من وحي الحدث

بقلم
اسماعيل بوسروال
نيلسون مانديلا و إشكالية «الاستبداد الشرقي» في تونس
 في تخوم الاعلان عن تعطّل الحوار الوطني بسبب عدم التّوافق حول رئيس حكومة كفاءات في تونس، تمّ الإعلان عن وفاة الزعيم التاريخي لجنوب افريقيا «نيلسون مانديلا» ذلك الرمز التّاريخي لمقاومة الميز العنصري والفائز بجائزة نوبل للسلام. وقد أثار في نفسي تزامن الأحداث أشجانا كثيرة حيّرتها أوضاع بلادي والأفق الرّمادي الغائم الذي ما فتئ تتلبّد سحبه منذرة لا بالأمطار والغيث النّافع بل بالزّوابع والأعاصير. أفق غائم يجعلني أعود إلى البحث عن أضواء خافتة لعلّها تظهر في نهاية النفق. ولا مناص من الانطواء على النّفس لاسترجاع الأحداث والمواقف وطرح السؤال المركزي: هل يمكن أن تكون تونس مثل جنوب افريقيا ؟ هل يمكن لتونس أن يكون فيها مثلما في جنوب افريقيا مساواة تامة بين مواطنيها البيض والسود ؟ 
قد يتبادر إلى ذهــــن القارئ جواب أول بديهي صدّع رؤوسنا كثيرا وهو أن «الشّعب التّونسي شعب متجانس ليس له مشاكل بسبب الدّين أواللّغة أو العرق. فالتّونسيون أغلبهم مسلمون على المذهب المالكي والتّونسيون مواطنون متساوون سواء كانوا مسلمين أو يهودا أو نصـــارى أو غير ذلك ولا توجــــد روح عنصريّـــة بسبب اللّون او العرق .
كلام «باشوات» من بارونات السّياسة والإعلام ينطبق عليه البيت الشعري البليغ للشاعر التونسي منوّر صمادح:
شيئان في بلدي قد خيبا أملي   
        ***
                                   الصدق في القول والإخلاص في العمل.
شهدت تونس في نوفمبر 2013 حوارا وطنيا هادفا إلى التّوافق على رئيس حكومـــة يعهد إليه بتشكيل «حكومة كفاءات مستقلّــــة» وهي طريقــــة مختلفــــة عن المألــوف فـــي المجال السّياســـي، حيث عوّض «الحــــوار الوطني» عملية «الانتخابات» من خلال مبدإ «التوافـــق». ويمكن الجـــزم أن الانتخابات الوحيـــدة التي تمّت وفق المعاييــر الدّوليـــة هــــي انتخابات المجلــــس الوطني التّأسيســـــي ( 23 أكتوبر  2011).
إن المقارنة الأولى بين جنوب افريقيا نيلسون مانديلا وتونس ثورة الحرية والكرامة تقتضي أولا تشخيصا دقيقا وتحليلا منطقيـــا يؤدّي إلـــى «تحديد خاصيات» نظام جنوب إفريقيا العنصري وتحديد خاصيـات « تونس المستقلة في عهدي بورقيبة وبن علي».
كانت جنوب إفريقيا بلدا قائما على الميز العنصري حيث البيض لهم كامــــل الحقـــوق وليس للسكّـــان السّود مثل هذه الحقوق وكانت تونس المستقلة دولة فيها مواطنون متساوون «نظريا» حسب الدستور ولكن يُمارس ضد صنف منهم «ميز عنصري» وهي فئة «الإسلاميين».
كانت جنوب إفريقيا تعيش وضعا واضحا : إمّا أسود وإمّا أبيض وجاء نيلسون مانديلا ونجح في أن يعترف الأبيض بظلمه للأسود فتساوى الناس وبنوا حياتهم على أساس جديد « لا عنصرية فيه». 
أما تونس فكانت تعيش وضعا رماديا غائما فلا تتمايز فيه الألوان إلا بالبوليس السياسي المتكوّن من اليسار الانتهازي والتجمّع الدستوري الدّيمقراطي .
جاءت ثورة الحرية والكرامة فلم يعترف «الظالمون» بظلمهم ولم يقرّوا بما ألحقوه بضحاياهم فاستمرّ الوضع رماديا غائما إلى مرحلة ما يسمّى بالحوار الوطني .
