قراءات

بقلم
محمد الحاج سالم
المداران الحزينان: بكائيّة الهنود الحمر وصدمة اللّقاء مع الإسلام (*)

 عُرف عن المفكّر الفرنسيّ الكبير «كلود ليفي ستروس» أنّه أحد عمالقة الفكر الإناسيّ ورائد المدرسة البنيويّة فيها ومؤسّسها، وأنّه بذل جهودا علميّة جبّارة في استكشاف «بقايا» عوالم الهنود الحمر في أمريكا الجنوبيّة منتجاً أربعة مؤلفات حولهم هي من أهمّ ما كتب إلى حدّ اليوم حول التجربة الحضارية لتلك الشعوب ومعاييرها الثقافية. ولعلّ أهمّ تلك الكتب التي ألّفها في هذا المجال، هو كتابه المداران الحزينان (1)، وهو كتاب سبق أن قرأناه في نطاق اهتمامنا العلميّ بالنظرّيات الإناسيّة عموماً وإمكانيّة الاستفادة منها في إعادة قراءة المسكوت عنه واللاّمقول والمهمّش في التّاريخ عموماً وفي الحضارة العربيّة الإسلاميّة على وجه الخصوص. إلاّ أنّ طلب الصّديق الدّكتور «العادل خضر» التّعليق على نصّ ترجمه لستروس حول رؤيته للإسلام كدين وكمجال حضاريّ في الكتاب المذكور (الصّفحات 455-467)، دفعت إلى إعادة قراءة مجمل الكتاب مجدّداً بعين أخرى غير عين الأكاديميّ المتخصّص، وهي عين لا ننكر أنّها إسلاميّة البؤبؤ عربيّة الحاجب، أي باختصار عين مسلم متسائل عن مدى إمكانيّة قراءة الإسلام إناسيّاً، وهو ذات السّؤال الذي سبق للمفكّر الكبير «هشام جعيط» أن طرحه في كتابه المهمّ «أوروبّا والإسلام» مستنكراً ورافضاً إخضاع الإسلام إلى علم لا يدرس غير المجتمعات الموسومة بسمة «البدائيّة»، فهو يقول: «هل يخضع الإسلام للإثنولوجيا؟ أليست الحضارة المرتبطة باسمه معقّدة مرتبطة كثيراً في التّاريخ وكلاسيكيّة جدّاً حتّى يمكن أن نطبّق عليها المنهج الإثنولوجيّ الذي يدرك البنى البسيطة والمجتمعات (البدائيّة)؟» (2).

وبالطّبع لن ندخل هنا في محاولة للإجابة عن تساؤل أستاذنا جعيط، فالمقام لا يتّسعّ لمثل هذا. لكنّنا نقتصر هنا فحسب على الإشارة إلى أنّه سبق للأستاذ محمّد حسين دكروب في كتيّب صغير في حجمه لكنّه كبير ودسم في محتواه أن حاول مثل هذا الأمر، واقترح - في إطار نقد لفكر ستروس عموماً ونظرته للإسلام كما عبّر عنها في كتابه المنوّه به على وجه الخصوص- أن تتمّ محاولة طرح السّؤال الإناسيّ على الإسلام «ذاتيّا»، أي «بالاستناد على المعايير الثقافيّة للنّسق الحضاريّ الإسلاميّ» حتّى يمكن أن يكون الجواب «موضوعيّا» أي «وفقا للسّنن والقوانين نفسها التي تتحكّم بحركة هذا النّسق التّاريخيّة كما عبّرت عن نفسها على الصّعيد الدّلاليّ، الإرشاديّ والرّمزيّ» أي على صعيد «البنية الحضاريّة التّاريخيّة اللاّواعية للنّسق الإسلاميّ» التي يرى الأستاذ دكروب أنّه يمكن اختزالها في النصّ القرآنيّ «المتحوّل إلى نصّ تاريخيّ» هو ما صاغ ولا يزال مشروع شبكة علاقات المسلمين (داخليّاً) بعضهم ببعض و(خارجيّاً) بينهم وبين الآخرين(3).
إنّ هذا التّقديم العامّ ضروريّ، إذ أردناه مدخلاً لموضوع هذه المقالة حول ما نعتقد أنّه «انتقادات إيديولوجيّة» موجّهة للإسلام عموماً ولنظرته «غير المتسامحة» تجاه الآخر على وجه الخصوص، من قبل الأنّاس الكبير «كلود ليفي ستروس». إلاّ أنّ وضع القارئ في الجوّ العامّ لكتاب المداران الحزينان لا يقلّ في نظرنا ضرورة، وبالتّالي أهميّة عن ذلك.
