في الشأن السياسي

بقلم
فيصل العش
نحو سيناريو للإنقاذ وانتقال ديمقراطي مشوّه
 إسفين في سفينة الانتقال الديمقراطي
كنّا نبهنا إبّان انتخابات 23 أكتوبر 2011 وتكوين المجلس الوطني التأسيسي، بأن المرحلة الانتقاليّة التي تعيشها البلاد لا يمكن أن تتحمل تقسيم القوى السياسيّة إلى حكم ومعارضة وأنّ على جميع الأطراف أن تتعاون من أجل السّير بالبلاد في طريق إرساء النظام الديمقراطي بعيدا عن صراعات الغالب والمغلوب التي لا تخدم إلا المنظومة القديمة.  لكنّ الفائزين في الانتخابات من جهة والمنهزمين الذين لم يستصيغوا نتائجها لأسباب متعددة من جهة أخرى، انقادوا بسرعة إلى التكتّل في فريقين، واحد للحكم ممثّلا في «الترويكا» والآخر للمعارضة، فكان ذلك الإسفين الأول الذي دقّ في سفينة الانتقال الديمقراطي الحقيقي في البلاد.
الإسفين الثاني
سرعان ما بدأ الانحراف عن المسار الذي رسمته انتخابات 23 أكتوبر يبرز في أداء عدد كبير من القوى المكوّنة للمجلس الوطني خاصّة بعد تكوين حكومة «الترويكا». فعوضا عن العمل المشترك المطلوب من كافّة أعضاء المجلس لكتابة فصول الدستور وتوجيه الحكومة التي تمّ اختيارها للعمل ضمن خطّة وطنيّة تهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية والبحث عن حلول لمشاكل البلاد المتشعّبة، انبرت الأطراف تصطاد لبعضها البعض الأخطاء وتحاول كل منها بكل الطرق عرقلة مبادرات غيرها. فغدت «المعارضة» العدو رقم واحد للحكومة وغلب على أدائها طابع الاحتجاج والرّفض لما تقترحه أو تفعله بلغ في عدّة مناسبات مستوى الانسحاب من جلسات الحوار داخل المجلس والمشاركة في مظاهــــرات تندد بممارســـات الحكومـــة وتدعو إلى «إسقاط النظام» بينما تجنّد أعضاء المجلـــس ممن ينتمــــي إلى الثلاثي الحاكم أو أغلبهم للدفاع عن اختيارات الحكومة وتحوّل بذلك المجلس التأسيسي إلى حلبـــــة صـــراع بين «الترويكـــا» و«المعارضين لها» محركه الرئيسي النشاط الحكومي وأداء الوزراء. ونتيجة لعدم توازن القوى داخل المجلس وميلها لصالح التحالف الحكومي، فإن مهام رقابة المجلس للحكومة أصبحت بلا معنى. وفقد بذلك المجلس الوطني دوره الحقيقي في إعداد الدستور والمراقبة الصارمة لأداء الحكومة وتنازل عن سلطته لفائدة الحكومة والأحزاب التي من ورائها فكان ذلك الإسفين الثاني الذي دقّ في سفينة الانتقال الديمقراطي الحقيقي في البلاد. 
