كان يرنو إلى تحقيق أهداف غاية في الأهمية وقد نجح في ذلك حيث تمكنت تونس من تكوين نخب تعلمت في مدارسهم وبلغتهم فعرفت قراءة أفكارهم ومجابهة خططهم لتعديل كفة الاستفادة من هذه العلاقات الدولية التي لا غنى عنها.
وموضع فخر آخر لتونس يتمثل في المحافظة على قيم وتعاليم دينها الحنيف الذي بفضل الحركة التنويرية للجامعة الزيتونية لم يمنع الانفتاح على الشعوب والثقافات الأخرى من تثبيت أصول الدين الإسلامي بربوع البلاد وتقوية غيرة شعبها على عروبته وتعلقه بثوابت الأمة وتعميق إيمانه بالقضية الفلسطينية.
لقد أثبتت البلاد التونسية مرة أخرى ميزتها عن بقية الدول العربية ومازلت أثق جيدا في كفاءة التونسي وقدرته على المناورة لبلوغ الهدف المنشود بالاعتماد على ذكائه. ولا يظن أحد أن هذا الذكاء نور يقذف في القلب بل هو نتاج مسار تعليمي راهنت عليه تونس فنجحت في صد كل عدوان خارجي دون جيش على الحدود فوجهت النفقات العسكرية للكتاب والقلم والكراس وأصبحت للبلاد أعلام في كل المجالات العلمية يمكن لها الاستفادة منها في كل مناسبة.
هل يخشى على البلاد التونسية من فوضى الربيع العربي؟ 
لا يستحق الجواب أن أنضوي تحت جناح الحزب الحاكم ولا المعارضة حتى لا يقال أنه رأي منحاز. ولا أخشى من تفاؤلي المفرط وإن خاب. وكيف يخيب ظني، ويكفي تونس فخرا أنها أشعلت فتيل الثورات العربية بثورة لا مثيل لها، على الطريقة التونسية وبخصائصها.  فكانت ثورة شعبية يقودها الوعي الاجتماعي والثقافي للفرد بمختلف درجات تعلمه ومختلف انتماءاته الفكرية والعقائدية. وفوجئ السياسيون الذين اعتقدوا بنرجسيتهم أنهم فوق شعب أثقل كاهله حتى هرم فكادوا يفقدون الثقة في العامل الخاضع لسلطان الخبرة والموظف المكبل بقيود الإدارة. من يملك القدرة على طرد حاكم تغلغلت سلطته في كامل أرجاء البلاد؟ لا يقدر على ذلك إلا شعب قادر متعلّم ومتمرّس شجاع. ذلك الذي لم يقدّروه حق قدره ولم يعرفوا حق شأنه واستهانوا بقدرته، قدّر ودبّّر ولم يتهوّر حين أقدم على تحدي جلاده وطرده ثم حمل مفتاح القصر الذي أسال لعاب الطامعين هدية لمشروع حاكم يحكم بسلطان شعبه. 
لا أبالغ فإنني منبهر بما أشهده من فوضى وغليان بين المتنازعين على السلطة وإني كنت أخشى على الثورة لو لم يكن ما آلت إليه البلاد من اهتزازات عنيفة وموجعة أحيانا. إن ما تحقق لتونس لا يمكن تقديره لقد فات كل توقع. لقد أثبتت النخب ثقلها وأفرزت خياراتها. إنه لإنجاز عظيم ولا أظن الثورة منتهية بل دائمة ومستدامة على كل من يخالف إرادة الشعب إرادة الحياة ومهما تطلب ذلك من قرابين من الأعزاء الأخيار. 
لا يهم اليوم من يحكم البلاد طالما اكتسبت أصوات شجاعة تعلو على كل متكبر متعال وعيونا يقظة تسهر على كنوزها عسى أن تمتد لها يد غادر ماكر عرفت وتمرست على خلعه وطرده. 
إنني اخترت اليوم إن أدعم استمرارية الثورة استثمارا لأبنائي وتأمينا لميراث يستحق الذكر فيجلب لي الرحمة في قبري. سأعمل مضاعفا وازهد في الحياة ما استطعت دعما لسياسة البلاد وإنجاح مشاريعها بصرف النظر عن من يسيرها وأعد نفسي وأعاهدها على أن أكون ذلك المسمار الذي ينخر دبر الجالس على العرش مهما كان حتى لا يهنأ فيطيل البقاء.