1 -  ستروس والطّابع المثاليّ للمجتمعات «البدائيّة»:
يتخلّل كتاب ستروس المداران الحزينان (ستتمّ الإشارة إليه مستقبلاً بلفظ المداران) تعاطفٌ كبيرٌ وإلى أبعد الحدود مع مجتمعات الهنود الحُمْر في أمريكا الجنوبيّة، ربّما جاز وصفه بـ«التّماهي مع موضوع دراسته»؛ بل لعلّنا لا نبالغ إذا قلنا باعتقاد ستروس في الطّابع المثاليّ لتلك المجتمعات، أي في تلك الإمكانيّة التي توفّرها مثل تلك الدّراسة لعالم الإناسة لاقتراح تصوّر آخر للحياة غير ذاك الذي ترعرع فيه، وبالتّالي تصوّرٍ آخر للمجتمع غير المجتمع الغربيّ الرّأسماليّ المتأزّم (على حدّ تعبير ستروس ذاته). وفي هذا الصّدد، بدا لنا أنّ ستروس يركّز في كتابه المنوّه به على نقاط محوريّة يمكننا بشيء من الاختزال – المخلّ طبعاً ولا مندوحة من ذلك- حصرها في ثلاث نقاط دالّة في آن على هذا الطّابع المثاليّ، وعلى مآخذه على المجتمع الرّأسماليّ، وعلى المشروع المجتمعيّ الجديد الذي يبشّر به. 
وتتمثّل النّقطة الأولى في جهده، وهو جبّار بكلّ المقاييس، في تحديد دور الإناسة كعلم، وهو ما دفعه إلى انتقاد علماء النّياسة الوصفيّة (Ethnographes) المعاصرين له انتقاداً مُرّاً واصفـــاً إيّاهـــم بـ«هواة جمع الصّور الفوتوغرافيّة الآنيّة (Faiseurs d’album en kodachrome) لغرائب العالم» [المداران، ص 42] . وقد كان هذا الانتقاد تتمّة لما سبق أن اقترحه ستروس في كتاب سابق بعنوان الإناسة البنيويّة من حلّ للمشكلة المتمثّلة في طبيعة العلاقة بين «الأنا» الحضاريّة الغربيّة بوصفها منتجة لهذا العلم المرتبط بالاستعمار الأوروبيّ نشأة وتطوّراً، و«الآخر» البعيد (جغرافيّاً وحضاريّاً)، أي باختصار مسألة «الأنويّة الحضاريّة»(4). وقد توصّل حينها إلى إدانة صريحة ومباشرة للإناسة ذاتها بوصفها «ابنة عصر من العنف، وهي إذا ما كانت قادرة على التّعاطي موضوعيّاً مع بعض الظّواهر الإنسانيّة، فهي مدينة بهذه الميزة المعرفيّة إلى حالة من الواقع ادّعى فيها قسمٌ من البشريّة حقّ معالجة الآخر كموضوع، كشيء»(5)؛ وهو ما أدّى به إلى الرّبط المباشر بين ولادة هذا العلم وبين الصّيرورة التّاريخيّة التيّ «تمّ خلالها استعباد القسم الأكبر من البشريّة بواسطة قسم آخر، بحيث رأى ملايين البشر الأبرياء مواردهم وقد نُهبت ومعتقداتهم ومؤسّساتهم قد دُمّرت، وذلك قبل أن يُذبحوا بكلّ وحشيّة ويُختزلوا إلى العبوديّة»(6).
أمّا النقطة الثّانية، وهي مرتبطة بالأولى، فهي وصف المظاهر السّلبيّة للحضارة الرّأسماليّة المعاصرة ولجميع الحضارات الكبرى السّابقة والرّاهنة، إلاّ أنّ معظم الجهد كان متركّزاً على الحضارة الغربيّة التي اتّخذ ستروس موقفاً حازماً وصارماً تجاهها، مبرزاً بصفة خاصّة ما قامت به من إبادة دمويّة منظّمة ومقصودة لمجموع الشّعوب الهنديّة في القارّة الأمريكيّة، وهو ما يبرّر في زعمنا تعاطفه الكبير مع تلك الشّعوب التي ألهمته كتاباته الرّائعة والتي ملأته دهشة وإعجاباً إلى حدّ وصفها بالمثاليّة.