الإسفين الثالث
وما إن مرّت السنة الأولى التي من المفترض أن يتم في نهايتها المجلس التأسيسي أعماله ويختم الدستور بعد كتابته ومناقشة فصوله وأبوابه بناء على اتفاق التزمت به عدّة أحزاب من بينها حزبين من الترويكا الحاكمة، حين وقّعت على وثيقة الانتقال الديمقراطي قبل الانتخابات، حتّى تعالت أصوات المعارضة داعية إلى إسقاط الحكومة بحكم انتهاء شرعيتها فتحولت الساحة السياسية إلى حلبة صراع وتنازع حول «الشرعيّة» مما زاد في توتير الأوضاع وفي ارتفاع نسبة عدم الاستقرار والاحتقان السّياسي والاجتماعي وتنامي ظاهرة النزوع إلى التمرّد الفردي والجماعي على أجهزة الدولة. فكانت فرصة سانحة للإرهاب أن يكشّر عن أنيابه ويعلن مطامعه في بلد تسيّره حكومة متردّدة ومعارضة ضعيفة مشتتّة لا هدف لها سوى إسقاط الحكومة، فكانت تونس على موعد مع الاغتيال السياسي في مناسبتين الأولى كـــــان ضحيتهـــا زعيـــم الوطنييـن الديمقراطييـــن شكري بلعيـــد (6 فيفري 2013) والثانية كان ضحيتها النائب بالمجلس الوطني الحاج محمد البراهمي (25 جويلية 2013) كما ضرب بقوّة في مناسبات مختلفة ذهب ضحيتها عدد من الجنود والحرس والشرطة. وبالرغم من تحوّل الإرهاب إلى خطر حقيقيّ يهدّد مستقبل البلاد فإن القوى السياسية لم تتوحّد كما كان منتظرا لمقاومته واستئصاله بل سارعت باعتماده ورقة في صراعها على الحكم، فكان ذلك الإسفين الثالث الذي دقّ في سفينة الانتقال الديمقراطي الحقيقي في البلاد.
الإسفين الرابع
من بين أهم الشعارات التي رفعت بعد النجاح في التخلص من  الدكتاتور، شعار إرساء نظام للعدالة الانتقاليّة يتمّ من خلاله فتح الأرشيف وكشف حقيقة الانتهاكات التي وقعت خلال فترة الاستبداد  وإنصاف المظلومين وتحقيق المصالحة الوطنية عبر العمل على تفكيك منظومة الاستبداد ووضع القوانين والمؤسسات التي تمنع عودتها من جديد. لكن التجاذبات السياسيـــة حالت دون التسريع فــــي صياغتـــه. إن تأخر مسار العدالة الانتقالية، الذي تتحمل فيه الترويكا المسؤولية الرئيسية، وعدم الوضوح في مسار المصارحة والمحاسبة والمصالحة، جعل عودة منظومة الفساد القديمة ممكنة جدّا فالتقارير تقول بأن حجم الفساد المالي وتحويل الأموال إلى الخارج وشبكات التهريب وشبكات المافيا قد عززت موقعها بعد ثلاث سنوات من الثورة كما عادت بعض رموز العهد البائد تروّج للمنظومة القديمة وتتجاسر على الثورة وتشتمها في بعض الأحيان فتحوّل هؤلاء من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم فأصبح صوت الثوار خافتا وصوت المنظومة القديمة مرتفعا ينبئ بعودتها من جديد. فكان تأخير إرساء منظومة «العدالة الانتقالية» الإسفين الرابع الذي دقّ في سفينة الانتقال الديمقراطي الحقيقي في البلاد.  
حوار وطني فاشل
تعطّل العمل داخل المجلس الوطني التأسيسي بعد اغتيال النائب البراهمي رحمه الله وانسحب عدد كبير من نواب المعارضة معلنين نهاية حكم الترويكا وداعين مع بعض القوى التي التحقت بهم إلى حلّ المجلس التأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني بقيادة جبهة الإنقاذ  داعين الناس إلى العصيان المدني ضد حكومة فقدت شرعيتها بالكامل ولم تعد قادرة على فرض الأمن ومقاومة الإرهاب. وحاول كل طرف استعراض عضلاته عبر تجييش الشارع وتنظيم الاعتصامات والتجمّعات الشعبية فازداد الوضع سوءا وتفاقمت الأزمة السياسية بالبلاد إلى أن دعا الاتحاد العام التونسي للشغل إلى حوار وطنيّ يرعاه صحبة اتحاد الصناعة والتجارة وعمادة المحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان للخروج من الأزمة التي عصفت بالبلاد وإعادة المسار إلى سكّته الحقيقية.
