تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
تنمية مستديمة - حج الامتياز

 كان الشاب يدرك عن يقين قدرات والده المالية التي يمكنه استثمارها والاستفادة منها كما يأمل تشريك العديد من أصدقائه من العاطلين مثله عن العمل. سأل والده يوما : «بابا، لقد طال انتظاري للحصول عن شغل وتضاءل الأمل بتزايد عدد المتنافسين على عروض الشغل التي أصبحت أكثر شح يوما بعد يوم. فما قولك في أن نتدارس الوضع المالي للعائلة ونضع خطة للتعويل على أنفسنا فأعمل لحسابك فأستفيد وأفيد.»

قطب الرجل وانشغل فكره لفترة طويلة كأنه يفك مسألة حسابية عسيرة، ثم رجع لمن حوله وكانت الزوجة تتابع حديث ابنها ولم تخف فخرها برأس مالها ذلك الشاب وبرجاحة عقله،  وبعد تململ وتعثر قال رب البيت : « بني لا تحمل هما، إن بعد العسر يسرا، اصبر وسأعينك بما في وسعي ولن أبخل عليك بما تطلبه من مصروف يومي حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.» ورفعت الجلسة العائلية الضيقة وانصرف الشاب يحفزه أمل كبير يما سمعه من أبيه من استعداد للمساعدة .
وبعد مدة طويلة لم يكن الشاب ليتحملها لولا توفر المصروف اليومي الذي أمن له الانشغال عن التفكير في المستقبل المبهم وذلك بالتردد على مقاهي المدينة و لعب الورق، فاجأته والدته بخبر  ترددت قبل البوح به ويفيد أن أبيه ابتهج بعروض حج الامتياز فجمع ما وفره من مال وسارع بدفع ثمن الحج له ونعجته على لسان الجاحظ ثم وقبل السفر اقتنى كبش العيد المستورد. وبين الفرح بتوفر فرصة الحج لوالديه وازدياد القلق لما يعنيه ذلك من تأجيل لمشاريعه المستقبلية انقبض صدره وبرزت شرايين يديه ودون أن يعي ما يفعل انصرف من وجه أمه وأول باب واجهه غرس فيه قبضة يده بما أوتي من قوة وواصل طريقه غير عابئ بالدم الذي اندفع في سيل عارم من معصمه الذي شقته شظايا البلور الذي عمل فيه يده.
سارع الأب للمشفى للحاق بابنه الذي نقله إليه أحد الجيران على جناح السرعة لإيقاف النزيف الحاد الذي أصاب الشاب، فوجده بين أيدي الطاقم الطبي يصارعونه للتمكن من القيام بعملهم الذي أصبح  استعجاليا أكثر فأكثر بمرور الوقف. وبلغه وهو يصيح ويردد : «نزيفي لا يهم . أوقفوا نزيف بلادي». وما أن لحظ والده إلى جانبه حتى استقر وعيه ورجع إليه واسترخى وأسلم نفسه للجماعة التي تحيط به ثم وبعد أن استكمل الفريق الصحي عمله واستفاق الشاب من غيبوبته القصيرة وأمام الحضور وقف الشاب يخاطب أباه بحياء قائلا  : «أبي لك أن تحج وأن تعتمر ما تشاء وأسأل الله القبول وأن يبر حج الامتياز  وحج جميع المؤمنين على أن لا تمسوا رصيدي من العملة الصعبة التي بدونها سأضل عاطلا. سأقاضي كل من يعبث بثروات بلادي ورصيد أولادي»
تبادل الحاضرون النظرات بارتياب بحثا عن العلاقة بين الحج والنزيف والعُملة التي يتحدث عنها الشاب وكأنه لا يتسبب في النزيف إلا الحج. وسمعت بعد أيام من الحادثة أطراف حديث متداول عن فتوى تُحل الافتراضي من الحج والعمرة. وكما يدفع أطفالنا غاليا ثمن أحلامهم،  فإن فتحت المواقع للعموم مجانا فلا يطول حتى تصبح بمقابل.