وتتمثّل النّقطة الثّالثة في انطلاق ستروس من مبدأ مفاده «ما من مجتمع إلاّ وهو غير كامل» [المداران، ص 446] في سبيل البحث عن «السّمات العامّة لأغلبيّة المجتمعات البشريّة» [المداران، ص 451]، وصولاً إلى «تقديم سلسلة من الاقتراحات الهادفة إلى إنشاء أخلاقيّة جديدة» (7) زَعَمَ كثير من معاصريه وبالخصوص منتقديه، أنّه كان لها حظّ السّبق في فرنسا، بل وبعض الهيمنة، بالمعنى الفكريّ ربّما، لكن بالأخصّ بالمعنى الإيديولوجيّ على ما يرى البعض(8)، خلال الفترة التّالية مباشرة للثّورة الطلابيّة في ماي 1968.
وإنّنا لواجدون في مقدّمة كتاب ستروس هذا، شبه اعتراف في قالب تنبيه على إرادة صاحبه في جعله «سيرة ذاتيّة فكريّة» [المداران، المقدّمة]، وهو ما يبرّر من جهة أولى ما نلحظه على طول الكتاب من استفاضة - غير مبرّرة أحيانا - في إبراز الطّابع المثاليّ للمجتمعات الهنديّة في أمريكا، كما يبرّر من جهة ثانية اعتبارنا إيّاه كما أراد له صاحبه، رؤية خاصّة للعالم (بديلاً من الرّؤى الفكريّة السّائدة آنذاك في أوروبّا، أي الماركسيّة والوجوديّة والظّاهراتيّة)، بما في تلك الرّؤية من تركيز على جانبها «المعتم» (بتعبير ستروس نفسه) أي ما تعلّق بالإسلام ديناً وحضارة. وهذا هو لبّ ما يطرحه هذا المقال، فكيف نظر ستروس للإسلام ؟
2 - رؤية ستروس للإسلام: خلط بين الثّقافة الإسلاميّة الهنديّة والدّين الإسلامي
عوّدنا مفكّرنا الكبير أن تكون قراءته للشّعوب على ضوء ما أنتجته من أشكال تعبيريّة ورمزيّة عبر تاريخها إذ طالما أكّد أنّه «لا تُنْتَج معرفة الوقائع الاجتماعيّة إلاّ عن طريق الاستقراء انطلاقاً من معرفة جماعات اجتماعيّة محدّدة في الزّمان والمكان معرفة فرديّة وواقعيّة. ولا تُنْتَج تلك المعرفة بدورها إلاّ من تاريخ كلّ جماعة»(9). إلاّ أنّنا نفاجأ في هذا الكتاب بما سمّاه ستروس «حيرة» [المداران، ص 458] حول معنى الإسلام في الهند والباكستان بعد زيارة قصيرة لهما سنة 1949 (لم يزر الباكستان المعروفة حاليّاً بل الباكستان الشّرقيّة أي ما يعرف الآن باسم البنغلاديش) إثر عودته من رحلته المطوّلة من مجتمعات الهنود الحمر في البرازيل، ليعمّم حيرته تلك، دون مبرّرات علميّة على ما نرى، على الإسلام برمّته ديناً ومجتمعات وحضارة. فالإسلام حسب ستروس محيّر «بموقف من التّاريخ متناقض مع موقفنا، إضافة إلى تناقضه مع ذاته: فقد كان همّه في تأسيس تقليد، يترافق مع شهيّة في تدمير كلّ التّقاليد السّابقة عليه» [المداران، ص 458].
