ركن الشعراء

بقلم
عبداللطيف العلوي
بلادي قصيدَهْ ..
 سَلْ عنِ الأمكِنَهْ ..
ماالّذي قدْ تغيّرَ من طَبْعِها الأمكِنَهْ ؟؟
برُّها ؟ بحرُها ؟ 
حرُّها ؟ قرُّها ؟
حُلْوُها ؟ ..مُرُّها ؟  .. 
ماالّذي قد تغيّرَ من حُزنِها الأمكنَهْ ؟؟
مرَّ عامٌ ، فعامٌ .. وعامُ ..
ولم يبقَ من سَكرةِ العشْقِ ، 
أكثرُ من غُصَّةٍ مُزْمِنَهْ ..
شمعتانِ اثنتانِ على صدركِ اليومَ يا بلَدِي ..
ربّما صارَ يكفي ..
هرِمتِ بِنا ، أو هرِمنا - كما قيل يومًا - ..
وأوجَعْتِنا طَربَا ..
سنتانِ اثنتانِ بِأَلْفَيْ سَنَهْ ..
فيهِما قدْ عَشِقْنا النّجومَ ، كما لم نكن قبلَ ذلك نَعْشَقُها 
وفهِمنا الحياةَ ، كما لم نكن قبلَ ذلك نفهمُها ..
واكتشفنا حروفًا بأسمائنا .. خارجَ الأبجديّةِ ، 
صارتْ حروفُ الهجاءِ حروفَ المديحِ ، 
وصارتْ لنا ألسِنَهْ ..
سنتانِ فقطْ كانتا تَكْفِيانِ لِنَعْرَى تمامًا 
كَقِدّيسةٍ ماجِنَهْ ..
لم نكن طيّبينَ تمامًا ، كما - قبل ذلكَ - كنّا نظنُّ ..
ولا مؤمِنينَ - مُصادَفَةً - صالحينَ ..
يُؤَرْجِحُنا في الجحيمِ يقينٌ وظَنُّ ..
ولا صِبيةً طائشينَ ..
ولا مُرْسَلينَ على قِبْلَةٍ بيِّنَهْ ..
سلْ عن الأمْكِنَهْ ..
هلْ ترى صورَ الشّهداء على مدخل الكازِنُو ..؟
كيف صارتْ مَداسًا لأحذيةِ المُومساتِ 
وصارتْ خيامُ العزاءِ بلادًا وجنْسيّةً …
هل ترى بينَ شيءٍ ولا شيءَ مُتَّسَعًا للحياةِ 
ومُعجِزةً مُمْكِنَهْ ؟؟
مُثْقلٌ بجنون السّياسةِ أو صخبِ التّابعينَ 
تَطِنُّ الزّنابيرُ في أُذُنيّ نهارًا وليلاَ
تُطارِدني فرقُ الموتِ في كلِّ مُنْعَطَفٍ ..
وأنا في السّياسةِ غِرٌّ غَشيمٌ …
تربّيتُ في زمنِ الأَكرَمَيْنِ ،على خُطبِ الأكرَمَيْنِ ..
مُطرّزةً بالفراغِ 
على صورِ الأكرمَيْنِ مُعلّقةً في دِماغي 
وصدّقتُ أنّ الطّحالبَ أصلُ الحياةِ 
وخُبْزُ الجياعِ ..
وأنّ السّلامةَ في بَلدِي مُمْكِنَهْ ..
شرطَ أنْ يقطعَ المرءُ كلَّ أصابِعِهِ ، 
لكيْ لا تطولَ وتمتدَّ نحو الأفاعِي ..
وصدّقتُ أنّ النّساءَ يلِدْنَ على رأسِ كلِّ زمانٍ 
نبيًّا من الأصفياءِ ، 
يقودُ البلادَ إلى شمسِهِ ..
وتدورُ الطّواحينُ في رأسِهِ ..
ويشيخ الزّمانُ ..
يشيخُ على أرضنا كلُّ شيءٍ عَداهُ ..
ويبقى عَفِيًّا 
فتيًّا عتِيَّا ..
عليًّا عصِيًّا على رَمْسِهِ ..
وأنا في السّياسةِ غِرٌّ غَشيمٌ …
أصدّقُ مثلَ العجائزِ والصّالحينَ ومن عبدُوا العجل في بلدي
نشرةَ الثّامِنَهْ .!.