المنطقة الرمادية مستمرّة في  تونس بعد الثورة 
وإنّي سأخصص هذه المقالة لبعض المحطات الفارقة في التاريخ السياسي التونسي وهي انتخابات 1981 وانتخابات  1989
فكيف كانت تُجرى الانتخابات قبل ذلك ؟
لقد واكبت المحطات الانتخابية في البلاد التونسية منذ الستينيات إلى «ثورة الحرية والكرامة» وانتخابات 23 أكتوبر... لقد عايشت كيف بنى النظام السياسي التونسي نفسه على مفارقة غريبة وهي أن يسمح لك بالذّهاب إلى الانتخابات ولكنه لا يسمح لك بالاختيار الحرّ لتنتخب من تريد .
ففي سنة 1981 أعلن النظام البورقيبي عن مرحلة جديدة من «التعددية السياسية» باجراء انتخابات تشريعية تعدّدية سابقة لأوانها مواكبة لسياسة الانفتاح التي انتهجها القادم الجديد وقتئذ المرحوم محمد مزالي ...وقد كانت فكرة السيد محمد مزالي تهدف الى ضرب عصفرين بحجر واحد كما يقول ذلك المثل العربي الشهير ... الحجر هو الانتخابات أم العصفور الاول فهو التخلّص من أنصار السيد الهادي نويرة وانشاء طبقة جديدة من الدساترة المؤمنين بمزالي كرجل المرحلة أمّا العصفور الثاني فهو وضع التعددية السياسيّة موضع التنفيذ من خلال الانتخابات.
تم اصطياد العصفور الأول  باعتبار عملية التزكية التي خضع إليها المرشّحون. أما العصفور الثاني فيمكن الحكم عليه من خلال ما حدث فعلا . فهل كانت انتخابات ؟ وهل كانت تعددية ؟
شاهدت المرحوم محمد مزالي في قناة المستقلة  وفي قناة الجزيرة وهو يتحدث عن تلك الانتخابات مؤكدا أن قرار تزوير نتائجها أبلغه به وزير الداخلية آنذاك السيد إدريس قيقة وهو قرار اتخذه الزعيم بورقيبة. واعترف السيد  الباجـــي قائد السبسي بتزييـــف تلك الانتخابــــات في أكثـــر من حديث صحفـــي وقد كـــــان وزيرا للخارجيــــة آنذاك. ولكن ما أودّ أن أحسم به تلك التصريحات هو ما عشته على الميدان. كنت من مناصري قائمة «حركة الديمقراطييـــن الاشتراكييـــن» في سيدي بوزيد ولمست منذ اليوم الأول للحملة الانتخابية تكوين ميليشيا دستورية في قريتي الصغيرة مرتبطة مباشرة بالمسؤول الأول الجهوي للحزب مهمتها منع ومضايقة ومهاجمة وتهديد من ترشّح ومن يناصر أو يدعو أو يساند « القائمة الخضراء». ووصل الأمر بالميليشيا إلى حرق فعلي لمحلّ ولسيارة أحد الناشطين وتهديد مساكن وعائلات آخرين لإشاعة مناخ الخوف وفرض «القائمة الحمراء» تحت الضغط ... وكان نصيبي التهديد القولي والفعلي المتمثل في إلقاء مواد مشتعلة في حديقة المنزل ...وسُجّلت قضايا الحرق والاعتداء كلّها ضد مجهول وبقي مجهولا الى اليوم. وقد علمت بهذه التفاصيل لأنني أولا كنت من بين المستهدفين للترهيب والعنف ... و ثانيا لأنني  استقيت هذه المعلومات من « أصدقاء» دساترة مسؤولين في الحزب كانوا رافضين لهذه الأساليــب ومعترضيـــن عليهـــا ويدينونهـــا. وكان رأيهم أن ينتهج النظام التّمشـــي الدّيمقراطـــي قولا وفعـــلا وألاّ ينطبق عليه مجدّدا ما ورد في البيت الشعري لمنور صمـــادح عن الحقبات السابقة . 