لكن الحوار الوطني فشل منذ يوم افتتاحه لأنه لم يحض بإعداد جيّد ولم تحدّد غايته بوضوح وسقط الرباعي المشرف عليه في خطإ الانحياز إلى أطراف دون أخرى وبالرغم من انسحاب ثلاثة أحزاب أحدها شريك في الحكم ورفض أحزاب أخرى المشاركة في الحوار، فقد ركب الرّاعون رؤوسهم كما يقال وحاولوا إنجاحه عبر طرح أجندة غير قابلة للتطبيق، فكان الفشل حليفهم ولم تنجح الأحزاب المشاركة في هذا الحوار ورعاته الأربع في تحقيق الخطـــوة الأولى المتمثلـــة في اختيار رئيس للحكومة الانتقالية التي ستأخذ مكان حكومة الترويكا.  
جميع الأطراف تصرّح بأن الحوار هو السبيل الوحيد لتجاوز الأزمة وإيجاد الحلول المناسبة لها، لكنها في نفس الوقت لا ترنو إلى حوار حقيقي يجمع أوسع ما يمكن من الأحزاب والعائلات السياسية ويتمّ فيه تشريك المجتمع المدني. حوار يحصل فيه تقييم مسار المرحلة الانتقالية خلال السنتين المنقضيتين بكل وضوح من دون مزايدات يعترف فيه كل طرف بمسؤوليته، ويتمّ خلاله تعميق النظر في القضايا الأساسية التي لا تحتمل التأجيل، وفي مقدمتها مسألة الانتهاء من كتابة الدستور ومسألة العدالة الانتقالية والبحث عن سبل لتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد وتحدّد فيه بوضوح الشروط الضرورية لبناء توافق وطني صلب على أساس الالتزام بتحقيق أهداف الثورة، وحماية مدنية الدولة والحريات العامّة واعتماد الآليات الديمقراطية وعلى رأسها الانتخابات كسبيل وحيد للحصول على التفويض الشعبي لحكم البلاد.
لكن ذلك لن يحدث من خلال ما سمي بالحوار الوطني برعاية الرباعي الشهير فذاك الحوار قد انتهت صلوحيته ومن العبث محاولة نفخ الروح في جسد قد توفي «إكلينيكيا» فهل ستدخل البلاد في دوامة عنف وفوضى كما توقع البعض؟ أم أننا سنرى في الأفق القريب مبادرة جديدة تكون بديلا جدّيا لحوار الرباعي؟ وما هي حقيقة الحوارات الجانبية التي تحدث هنا وهناك بين أطراف دون أخرى؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في المبادرة البديلة لتضمن النجاح ومن ثمّ إنقاذ البلاد وإعادة قطار الانتقال الديمقراطي إلى سكّته الحقيقية؟ 
تفاؤل برغم المصاعب والمخاطر
عدد من المؤشرات الهامّة تجعلنا متفائلين رغم المصاعب الجمّة والمخاطر الحقيقية التي تواجهها البلاد أهمّها :
* المرونة و ضبط النفس التي تميزت بهما حركة النهضة خلال الفترة السابقة حيث أبدت استعدادها لتقديم تنازلات مؤلمة في بعض الأحيان من أجل تفادي الفوضى والذهاب إلى المجهول.
* إصرار بعض قيادات الإتحاد العام التونسي للشغل للقيام بدور ناجح في إنقاذ البلاد من المأزق التي أصبحت فيه حتّى يحافظ الاتحاد على مكانته وموقعه في الساحة الوطنية.