فما الذي يبرّر مثل هذا الحكم التّقييميّ المتسرّع تجاه مسلمي الهند والباكستان، والحال أنّ المعرفة العلميّة بهؤلاء حسب المنهج البنيويّ الإناسيّ الذي أسّسه ستروس نفسه، وبالخصوص في كتابه «الإناسة البنيويّة»، تقتضي ضرورة «الإقرار بتنوّع التطوّرات التّاريخيّة اللاّمتناهي التي يتكوّن بها هذا العالم في كلّ حالة»(10)؟ ألم ينتقد ستروس في هذا الكتاب أولئك الذين يتخلّون عن «فهم التّاريخ ليجعلوا من دراسة الثّقافات تحليلاً متزامناً لعلاقات عناصرها المؤلّفة في الحاضر... دون معرفة التطوّر التّاريخيّ الذي أدّى إلى الأشكال الحاليّة»(11) ؟. أَوَ لم يكرّر ستروس أيضاً نفس الانتقاد كذلك، في كتابه «العرق والتّاريخ» الذي ألّفه سنة 1952 بناء على طلب منظّمة اليونسكو في إطار التّجديد الدّيمقراطيّ بعد الحرب العالميّة الثّانية، حين هاجم علماء الغرب المستندين في مواقفهم من «الآخرين» إلى «الرّفض الكامل للأشكال الثّقافيّة، الأخلاقيّة والدّينيّة والاجتماعيّة والجماليّة، البعيدة تماماً عن القيم التي نعتنقها»(12) ؟ أَوَ لم يَقُم كلّ هذا الكتاب على فضح الأحكام العنصريّة المسبقة ونقد المركزيّة العرقيّة الأوروبيّة مقابل إبراز مدى تعقّد الحضارات وتعدّد عقليّاتها ؟
فَلِمَ غابت هذه الشّروط حين اللّقاء بمسلمي شبه القارّة الهنديّة ؟ ألا يقتضي البدء بتقويم المناخ الاجتماعيّ الثقافيّ لمسلمي الهند، ضرورة مقاربة تاريخهم وتحديد القوانين التي تحكّمت بصيرورة ارتقائه إلى حين وصوله لما هو عليه حاضراً حتّى يمكن تحليل الفروق بينه وبين أي مناخ اجتماعيّ ثقافيّ آخر(13) ؟ وأخيراً، أليس تحديد «الآخر» وحبسه في مجرّد صياغة لغويّة خطابيّة، أمراً مرتبطاً عضويّاً بنمط النّظر اليه، بمعنى صدورها كمقولة عن نظرة سابقة على تعريفه ؟
لقد وصفنا لقاء ستروس بالمسلمين في شبه القارّة الهنديّة، ولم نقل لقاءه بالإسلام في تلك البقعة من العالم، إذ شتّان – وهذا بديهيّ في زعمنا- بين مجتمع/مجتمعات شبه القارّة الهنديّة باختلاف أعراقها وثقافاتها ودياناتها وتواريخها، وبين إسلامها، بل وبين مختلف «الإسلامات» في مختلف بقاع العالم، لا بحسب المناخات الحضاريّة لحضور الإسلام حسب تقسيمات جغراسياسيّة (إسلام عربيّ، هنديّ، فارسيّ، إفريقيّ، فيليبينيّ، إلخ) فحسب، بل وكذلك بحسب الحقب التّاريخيّة (الإسلام الأمويّ ثمّ العبّاسيّ، أو إسلام الهند المغوليّة وإسلام هند ما بعد الاستقلال عن بريطانيا أو ما بعد انفصال الباكستان مثلاً).
وحتّى نكون واضحين، وبالتّالي منصفين للرّجل، فإنّنا سنحاول اختزال ما يقوله حول الإسلام مقتبسين عباراته حرفيّاً. إنّه يرى في الإسلام الدّين الأكثر حيويّة حاليّاً (منتصف القرن الماضي) لكنّه أيضاً الدّين «الأخطر على العالم» إذ هو «الشّكل الأكثر تطوّراً للفكر الدّينيّ دون أن يكون أرقاه» (ص 471)، ذلك أنّه «يجمع في آن بين العالمين الزّمني والدّيني» (ص 472)، وهو بالتّالي «ثيوقراطيّ» لا تسامح فيه تجاه غير المسلمين نظراً «لعجز المسلمين عن تحمّل وجود الآخر بصفته آخر» (ص 467). وبذلك يتحوّل الإسلام في نظر ستروس إلى «غول» (Ogre) بوصفه «غرب الشّرق» (ص 468) بمعنى أنّه أسوأ ما في الشّرق جميعاً. بل إنّ ستروس لا يتردّد في إعلان تشاؤمه من إمكانيّة أيّ تقارب بين ما يسميّه «عالم الإسلام» و«العالم الغربيّ»، فالإسلام والثّقافة الغربيّة «بورجوازيّتان متواجهتان... قوّتان رجعيّتان» (ص 469) قياساً على القواعد الطّبيعيّة المثاليّة للمجتمع البشريّ.
لن ندخل هنا في جدال مع ستروس حول أحكامه التقييميّة هذه للإسلام والتي تنضح «إيديولوجيّة» إن لم نقل «عنصريّة» إذ لسنا بصدد الدّفاع عن الإسلام، بقدر ما نحن بصدد نقد أحكام مسبقة لديه حول موضوع يسعى إلى دراسته دون أن يطبّق عليه أدنى الشّروط العلميّة التي طالما حرص على احترامها في دراسته المجتمعات الهنديّة الأمريكيّة.