الانتحابات التشريعية لسنة 1989
 جاء ما اصطلح على تسميته بــ «تحوّل 7 نوفمبر1987» وحمل معه بيانا استبشرت به الطبقة السياسية في تونس وعموم المواطنين.وقرّر النظام الجديد أن يُجري انتخابات تشريعيّة لتأكيد التزامه بالتعدّدية السياسية – وفق ما ورد في بيان 7 نوفمبر –
كنت مسؤولا عن جوانب تنظيمية في الحملة الانتخابية للقائمة المستقلة في سيدي بوزيد – ذات اللون البنفسجي - وقد سمح لي هذا الاعتماد الرّسمي لدى السّلطة الإدارية لأتبيّن مباشرة مدى جدّية السلطة القائمة في التّمشّي الديمقراطي وهل هو فعلا صدق في القول وإخلاص في العمل أم خيبة أمل جديدة على المنوال  الشعري لمنور صمادح ؟ 
واكبت الحملة الانتخابية للقائمة المستقلة من بدايتها الى نهايتها ( وهي قائمتي المفضلة ) وحضرت اجتماعات عدد من الأحزاب المترشحة وهي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والحزب الاشتراكي التقدمي والتجمع الدستوري الديمقراطي واستمعت إلى اطروحاتها وبرامجها. لاحظت اختلافا عن انتخابات 1981 المزوّرة منذ انطلاقها  حيث في 1989 التزمت الإدارة بالحياد وقام الأمن بوظائفه وكنت أمنّي النّفس بــأن يكون بيان 7 نوفمبر صادقا في قوله « إن شعبنا جدير بحياة ديمقراطية متطوّرة».
كانت المفاجأة المذهلة في نهاية الحملة الانتخابية وفي اليومين السابقين ليوم الاقتراع ... لقد تم الكشف عن رؤساء مكاتب التصويب ومساعديهم فإذاهم كالآتي رئيس المكتب هو رئيس شعبة دستورية ومساعدا رئيس المكتب عضوا شعبة ... وبعد انتهاء الحملة الانتخابية – قانونيا – والدخول في الصمت الانتخابي تخلّت الإدارة عن حيادها وتخلى الأمن عن وظيفته وتكرّر سيناريو 1981 بظهور  «متأخّر» للمليشيا بأساليبها المعتادة وفق منظومة متكاملة ( الإدارة – الأمن – المنظمات ... ) في خدمة « القائمة الحمراء».
وجاء يوم التصويت (02-04-1989). كنت مشرفا ممثلا للقائمة المستقلة لمنطقة ترابية محدّدة تضمّ حوالي 20 مكتب اقتراع ... وكان لنا في كل مكتب مراقبان اثنان ... وقمنا بمتابعة جميع مراحل العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها ... ورغم أن اللّجنة التّنظميّة للقائمة المستقلة قرّرت سحب المراقبين في حدود منتصف النهار،  لأن بعض مكاتب الاقتراع  في ضواحي المدينة تمّ غلقها بسبب التصويت الكثيف لفائدة القائمة المستقلة، إلا أنّني فضّلت  باجتهاد مني، استمرار المراقبين الذين أنسّق بينهم في عملهم وكنّا شاهدين على الكذبة الثانية عن «الانتخابات التعددية»  .
كانت حقبة التسعينيات حقبة مظلمة في تاريخ الحياة السياسية في تونس من جميع الوجوه، لأن النظام النوفمبري قرّر بناء جهاز حكم قائم على « الانتقام» من التيار الإسلامي ...ولا يمكن مقارنته بالمنهج البورقيبي ... كان الزعيم بورقيبة يسجن قادة التيار الإسلامي  لكنّه لم يصل الى اجتثاث التّيار واستئصاله كما فعل النظام النوفمبري بتحالفه مع اليسار الانتهازي. 
إن التعذيب والسجن والتشريد والتجويع الذي تمّ تسليطه على فئة من المجتمع يجعل من الصعب على تونس أن تنجز ما حصل في جنوب إفريقيا على يد نيلسون مانديلا ما لم يتم الاعتراف الكامل به، لا سيما ونحن نرى هذه الأيام استعادة المنظومة السابقة لآليات العمل التي اعتمدتها في التسعينيات لمحاربة التيار الإسلامي بالإشاعة والإجراءات غير المبررة ...وإنّني أورد من أرشيف التسعينيات لقطة معبّرة تبيّن صعوبة «الحل المنطقي» لانجاز ما يشبه ما تمّ في جنوب إفريقيا .