* إذا استثنينا من يوجد على يمين النهضة ومن يوجد على يسار ما يسمّى بالقوى الديمقراطية، فإن التوجه العام للنخبة التونسية، بالرغم من فشلها في مهامها المناط بعهدتها، كان ولا يزال رفض انزلاق البلاد إلى فوضى غير معلومة العواقب. فالنخب التونسية التي قبلت يوم 14 جانفي 2011 بالسيد محمد الغنوشي ومن بعده السيد الباجي القايد السبسي رئيسا للحكومة الانتقالية والسيد فؤاد المبزع رئيسا مؤقتا للجمهورية  وهم جميعا من رموز النظام البائد وذلك في سعي للمحافظة على الشرعية، ستتعامل مع مجريات الأحداث بما يجنّب البلاد السقوط في الفراغ أو الفوضى وستجد في نهاية المطاف مخرجا للأزمة. 
* دور العنصر الخارجي المتمثل في موقف القوى الدولية والإقليمية مما يحدث في تونس وأهمية تأثيره على المنطقة برمّتها وهو دور برغم أهميّته في هذه المرحلة يحاول البعض التقليل منه. فجميع الأطراف الخارجيّة بدون استثناء لا تقبل بأن تذهب البــــلاد إلى المجهول لأن ذلك ستكون نتائجه جدّ سلبية وستكون مضارّه كبيرة. ففشل التجربة التونسية ستقضي نهائيّا على «مصطلح الديمقراطية» في المنطقة العربية ولن يكون بوسع المبشرين به ومناصريه أن يجدوا له موقع قدم في هذه البلاد أو غيرها ولن يكون البديل سوى الصراع والبقاء للأقوى وهو ما يخدم التطرف الديني الذي سيجد الأرضية ملائمة للدعوة إلى أفكاره التي تقوم على العداء للغرب واعتماد القوّة والسلاح لفرض الدولة الدينيّة التي يبشرون بها.
وإصابة تونس بداء الفوضى سيدفع الكثير من التونسيين إلى هجرة بلادهم سرّا وعلنا وسيكون ذلك في اتجاه أوروبا التي تخشى أن يتكرّر سيناريو التسعينات عندما تسببت الفوضى والتقاتل الجزائري الجزائري في هجرة عدد كبير من الجزائريين نحو أوروبا بصفة عامّة وفرنسا بصفة خاصّة. 
ولسائل أن يسأل: إذا كان عدد المهاجرين السرييّن من التونسييّن في اتجاه ايطاليا قد بلغ عشرين ألفا عندما تسلّم السيد القائد السبسي رئاسة الحكومة بعد القصبة (2) في وقت كانت فيه البلاد تستعدّ لإنجاز أول انتخابات حرّة ونزيهة والتونسيون مزهوّون  بثورتهم، فكم سيكون عدد «الحارقين» والمهاجرين عندما تتأزم الأوضاع وتسير نحو الفوضى؟ 
أمّا الجزائر الشقيقة، فإنه ليس من مصلحتها استمرار عدم الاستقرار في تونس وفشل الفرقاء السياسيين في إيجاد حلّ للأزمة المستفحلة في البلاد لما لانفلات الأمور والفوضى في تونس من أثر سيئ على استقرار الجزائر ولهذا عمل الرئيس بوتفليقة على مدى الأشهر السابقة جاهدا على تقريب وجهات النظر بين أهم الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية التونسية.
لهذا نرى أن دولا من الاتحاد الأوروبي تسعى جاهدة منذ مدّة صحبة الجزائر والولايات المتحدة الأمريكيّة للمساهمة بطريقة ما حلحلة الواقع السياسي لتفاديّ الأزمة والوصول إلى حلّ يجنّب البلاد أتون الفوضى، ليس حبّا في تونس ولكن حماية لمصالحها وتجنّبا لواقع جديد لا يجلب إليها غير المتاعب.