ومحاضرَ أقبِيةِ الدّاخليَّةِ 
والنّشرةَ التّربويّةَ ..
واللاّفتاتِ الدّعائيّةَ السّاخِنَهْ ..
وأصدّقُ مثلَ الصّغارِ كلامَ الكبارِ 
فأملأُ جيبي وُعودًا ، وقلبي وَعِيدَا ..
وأفرحُ يا بلدي أنّنا ..
عند كلِّ سقوطٍ لنا فيكِ أو نَكْبَةٍ ..
سوف تزدادُ أعيادُنا الوطنيّةُ عيدَا ..
وأحفظُ شعرَ الجنازاتِ في الكتبِ المدرسيّةِ ،
أو في احتفالاتِ حزبِ الرّئيسِ ، 
بشعبِ الرّئيسِ ..
مُناشَدَةً للرّئيسِ ..
ليحمي القبيلةَ من كلِّ حرٍّ خسيسِ ..
وأنا في السّياسةِ غِرٌّ غَشيمٌ ...
ولكنّني اليوم لا شأنَ لي بينكمْ ..
لمْ أرَ في جلابيبِكمْ غيرَ وَعْثِ الصّحارى الحزينةِ ، 
أو تحت أرجُلِكم غيرَ كُدسٍ من الجثثِ المُتفسِّخةِ المُنْتِنَهْ .
ولا شأنَ لي بالمَعالِي ولا بالمَوَالِي ..
ولا بالأيادي المُخاتِلةِ الوَاهِنَهْ 
ولا بالمَسيحِ الشّيوعيّ والجوهرِ الطّبقيِّ لأحزانِنا ، 
ولا بالخلافةِ قبلَ الخلافِ ، أوِ الأخْوَنَهْ ..
صرتُ أَعْرِفُكُم قاتِلاً قاتِلاً ، وقتيلاً قتيلاَ ..
أنا يا كرامُ ثقيلُ اللّسانِ ، 
ولا أُتْقِنُ الغزلَ الموسمِيَّ على شاشةٍ أو جريدَهْ ..
بلادي قصيدَهْ ..
ولمْ أرَ فيمَنْ أرى بينكم من يَصيدُ القصيدَهْ 
وأعرفُ .. ما أكثرَ الشّعراءَ الّذين تغنّوْا بأنهارِها ..
أو بأشجارِها أو بأقمارِها أو بِأقدارِها ..
والّذين تغنَّوْا بأعيادِها 
أو بجلاَّدِها أو بأمجادِها رغمَ حُسّادِها..
والّذين عَمُوا عن زهورِ الطّفولةِ تقصفُها الرّيحُ من حولِهِمْ ..
ومَضَوْا يَصِفُونَ البنفسجَ والياسمِينَ ، 
وجنّاتِ عَدْنٍ على أرضِها فاتِنَهْ ..
ليس لي يا كرامُ فصاحَتُهُم في المديحِ ،
ولا في التّذلّلِ أو في التّوَسُّلِ بالأدمُعِ الخائِنَهْ ..
أنا يا كِرامُ بلادي قصيدهْ 
وعشٌّ حزينٌ على غُصنِ زيتونةٍ في العراء تموتُ وحيدهْ
يُجرّحُنِي عِطْرُها اللّيلكيُّ
إذا لمْ يُضمّخْ شوارِعَها كلَّها والرُّبى والبُيُوتَ البعيدَهْ..
وكاذبَةٌ شمسُها وضُحاهَا ..
إذا لمْ يَرِفَّ لها كلُّ قلبٍ كسيرٍ
ويبتَلَّ من نورها كالغُصُونِ الوليدَهْ
وزائِفةٌ كلُّ أقمارِها المُشتهاةُ وأخبارُها … 
كلُّ أعيادِها،
 وبطولاتُ أجدادِها،
 وملاحمُ أيَّامِهَا الخالِداتِ المَجِيدَهْ
إذا لم يكنْ للمَلاعينِ فيها نصيبُ ..
وللرَّاقِصينَ حُفاةً على الجمرِ أيضًا نصيبُ ..
وللخارجينَ عن اللاّنِظامِ 
وللواقفينَ على شُرفَةِ الرّيحِ والموتِ في حبّها كالشّموعِ العنيدَهْ
أنا يا كرامُ بلادي قصيدَهْ
ولمْ أرَ فيمَنْ أرى بينكم من يصيدُ القصيدَهْ .