عندما يقوم التحقيق الأمني على السّؤال التالي :
 لماذا لم تصوّت للتجمّع في الانتخابات ؟
في أواسط التسعينيات وبعد أن تولّى  النظام النوفمبري التصفية السياسية للتّيار الإسلامــي مستخدما تعلاّت لا ندري مدى صحتها الى اليوم، ملأ السجون بعسكريين ومدنيين ومعلّمين وأساتذة وطلبة ووظّف أرشيف «الانتخابات التشريعية 1989» كمقياس رئيسي للوظيفة والارتقـــاء المهني للأفــــراد . كنت وقتئــــذ موظفا تابعا للدّولــــة  خضع لأكثــــر من نقلــــة إجباريــــة.عدت إلى قريتـــي فـــي ضواحي سيدي بوزيــــد وتمت دعوتــــي بصفـــة رسميــــــة من مركــــز أمن عمومي مع تحديد الوقت والساعة.ذهبت إلى هناك. كان الفريـــق الذي حضر لاستجوابي يتكوّن  من رئيس المركز وبعض أعوانه ولكن في المكتب المجاور تواجد أمن  مدني وأعضاء من حزب التجمع الدستوري  ...
قلت لرئيس المركز:«لا يجوز لك أن تسألني عن الانتخابات»
فقال لي :«هذا إجراء تلقّيت الإذن للقيام به من القادة في الجهة وفي العاصمة».. نعم في الجهة وفي العاصمة !!!
وحيث لا يتّسع المجال لسرد كامل الحوار الذي دار بيننا ونوعية الاستجواب ومناخه سأكتفي بذكر ما يلي :
* تم تعمير بطاقة إرشادات وفق بيانات محدّدة تمّ توزيعها على الجهات المختصّة للمتابعة ويهدف العمل إلى ملاحقة ورصد الشخص أينما حلّ في تراب الجمهورية التونسية. 
* كان رئيس مركز الأمن وأعوانه  شبابا أصغر مني وأنه من المؤكّد أنهم ما زالوا يتذكّرون ذلك ومازالوا في وظائفهم ...فكيف يغيّرون ما علق بأذهانهم وعقولهم من «تجريم التصويت الانتخابي للتيار الإسلامي» بعد ثورة الحرية والكرامة ما لم يتمّ إصلاح المنظومة الأمنيّة إصلاحا جذريّا.
إنّ النّظام العنصري بجنوب افريقيا اعترف بالظّلـــم المسلّط على السكان الاصليين الأفارقة السّود وقابل «تسامح مانديلا المنقطع النظير» باعتذار شجاع واضح ... ولكن في تونس – بعد ثورة الحرية والكرامة – لم نر اعترافا بالظّلم الذي سُلّط على النّاس وبالتزوير المستمــــرّ لارادة المواطنيـــن في كل الانتخابـــات منذ الاستقــلال الى «ثورة الحرية والكرامــــــة» إنّها عقلية «الاستبداد الشرقـــي» في تونــس وهي تختلف عن الميز العنصري الذي  عاشه نلسون مانديلا.
هل يمكن لمثل نيلسون مانديلا أن ينجح في تونس 
من جهة النّهضة والتّيار الاسلامي -؟ 
مثّلت نتائج انتخابات 23 أكتوبر فرصة تاريخية لحركة النهضة لتكون على خطى نيلسون مانديلا ... لقد بوّأتها مكانة أولى في المشهد السياسي في تونس وكان بامكانها ان تفكّر في المجال الاستراتيجي وذلك بالمصالحة مع الماضي من جانبها في موقفين اثنيْن حاسميْن وهما :
* المصالحة مع الزعيم الحبيب بورقيبة فكرا وممارسة والقبول بايجابياته ووضع السلبيات بين قوسين ... لقد زار سي المنصف المرزوقي قبر بورقيبة وكان من اللباقة أن يكون رئيس الحكومة – النّهضوي - حاضرا معه ... إن مانديلا عفا عن من سجنوه 27 سنة لأنه اتّجه الى بناء المستقبل لا إلى «تكريس أحقاد الماضي». 