سيناريو  «الإنقاذ»
كيف يمكن أن نكون متفائلين والحال أن الأزمة ازدادت استفحالا مع نهاية السنة الإدارية الحالية. فالحكومة لم تعد بمقدورها تسيير البلاد بعد أن أعلنت على لسان رئيس حكومتها أنها مستعدّة للتنحي وتقديم استقالتها، وما شهدته بعض الجهات من تململ واحتقان نتيجة مشاريع تزمع الحكومة الحالية برمجتها لفائدة بعض الجهات دون أخرى. كما أن المؤشرات الاقتصادية لا تبشّر بخير خاصّة بعد تردّد بعض المموّلين في تنفيذ الاتفاقيات المالية مع تونس نتيجة عدم الاستقرار السياسي والخفض من التصنيف السيادي للبلاد بالإضافة إلى طبيعة الميزانية الجديدة التي أعدتها الحكومة ولم ترق لكثير من الأطراف الفاعلة في البلاد زد على ذلك استحالة إتمام مناقشتها من طرف المجلس التأسيسي قبل نهاية هذا العام. فما هو السيناريو الذي قد ينقذ الموقف ويعيد ترتيب البيت التونسي من جديد؟
يرى بعض العارفين لخفايا الأمور السياسية في تونس أن شعار «اشتدي أزمة تنفرجي» سيكون شعار المرحلة القادمة بامتياز وأن تأزّم الأوضاع الاقتصادية في البلاد سيفرض على الجميع القبول بفكرة حكومة «إنقاذ وطني» بعيدة كلّ البعد عن مقترح الجبهة الشعبية وعمّا خطط لها الرباعي الراعي للحوار الوطني ضمن أجندته الشهيرة. وقد تكون مهلة العشرة أيام التي أعطاها السيد حسين العباسي للأطراف السياسية قبل أن يقرّر صحبة شركائه في الرباعي مصير الحوار الوطني كانت ضرورية ليطبخ المقترح الجديد على نار هادئة  بعد أن انطلقت الحوارات حوله منذ مدّة غير قصيرة  بين عدّة أطراف في عدّة محطّات من بينها باريس والجزائر والعاصمة الألمانية ومقر الإتحاد العام التونسي للشغل ومونبليزير.
يومان فقط تفصلنا عن المهلة التي حددها الرباعي لتقرير مصير الحوار الوطني ونرى أن السيد حسين العباسي لن يقدر على الإعلان عن فشل الحوار لحفظ ماء الوجه والمحافظة على مكانة الاتحاد وموقعه في الساحة الوطنية ولهذا فإنه قد يعلن عن تغيير جذري في المبادرة ليمرّر فكرة حكومة «الإنقاذ الوطني».
تتمثل المبادرة حسب ما تمّ استنتاجه من العديد من الحوارات والأخبار الصحفية، في الاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات من مهامها الأساسية وضع وتنفيذ خطّة لإنقاذ الوضع الاقتصادي للبلاد وتثبيت الأمن ومقاومة الإرهاب وإعادة الاعتبار إلى مؤسسات الدولة واتخاذ قرارات عاجلة في حق الجهات المحرومة من أجل إعادة الثقة في نفوس المواطنين وتحقيق الاستقرار. لكن الخاصيّة التي ستميّز هذه المبادرة هي أن الحكومة ستبقى تسيّر البلاد خلال ما تبقّى من الفترة الانتقالية الحاليّة وتواصل عملها خلال المدّة النيابيّة القادمة لمواصلة تطبيق البرنامج المتفق عليه مهما كانت نتائج الانتخابات مع امكانية تطعيمها في الأثناء بوجوه جديدة وبذلك تحقق أمرين اثنين أساسيين :
* إعطاء ضمانات كبيـــرة للمستثمريـــن والدول المانحـــة تتمثل في استمرارية الطرف الذي ستتعامل معه والسياسة المتبعة في تسيير البلاد.
* طمأنة القوى السياسية المختلفة التي تخشى نتائج الصندوق بأنها ستبقـى طرفـــا مشاركـــا في الحكــــم بصفـــة مباشرة أو غير مباشرة وهو ما سينمّي نسبة الثقة بين مختلف الأطراف.
