في الصميم

بقلم
توفيق الشّابي
وشهد شاهد من أهلها
 مـــا صرّح بـــه أخيـــرا النائب «ابراهيم القصـــاص» مــــــن أن المعارضـــة عملت مـــا بوسعهـــا لإفشال الحكومـــــة، يمكن اعتبــاره في خانـــة المثـــل القائــــل «وشهد شاهـــد مـــن أهلهـــا». قد لا يُعير الكثيـــرون أهميـــة لهذا الإعتراف، خاصة وأنه صادر عن نائب كثير التحوّل ما أفقده الكثير من المصداقية، وأيضا لأن أمر الإفشــــال والتعطيـــل الذي تعرضت لـــه حكومات ما بعد 23 أكتوبر 2011 كان واضحا إلا لمكابـــر. لكن أهمية هذا التصريـــح تكمن في خـــروج ما كان يقال في الغــــرف المغلقــة للمعارضة، المتمثلـــة في جبهة الإنقاذ، إلى العلن وهو ما دعّمته تصريحات أخرى أهمّها تصريح زعيم التحالف الديمقراطي «محمد الحامدي» الذي كشف عن إصرار المعارضة على عدم التفاعل ايجابيّا مع مقترحات الحكومة والترويكا خاصة وأنها أبدت مرونة كبيرة في مختلف جلسات الحوار وديدنها في ذلك الرّغبة الملحة في الوصول بالمســـار الإنتقالـــــي إلى شاطئ الأمان.
خروج مثل هذه النوايا إلى العلن ،بتقديري، سيكون له تداعيات كبيرة في الإنتخابات القادمة حيث ستكون اختيارات الناخبين مبنيــّــة في جانب منها على درجة المصداقيّة والمسؤوليّة التي تمتلكها الأحزاب في أفعالها وأقوالها. 
أن تضع المعارضة (الأحـــزاب وتوابعهـــا مـــن منظمـــات) جهدها الكامل لتحقيق هدفها الأساســـي والوحيد اسقاط الحكومة ومن وراءها، يعني في ما يعني أن البلد بأكمله يأتي في مكان متأخر من اهتمامات هذا الجزء من النخبة السياسيـــة. بهذا التفكير لا يمكن للمعارضة أن تُقنع بأنها قادرة على تقديم البديـــل، خاصة وأن جزء منها مرتبط بالنظام السابق، كما أنها سقطت في ممارسات سياسوية انفعالية علـــــى أحداث بعينهــــا وبنفس الأشكــــال والطروحـــات دون تقديم مقترحات وبدائل ممكنة وواقعية في لحظات التوتر والأزمات. هذه الحالة تعكس قصر نظر وتخبّط في تحديد الأولويات في ظل واقع جديد فيه مجال شاسع من الحريّة في القول والفعل، وهو أمر مستغرب  خاصة من بعض الأحزاب ذات الخبرة في العمل السياسي.
في مناخ ديمقراطي تعددي لا يمكن للمعارضة أن تعمل بنفس العقلية ونفس الأدوات التي عملت بها تحت نظام استبــــدادي حيث كل الآفاق مسدودة والهدف الوحيد هو توفير مناخ الحرية. إن أسلوب الإحتجاج المبالغ فيه والتمعش من أخطاء السلطة، والذي توخّته المعارضة التونسية في المرحلة الإنتقاليــــة تَكَشَّفَ أنه بلا جـــــدوى، بل أُقَدِّرُ أنه خَلَّف نتائج عكسية، حيث أصبحت صورة المعارضــــة لدى الكثيرين صورة نمطية عن مجموعة لاعمل لها سوى الإحتجاج وقـــول كلمــــة لا في وجـــه أي مبادرة، أحيانـــا حتّى في القضايا المصيريـــّـة للبـــلاد كقضيــّـة الإرهـــاب، التــي كان من المفترض أن تُوَحّدَ الجميـــع وتُجَمِّدَ وقتيا الخلافـــات الحزبيـــة والسياسيّــــة بين الفرقاء. 
من جهة أخرى تقدّم المعارضــــة أفكارهــــا كحقيقـــة مطلقـــة، على الجميع  أن ينحني أمامهــــا، وهو مـــــا يعكس نَفَساً استبداديــّــا لا يرى إلى الآخر إلا عدوّا مُخَيَّرًا بين الطاعـــة والإقصــــاء، في حين أن السياسة هي فن الممكــــن لأن السياســـي ليس هو اللاعب الوحيد في تحديد الخيارات وتنزيلها على أرض الواقع.
بكل هذه الأخطاء تجد المعارضة نفسها اليوم عاجزة عن الحشد والدليل هو الدرجات المتدنية للتعبئة الشعبيّة التي قامت بها المعارضة في تحركاتها الأخيــــرة، لتكون محلّ تندّر وموضوع فكاهــــة (التحرّك الأخير أمام القصبة يوم 15 نوفمبر 2013)، وستكون عاجزة غــــدا عن اقناع النّاخب لتجد نفسها في نفس الفخّ الــــذي سقطت فيه قبل انتخابـــات 23 اكتوبر 2011 حيث جعلت النهضــــة في مرمى نيرانهــــا لترتدّ هذه النيران عليها في نهاية المطاف وتُمنى بخسارة كبيرة في صناديق الإقتراع. 
طبعا لا يعني كلامنا هذا أن المعارضة شرّ مطلق وفشل لا نهائي بل هو رغبة منا في أن نراها أكثر فعاليّة بأطروحات وأساليب جديدة قادرة على أن تقدّم البديل وتساهم في ترسيخ المناخ الديمقراطي فعليا. هذا المناخ هو الضمانة الوحيدة لتحقيق ما حلمت به النخبة السياسية من تقدم وحرية وعدالة اجتماعية.