ونودّ بداية، أن نشير إلى أنّ موقف ستروس من الإسلام لا يمكننا بأيّ حال إرجاعه إلى هويّته «اليهوديّة»، رغم تصريحه بها منذ فاتحة كتابه المداران الحزينان. وقد كان تجاهل ستروس لهذا البعد الذّاتيّ وأهميّته في تكوينه الشّخصيّ تجاهلاً تامّاً، مدعاة لتحليل نفسيّ من قبل بعض المفكّرين اليهود على غرار الفيلسوفة وعالمة النّفس الإسرائيليّة/الفرنسيّة إيليان أمادو ليفي فالنسي [1919-2006] حين بيّنت تغافل ستروس «المقصود» حسب زعمها عند مقارنته بين الإسلام والمسيحيّة والهندوسيّة «وكأن لا وجود تاريخيّ لليهوديّة... فيما هو لا يني عن البحث عنها»(14). وقد استدلّت عن ذلك من أمرين. أمّا الأوّل فهو استخدام ستروس ألفاظاً «يهوديّة» في مقارنته بين الأديان من قبيل «الأنبيائيّة» و«المسيحانيّة»، إلخ، دون أن يحيل مطلقاً على اليهوديّة، بل هو «يخفي حتّى ما نعرفه من التّاريخ بداهة، وهو انبثاق المسيحيّة ومن بعدها الإسلام من صلب اليهوديّة» [المداران، ص 471]... قبل أن يفضح نفسه بعد صفحتين فقط حين سيعبّر عن أسفه «لعدم الغوص في ما قبل المسيحيّة» كما يقول هو نفسه [المداران، ص 473]، فيما نجد هذا «الماقبل» موجوداً كواقع تاريخيّ، كما نجد ستروس متمسّكاً به (15).
أمّا الأمر الثّاني مناطَ استدلال ليفي فالنسي على الخلفيّة اليهوديّة الثّاوية في لاوعي ستروس والمتحكمّة في كتاباته على حدّ زعمها، فتظهر في تحسّره على أنّ الإسلام جاء بعد المسيحيّة لا قبلها ممّا جعله يقول : «إنّ مأساة الضّمير الغربيّ هو في ولادة المسيحيّة متأخّرة، ممّا جعلها عاجزة عن التّأليف بين نقيضين» [المداران، ص 471].
لكن ما هما النّقيضان المقصودان ؟ إنّهما البوذيّة والإسلام على ما يصرّح ستروس نفسه، وهذا ما سنعود إليه لاحقاً.
ولئن كان هذا التّجاهل وعدم إشارة ستروس سلباً أو إيجاباً إلى موقفه من الدّين اليهوديّ - قياساً بما جاهر به من مواقف تجاه الإسلام والمسيحيّة والبوذيّة - مدعاة لعدّة انتقادات من قبل بعض المفكّرين «اليهود» على ما أسلفنا، فإنّنا لا نريد الدّخول في متاهات إساءة الظنّ بالغير والرّجم بالغيب من خلال استقراء تحليليّ نفسانيّ لغير ما أراد صاحبه أن يصرّح به. وحسبنا أن نشير هنا إلى أنّه بدا لنا أنّ تجاهله الدّين اليهوديّ ربّما كان مقصوداً، كي يغلق المجال أمام أيّ اتّهام ضدّه حين سيقوم بانتقاد المسيحيّة والإسلام بأنّ ذلك صادر عن «يهوديّته» أو أنّه نتيجة «تحامل» على «الدّيانات الإبراهيميّة». أوَ ليست اليهوديّة ديناً إبراهيميّاً ؟ فكيف سيتّهم بمهاجمة الدّيانات الإبراهيميّة والحال أنّه لم يهاجم «أصلها» المتمثّل في اليهوديّة ؟
قد يكون مثل هذا الظنّ غير مُغْنٍ عن الحقّ شيئاً، لكن ماذا نفعل إذا ما وجدنا ستروس يخصّص كلّ مديحه لديانة «وضعيّة» لم يعرف عنها صاحبنا - باعترافه الشّخصيّ - إلاّ بقدر ما عرف عن الإسلام أثناء زيارته لشبه القارّة الهنديّة حين تعرّف عليها - أو شبّه له أنّه تعرّف عليها - على غرار تعرّفه على الإسلام، وهي الدّيانة البوذيّة ؟
