قبل الوداع

بقلم
إيمان الماجري
الكتاب... الكتاب… يا أهل الكتاب؟
 منذ أن ظهرت الكتابة، في تاريخنا الإنساني، وهي محل تقديس واهتمام العقل البشري في كل أصقاع العالم. وعندما ظهر الكتاب في حياة بني آدم، أصبح هذا الكائن الحضاري يحظى بالعناية الفائقة في كل الديانات والعقائد واللّغات والحضارات. فالكتاب ليست مهمته الكشف عن الأشياء، ولكنها تتجاوز ذلك إلى مساعدة العقل على اكتشافها، إنه ذاكرة البشرية وخيالها وأحلامها.
إن وظيفة الكتاب، كانت منذ ظهوره على الصخور الحجرية وحتى اليوم، هي قيادة العقل/ بلورة الثقافات/ تكريس العلوم والديانات، باعتباره رمزا من رموز الحضارة، لذلك تمّت إحاطته بالقداسة والإجلال، وتمّ وضعه على مستوى الوجود بديلا عن الكلام، ليس فقط لأن الكتابة تتّسم بالثّبات والاستمرارية، ولكن لأنّها هي وحدها ما يتبقى بعد الموت الجسدي، في العقول والمشاعر والأحاسيس... وفي التاريخ.
لربما يكون هذا التصور، قريبا بعض الشيء من التصور الإسلامي للكتاب، فهو في نظر العديد من الفقهاء والفلاسفة والمثقفين والأدباء، المسلمين، سابق على الخلق، سابق على لغة الضّاد، ذلك لأن كتاب الله/ القرآن الكريم، ليس فقط عملا من أعمال الله سبحانه، بل هو صفة من صفاته مثله مثل رحمته وعدله.
حظي الكتاب في العهود العربية الإسلامية الأولى، بعناية السلاطين والأمراء والوزراء والنخبة الحاكمة. إذ كان الكاتب/ المؤلف يتقاضى وزن كتابه من الذهب، ويحظى برعاية الدولة ومؤسّساتها الثقافية والعلميّة. كان يكفي الكاتب المؤلف، أن ينجز مؤلفا واحدا، في أي فنّ من فنون المعرفة والفكر ليضمن حياته وحياة أسرته.
وقد خاضت السلطات الحكومية، في المغرب والمشرق، حروبا ضارية وشرسة مع قراصنة الكتب، ومع الأنظمة العدوة التي أرادت حرمان العرب المسلمين من كتبهم ومعارفهم الثقافية، من أجل حماية الكتاب العربي وتأمين سلامته للأجيال الصّاعدة، وللمكتبة العربيّة، ولنا في أسفار التّاريخ قصص وحكايات عن الحروب والقضايا التي تتصل بالكتاب وموقعه في حضارتنا الغابرة .
من المحزن، أن نتحدث اليوم بألم وحسرة عن القراءة والكتاب، ونحن ننخرط بقوة في ساحة الألفية الثالثة. من المحزن أن نتحدث عن الوضعية المتعثّرة للكتاب في هذا الزمن من حيث تأليفه ونشره وطباعته ثم توزيعه وقراءته، في الوقت الذي بدأ فيه العالم يتهيأ لإدخال الكتاب الورقي متاحف التّاريخ، بعدما تحول إلى تحفة تزدان بها قاعات المتاحف، وبعدما ظهرت أقراص الليزر والتكنولوجيا المعاصرة، التي حوّلت الكتاب الورقي إلى فصيلة منقرضة، وبعدما التحق الكتاب والمؤلفين بشريحة الأغنياء في العالم الجديد، حيث دخلت انتاجاتهم مسالك الأقمار الصناعية. لكن يظل الكتاب في كل العصور والأزمان ذائقة هامة للتثقيف والتعلّم والمعرفة. يبقي الكتاب دائما، رغم غزو التكنولوجيا الحديثة، أعز صديق ورفيق للناس حيث لايخلو كتاب من فائدة، إما أن تعمل بها أو تحذّر منها. وليست العبرة بإقتناء الكتب من المكتبات وتصفيفها في الأدراج، ولكن العبرة بالفهم والمطالعة فيها. فهي خير سمير في الليالي وأجمل جليس وأحسنه وأكرمه.
وأعظم الكتب وأكملها وأفضلها على الاطلاق كتاب الله جل في علاه. هو الصراط المستقيم والحبل القويم، من تركه من جبّار قصمه الله ومن حكم به عدل ومن إهتدى به ما ضلّ. هو الفصل ليس بالهزل.
 ومن فوائد الكتب في كل زمان ومكان أنها مؤنسة ومشغلة بالخير، صارفة عن الشّر، دالّة على طرق الصّلاح، قاطعة لصحبة الأشرار.
قال أحد العقلاء : صحبت الناس فملّوني ومللتهم، وصحبت الكتاب فما مللته ولا ملّني.
وأختم قبل الوداع بقول المتنبي:
وخير جليس في الزمان كتاب *** تسلو به إن خانك الأصحاب 
أفلا تدركون..؟ 
الكتاب ... الكتاب .... يا أهل الكتاب!!!