بكل حرّية

بقلم
يسري بوعوينة
الجامعة الواقعية التونسية
 الجامعة التونسية في أزمة. الكل يتفق على ذلك العديد يؤلمه الموضوع وقليل من يتحرّك لإيجاد الحلول والخروج من عنق الزجاجة. جامعاتنا تفرّخ كل سنة الآلاف من الخرّيجين الذين تتلقّفهم البطالة والفقر بدل الشركات والمصانع. البعض يلقي باللّوم على المناهج التعليمية والبعض الآخر على منظومة «فسد» (أو «أمد») والبعض الآخر على الأساتذة والطلبة معا. طيف آخر يحمّلون وزارة التعليم العالي المسؤولية عن هذا التدهور فكلمة «تعليم عالي» تعني من جملة ما تعنيه أنها مرحلة لا يطولها الكثيرون ولا يقدر على الوصول إليها إلا القلّة المجتهدة كيف لا وهي «عالية» لكنّها اليوم صارت متاحة لمن هبّ ودبّ. إنّ فتح الأندلس أسهل من فتح الملف الجامعي في تونس لأن قلعة التعليم تصدّعت وتشقّقت. لقد صارت الجامعات في بلادنا مجرد بناءات عادية لا تكاد تفرق في شيء عن بعض الشركات الصغرى والمتوسطة. هذا شكلا، أما مضمونا فيعبّر عن هذا التدهور أحسن تعبير ذلك الطّالب الذي قال بعد تخرّجه منها : ودخلتها جاهلا متواضعا.....وخرجت منها جاهلا دكتورا. 
في رأيي المتواضع إصلاح الجامعة التونسية يكون من خلال جعلها تتماشى مع واقعنا المعيش ومع حاجيات شبابنا ولا يكون ذلك إلا بإدراج مواد جديدة ولعلّي أقترح هنا بعضا منها: 
* مادة البرومسبور: من أهم المواد التي يجب أن يتقنها الطّالب. إن ضربة حظ واحدة تغني عن شهادة دكتورا زائد 2 شهائد ماجستير وتسلّق سلّم النّجاح مع ما يقتضيه ذلك من تعب وعرق ودموع، شيء تجاوزه الزمن...لا داعي للبحث عن سلّم النجاح فالمصعد الكهربائي موجود ويستطيع أي إنسان أن يصعد بلا تعب وبسهولة وبسرعة تفوق الخيال وأن يبني مستقبله على «عمود واحد» بشرط أن يكون العمود الفائز.. يجب على الطالب أن يتعمّق هنا في دراسة الفرق الرياضية وترتيبها وأن يكون ملّما بتاريخ المقابلات ومطلعا على آخر الإستعدادات والتحضيرات لكل الفرق. 
* مادة الحرقة: من أهم المواد التي يجب تدريسها للطلبة. إذا كنت متفوّقا فمكانك ليس هنا وإذا كان مستواك بائسا فأبحث لنفسك عن فرصة أخرى في بلد آخر..صحيح أن أوروبا لا تحبّنا ولكن نحن أيضا لسنا هائمين بها عشقا وكما قيل فإنما الدنيا مصالح...على الطالب أن يتقن طرق التعامل مع «الحرّاقة» و أيضا أساليب الهروب من حرس الشواطئ التونسية والإيطالية وكذلك لا بأس من الإطلاع على بعض الأمثلة التطبيقية الناجحة في ميدان الهجرة السرية. ويجب التركيز خاصة على كيفية التصرّف في محتشدات المهاجرين في إيطاليا.
* مادة أوقات الفراغ: هذه المادة عبارة عن وقت فارغ يمرّ هكذا بدون معنى ولا فائدة وهي صورة للمستقبل الذي ينتظر الطلاب وتمرين على الحياة المقبلة أمامهم والمليئة بالفراغ والعدم. على الطالب أن يستعرض مهاراته في التكيّف مع الفراغ الذي سيعيش فيه وأن يبدّد وقته بين المقاهي والشوارع والنوم والفايس بوك لمن إستطاع للإنترنت سبيلا. 
* مادة الرياضة: سنقتصر هنا على رياضتين. الرياضة الأولى هي العدو ليتعلّم الطالب الجري خلف المترو والحافلة أو الهرب من الرافل والرياضة الثانية هي السباحة التي ستفيده عند الهجرة السريّة وخاصة في أكثر لحظات حياته أهمية وهي قطع المسافة بين القارب وشاطئ جزيرة الأحلام لمبدوزا. 
* مادة الهاتف الجوال : هذه المادة ستخصّص لدراسة الفرق بين مشغّلي الإتصالات الثلاث في تونس والعروض التجارية التي يقدّمونها (برومو وتعريفات). كما سيدرس الطلاب مختلف أنواع الهاتف الجوال وذلك لتيسير إدماج الشباب في الفضاء التكنولوجي. 
* مادة الإعتصام: سيدرس الطلّاب مختلف طرق الإعتصام والإحتجاج وكيفية إجبار الطرف المقابل على تنفيذ مطالبهم كما سيتطرّقون إلى تاريخ الإعتصامات في تونس وفي العالم على أن تختم المادة بإعتصام كبير يشاركه فيه الإطار التعليمي والطلاب. 
* مادة الأكتاف: هذه المادة من أهم المواد التي يجب أن يرتكز عليها التعليم الجامعي إن لم تكن الأهم على الإطلاق. إن مستقبل الطالب بعد إتمامه للمشوار الجامعي ليس رهينا بيديه ولكنه رهين بأشخاص آخرين قد يكونون أقاربه أو مجرّد أصدقاء يتوفّر فيهم شرطي الجاه والنفوذ. الأكتاف هي مفتاح بيد الطالب يدخل بها من أي باب يشاء ويختار وهو أيضا علم ضارب في القدم في تونس بعهودها الدستورية والنوفمبرية والثورية وأي طالب يبغي النجاح والتفوق يجب أن يعرف أولا من أين «تؤكل الكتف». هذا تقريبا ما يحتاجه الطالب التونسي اليوم ليخرج من الجامعة متسلّحا بكل الأدوات والمعارف اللازمة لمواجهة الواقع......ما سوى ذلك لن يقود سوى للجنون أو للإنتحار.