3 - هل يمكن العودة إلى مثاليّة المجتمعات البدائيّة ؟
لقد كان ستروس باحثاً في مجمل كتاباته عن أخلاقيّة جديدة تعيد الإنسان إلى حالة أقرب ما تكون إلى طبيعته الأصليّة. وقد وجد ضالّته عند المفكّر الفرنسيّ جان جاك روسّو(Jean Jacques Rousseau)  في نظريّته حول «الهمجيّ الطيّب» (Le bon sauvage) (16)، كما وجدها أيضاً في البوذيّة مروراً بالماركسيّة. فقد اعتبر روسّو نوعيّة الحياة خلال الحقبة النيوليتيّة هي الأقرب لصورة المجتمع المثاليّ [المداران، ص 452] إذ قام الإنسان خلالها بأهمّ الاكتشافات الضروريّة لتأمين معيشته [المداران، ص 452]. وقد قارب ستروس بين مجتمع روسّو المثاليّ ومجتمعات الهنود الحمر التي درسها في أمريكا، ورأى أنّها كانت تعيش تقريباً نفس حالة «الهمجيّ الطيّب» كما تخيّلها روسّو، ومن هنا مثاليّتها بالنّسبة للغرب. فعلى مستوى القرابة، تمكّنت مجتمعات الحقبة النيوليتيّة من اكتشاف الوصفة المثاليّة لإعادة إنتاج نفسها دون صراعات، كما تمكنّت على مستوى الاقتصاد من إقامة نظام اقتصاديّ خالٍ من الاستغلال وخالٍ بالتّالي من الاغتراب، وتمكّنت أخيراً على المستوى السّياسيّ من منع انبثاق نصابٍ مستقلٍّ عنها يتحكّم في الشّأن العامّ، أي منع بروز جماعة مهيمنة داخل القبيلة على حساب بقيّة الجماعات المكوّنة لها. لكنّ هذه العبقريّة «البدائيّة»لم تمنع الدّين من لعب دور إيديولوجيٍّ خطيرٍ حين راح يُوهِم النّاس بوجود تضامنٍ اجتماعيٍّ قويٍّ داخل المجتمع، والحال أنّ الدّين نفسه ما كان له ليقوم إلاّ في وجود تفاوتٍ طبقيٍّ يُترجم عنه ما يلاحظ في المجتمعات البدائيّة عموماً من صراعٍ مستميتٍ بين الأفراد في سبيل اكتساب المكانات الاجتماعيّة والرّتب الدّينيّة.
وقد كانت هذه النّقطة الأخيرة من الأسباب الرّئيسيّة في اتّجاه ستروس نحو الدّيانة البوذيّة حين رأى أنّها تحرّر الإنسان من جميع الماورائيّات المسبّبة للاغتراب الإنسانيّ، وأنّها تعمل بالمقابل على إدماجه في عامّة الكون باعتباره أحد الأنواع الحيوانيّة المتّحدة بنيويّاً مع بقيّة الأنواع المعدنيّة والنّباتيّة «متجاوزة الفكر والمجتمع»[المداران، ص 480].
وعلى هذا، فلا مندوحة للإنسان الغربيّ إذا ما أراد العودة إلى القيم النيوليتيّة كي يتناغم مع «طبيعته الأولى» من أن يعمل قبل كلّ شيء على التخلّص من الاغتراب الرّأسماليّ، ومن هنا أهميّة الإيديولوجيا الماركسيّة بوصفها «إنسيّة شاملة ومحسوسة»[المداران، ص 138] قادرة على «تخليص الإنسان من أغلاله الأولى»[المداران، ص 476] ومختلفة كلّ الاختلاف عن إيديولوجيّة النّهضة الأوروبيّة «المتمركزة عرقيّاً على ذاتها»[المداران، ص 66].