* الانفتاح على إطارات الدّولة التونسيّة وكفاءاتها النظيفة والتعامل معها بروح الأخوّة التونسية دون اعتبار أي علاقة سابقة بحزب التجمع الدستوري فالوضع السابق لم تكن فيه حرّية الاختيار متوفرة وهو بمثابة الوضع الاستثنائي ... وكان يمكن لمثل هذه العملية أن تمثّل فرصة للانفتاح على الطاقات بما يوفّر لها الانطلاق نحو الإبداع في مناخ حريات لم نكن نحلم به.
هل يمكن لمثل نيلسون مانديلا أن ينجح في تونس 
من جهة اليسار والتجمّع -؟ 
لا أظنّ ذلك مطلقا في الوقت الحاضر في تونس 2013  ... جواب واضح وصريح ... لأن نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا  كان أمام وضع فيه أسود وأبيض. اعترف فيه الظّالم بما قام به تجاه ضحاياه وصفح الضحايا عن الجلادين والظالمين. أمّا في تونس، فنحن أمام وضع « رمادي غائم» يزداد كل يوم سحبا ملبّدة في الأفق ، فالجلاّدون والظالمون والمعذّبون والمستفيدون بغير وجه حق عادوا إلى ممارساتهم القديمة في التربّص بضحاياهم السّابقين وعادت المنظومات القديمة إلى الاشتغـــال بنفـــس الأدوات وبنفس العقليات ( الإعلام،القضاء ، الأمن ...). فإذا عاد أحد الضّحايا إلى سالف عمله صرخت النقابات والجمعيات بأنه « انتداب حزبي» وإذا تمّت تسوية وضعية مهنية قالت النّقابات والجمعيات أنّ ذلك « ارتقاء تحت مظلة ما يُسمّى بالعفو العام» واذا ما تمّ تغيير مسؤول ما اعتبرته المحكمة الادارية اجراء مخالف للتراتيب ... الخ ...هذا مع التّأكيد على أن يكون تطبيق «قانون العفو العام» من قبل الجهات الحكوميّة شفّافا ونزيها وهادفا لإنصاف الضحايا فعلا. 
يضاف إلى هذه العقد الكثيرة  ما طرأ على المشهد من «جرائم الدّم» التي لا تخلو منها بلدان شبيهة بتونس في وضعها الانتقالي وهي جرائم يؤكد التاريخ إسهام «المخابرات الأجنبية» فيها  وتهدف إلى إن يفقد الناس الثقة في بعضهم بعضا داخل أوطانهم .
من غيــــر الممكــــن أن ينجــــح نيلســـون مانديلا في تونـــس لأنّ اليسار الاستئصالي علا صوته  السياسي العنيف العدائي الصّدامي وخفــــت صوتــــه « النضالــــي الاجتماعــــي النقابــــي» وتحالف مع أحزاب وأجهزة النظام القديم وهو الذي استفاد منه في الحقبة السابقة  في مجال الانتدابات والترقيات والمنح والهدايا وأصبحت مهمّة جزء من اليسار التونسي المركزية ليست بناء نظام تونســـي جديد منفتح على جميع التيارات بل إعادة النظام القيام والتعاون معه على استئصال التيـــار الاسلامي من جديد فعمد الى شنّ اضرابــــات لا تعرف الحــــدود ومارس الابتزاز في المفاوضات وبذلك طرح بجدية مسائل تطبيق القانون على المخالفين التي ترددت فيه الحكومة القائمة .
الموقف من الانقلاب العسكري في مصر 
وسقوط القناع عن الوجوه الغادرة .
لا أظن أن مثل نيلسون مانديلا يمكنه أن ينجح في تونس لأن اليسار التونسي السياسي والنقابي والنظام القديم وكذلك صحف وفضائيات رأس المال صفقت وهلّلت للانقلاب العسكري في مصر وصفّقت وهلّلت لمجزرة رابعة والنّهضة وهذا الموقف حاسم في فهم «عقلية»هؤلاء. إنهم لا يؤمنون لا بالحرية ولا بالديمقراطية ولا بحقوق الانسان ولا بالأسود ولا بالأبيض. إنّهم في منطقة رمادية غائمة بلا ألوان وبلا أنوار. لقد مات الضمير لديهم ولا يمكن لنيلسون مانديلا أن يفهم مشاعر وأفكار وتخطيط من «مات ضميره».  لا يمكن لنيلسون مانديلا ان ينجح معهم إلا إذا تمكّن من إعادة الحياة إلى الضمائر الميّتة وبثّ فيها الرّوح من جديد.