تستمدّ حكومة الإنقاذ الوطني شرعيتها من التوافق بين الأطراف السياسية ويساعدها في تنفيذ برامجها مجلس سياسي يضمّ أهم الفاعلين  السياسيين في البلاد بالإضافة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الأعراف لما لهاتين المؤسستين من دور رئيسي في تحقيق الوحدة الوطنية وضمان الهدنة الاجتماعية المطلوبة.
يرى مخططو هذه المبادرة أن الانتخابات لا يمكن أن تنهي الفترة الانتقالية التي لم ترس فيها دعائم الديمقراطية ولن تنهي بذلك الصراع والتشتت السياسي بالبلاد مادامت الثقة منعدمة بين مختلف الأطراف ومهما كانت نتائج الانتخابات القادمة فإن الخاسر فيها لن يقبل بنتائجها وسيمارس مختلف الأساليب لتعطيل عمل الحكومة التي ستشكّلها الأطراف الفائزة في الانتخابات وهكذا ستعود البــــلاد من جديـــد إلى نقطة الصفر وستبقى ميزة عدم الاستقرار طاغية على الوضــع في البلاد لهذا فإن مواصلة «حكومة الإنقاذ» لمهامها مهما كانت نتائج الانتخابات سيحقّق الاستقرار وسيكون بإمكان الفائزين في الانتخابات التشريعيّة  مراقبة عمل الحكومة والتأثير فيه بحكم مهامهم التشريعيّة.
لن يكــون من السهل إقناع جميـــع الأطراف بهذه المبــادرة لأنها لم تكن نتيجة لحـــوار وطنـــي واسع شاركت فيه جميع الأطـــراف من أحزاب وعائلات سياسية وفكرية وجمعيات المجتمع المدني ولأنها ستحسم نهائيا في مسألـــة الشرعيّـة الانتخابيّة التي أفرزتها انتخابات 23 أكتوبر 2011  ولن تسلّم الحكم للقــوى الفائــزة في الانتخابــــات بل ستوفّق بين الشرعية الانتخابية التي ستحصل بعد الانتخابات القادمة وما يسمّى بالشرعية التوافقية. إنها نموذج جديد ابتكرته صالونات الحـوارات الثنائيّــــة وزكّتــه الظروف التي أصبحت عليها البلاد. هي ليست الديمقراطية المنشودة ولكنها حلّ سيرضي الأطراف الرئيسية في الصراع وهي النهضة والنظام القديم والنقابيين. وسيجنّب البلاد هزّات أخرى أكثر عنفا لن يصمد أمامها أحد حسب المتحمسين له. 
الخاتمة
إنّ نجاح هذه المبادرة أو فشلها، إن ثبت وجودها وتمّ طرحها على الأطراف سواء يوم 14 ديسمبر أو بعده بقليل، سيكون له التأثير البالغ في الساحة السياسية وسيتسبب في إعادة تشكيلها من جديد وبذلك ستختفي تحالفات وتظهر أخرى حسب ما تمليه المرحلة. 
وفي انتظار تأكيد هذه الفرضية أو نفيها تبقى بعض الأسئلة مطروحة تنتظر الإجابة. من سيكون الرجل المناسب لمنصب رئاسة هذه الحكومــة؟ هل ستعود شخصيــة السيد منصــور معلّـى لتطفـــو من جديد على الساحة نظرا لأن للرجل موقفا قريبا من هذا المقترح سبق وأن صرح به ضمن مبادرة قدّمها قبل عام من الآن (سبتمبر2012 )؟  وكيف سيتم التوافق حول برنامج عمل حكومة «الإنقاذ» ؟ هل سيتم داخل حوار وطني حقيقـــي تستدعـــى فيه مختلف الأطراف لتشارك في وضع خطّة الإنقاذ ؟ أم ستتفق عليه الأطراف الرئيسيّة في حوارات سريّة في ما بينها ؟