هذا هو المشروع الفلسفي لكلود ليفي ستروس في العموم. وبقطع النّظر عن يهوديّته المصرّح بها كهويّة، أو الثّاوية في تلافيف لاوعيه كثقافة كما يريد البعض إظهاره، فإنّ الأمر سيّان، ولا يغيّر شيئاً من النّتيجة حتّى وإن كانت أمْثَلَةُ (Idéalisation) المجتمع الهنديّ الأمريكيّ اجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً من جهة، وأمثلة البوذيّة دينيّاً من جهة أخرى، ضرباً من التّعمية عن حنينٍ إلى اليهوديّة باعتبارهما جميعاً نتاجَ نفس الفترة النّيوليتيّة. نقول إنّه رغم هذا، فإنّ ما يهمّنا بالخصوص – وهذا عود على بدء- هو موقف ستروس «المتحامل» على الإسلام وكأنّنا به يستعدي المجتمعات الغربيّة ضدّه ويحثّها على استباق المجتمعات الإسلاميّة في التّحالف مع المجتمعات البوذيّة، أي استباق التّحالف بين ما سيسمّى لاحقاً «الخطر الأصفر» و«الخطر الأخضر». صحيح أنّنا هنا في مجال السّياسة لا الإناسة، لكن ألم تكن زيارة ستروس إلى الهند مباشرة إثر استقلال الباكستان «الإسلاميّة» عنها ؟
 4 - محمّد ضدّ الدّولار أم ضدّ المركزيّة الغربيّة؟ 
قد يكون هذا حكماً قاسياً بل ومتسرّعاً بعض الشّيء. إنّنا لا ننكر ذلك، لكن ألم يستشهد المفكّر ستيفان ديون (Stéphane Dion) بموقف ستروس من الإسلام متحدّثاً عن «أزمة الحداثة التي تتشكّل تحت أنظارنا من خلال حرب جديدة بين الأديان: الدّين الميركنتلي (الإيمان النقوديّ) والدّين الإسلاميّ (الإيمان الدّينيّ): الدّولار ضدّ محمّد» (17) ؟ بلى. وقد كان كلام ستروس المستشهد به في هذا المقام قاسياً كأشدّ ما تكون القسوة، بل ونامّاً عن تحريضٍ غير خفيٍّ ضدَّ الإسلام في الظّاهر، لكنّه موجَّهٌ أساساً ضدّ المسلمين لا لشيء سوى أنّهم «آخرُ متشكّلٌ على غير هوى ستروس». فالفقرة المستشهد بها تقول: «لِيَعُدْ الغرب إلى منابع تمزّقه النّفسيّ: لقد قام الإسلام بتعرّضه بين البوذيّة والمسيحيّة بأسلمتنا، وذلك حين سمح الغرب لنفسه بالانسياق في تيّار الحروب الصّليبيّة ومعارضة الإسلام، وبالتّالي تَشَبَّهَ به... لقد منع الإسلامُ المسيحيّة من أن تتعمّق وأن تكوّن ذاتها أكثر فأكثر بعمليّة تلاقح مع البوذيّة... وهكذا فَقَدَ الغرب فرصته في البقاء امرأة»[المداران، ص 494].
فهل نقول مع المفكّر الكبير هشام جعيط أنّ ما كتبه ستروس هو مجرّد «تأملاّت انطباعيّة اتنولوجيّة، تدخل أساساً في حقل التّفكير الفلسفيّ أو بالأحرى الانطباعيّة الفلسفيّة»(18)، وأنّ تأمّله في روح الإسلام من خلال زيارته إلى الهند كان «ناقصاً في معلوماته، معادياً ومتحيّزاً بشكل واضح»، وهو ما جعل «انطباعه صحيحاً، لكنّ شرحه خاطئ»(19) ؟. أوليس في موقف جعيط ومحاولته «التماس عذر لأخيه» على حدّ تعبير الحديث النبويّ، أقوى دليل على التّسامح الإسلاميّ بله الانفتاح على الغرب الذي أراده ستروس منغلقاً على ضفّته الجنوبيّة ومتحالفاً مع القارّة الهندو- صينيّة «البوذيّة» قافزاً على «الهلال الإسلاميّ»؟ أليست محاولة ستروس جعل الإسلام مسيحيّاً أو بوذيّاً «معناها تذويبه للقضاء عليه فيما بعد»(20)؟ أو ليست دعاوى ستروس مغذّية – بطريقة أو أخرى- لما ينتشر حاليّاً في الغرب أو يراد له أن ينتشر- انتشار النّار في الهشيم ممّا يسمّى «خُواف الإسلام»(Islamophobie) ؟
أم ترانا نأخذ باقتراح محمّد حسين دكروب، أي اقتباس ما يهمّنا من تلك التأمّلات –على علاّتها ونواقصها وذاتيّتها الصّارخة- مترفّعين عن وضع الإسلام في حالة مقارنة غير ضروريّة البتّة مع البوذيّة أو المسيحيّة كما فعل ستروس حين نكص عمّا يدعو إليه من «نسبيّة ثقافيّة» وإخضاعه الإسلام وحده لتعيين معياريّ لا يتّسع حتّى لتلك النسبيّة الثقافيّة نفسها، في مقام أوّل. ثمّ التوجّه ثانياً إلى ما حاوله ستروس نفسه في دراسته المجتمعات الهنديّة في أمريكا دوناً عن المجتمعات الإسلاميّة، أي الانطلاق في دراسة المسائل التي يطرحها الواقع المعاش العربيّ الإسلاميّ وظواهره (سياسة، اقتصاد، دين، قرابة، إيديولوجيا، أساطير، إلخ) دراسة إناسيّة مباشرة – نظريّاً وميدانيّاً- لسبر أغوار المناخات الاجتماعيّة المعاشة على تنوّعها بهدف الكشف عن الإواليّات التي تتحكّم بصيرورتها(21)؟
إنّ دعوة جعيط لا تتنافى مع دعوة دكروب، فالانفتاح مطلوب وهو انفتاح للعقل والقلب، لكنّه انفتاح للعين أيضاً على الممارسة اليوميّة. فالمعاش العربيّ الإسلاميّ الرّاهن لا يزال يهتزّ بفعل الارتطام التّاريخيّ المستمرّ بيننا وبين الغرب منذ قرون، وهذا ما لا ينكره عاقل، ومن هنا وجوب أن يقوم وعينا العربيّ الإسلاميّ اليوم بحفظ عبقريّة الإسلام، وأن يصحّح في الوقت نفسه بعض توجّهاته (جعيط) لا تأسيّاً بالغرب، فما من تجربة حضاريّة إلاّ وهي نسيج وحدها، بل بإبداع فهم جديد لذاته الحضاريّة في المقام الأوّل وإنتاج خطاب علميّ حولها (دكروب)، وهو ما نشهد القيام به هنا وهناك. وهو ما نرجو أن يكون مقالنا هذا – كما جملة المقالات المساهمة في الاحتفاء بمائويّة ستروس، وهو احتفاء بالفكر ولا شيء سواه- مندرجاً في إطاره، أي محرّكاً لبعض العزائم.
(*) كُتب هذا المقال مساهمة في الاحتفاء بمائويّة كلود ليفي ستروس، ونشر على موقع الأوان الإلكتروني بتاريخ الجمعة 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، وقد توفّي ستروس بعدها بعام.
الهوامش:
(1) 
Lévi-Strauss (Claude), Tristes tropiques, (Nouvelle édition), Collection : Terres humaines, Plon, Paris, 1978.
(2)  جعيط (هشام)، أوروبّا والإسلام، دار الطّليعة، بيروت، 1995، ص 47.
(3)  دكروب (محمّد حسين)، الأنتروبولوجيا: الذّاكرة والمعاش، ط 2، دار الحقيقة، بيروت، 1991 (خاصّة الفصل الثالث: في الإسلام والآخر، حوار نقديّ مع كلود ليفي شتراوس، صص 65-103).
(4)   راجع: دكروب (محمّد حسين)، «الأنتروبولوجيا والأنويّة الحضاريّة للغرب«، الفكر العربيّ، العدد 19، فيفري 1981، صص 58-68.
(5)
  Lévi-Strauss (Claude), L’anthropologie structurale, t. II, Plon, Paris, 1973, p. 69.
(6)   نفسه.
(7)
Qeusada (Carlos), «Naissance d’un nouveau discours dominant : l’exemplarité des sociétés aux structures archaïques dans « Tristes tropiques» de Claude Lévi-Strauss », in : Les groupes dominants et leur(s) discours, Colloque tenu à la Sorbonne, 8-10 Mars 1984, éd. Presses Sorbonne Nouvelle, Paris, 1984, (pp. 221-256), p. 246 sq.
(8)   حاول بعض الماركسيّين خصوصاً «فضح» فكر ستروس الذي أراده أن يكون ثوريّاً  «لكنّه كان في الواقع... مجرّد تعبير عن إيديولوجيا مهيمنة في المجتمع الغربي». انظر:
Copans (Jean), «Lévi-Strauss face à Rousseau ou la censure du politique», in : Le sauvage à la mode, Textes réunis et présentés par : Jean-Loup Amselle, éd. Sycomore, Paris, 1979 (pp. 29-94), p. 88.
ويرى سارج سلاوون(Serge Salaün)  أنّ توافق البنيويّة والإيديولوجيا الرّأسماليّة المهيمنة في الغرب كان عبارة عن «تبنيّ فكر غير ثوريّ من قبل إيديولوجيا مهيمنة» ويتساءل: «كيف أمكن تحويل طريقة عمل إلى نسق فكريّ؟». هذا علاوة طبعاً عن الانتقادات ذات الطّابع النّظري، إذ ينتقد سلاوون زعم ستروس «العثور على مفتاح الواقع الاجتماعيّ من خلال فكّ الأساطير فحسب». (انظر مناقشة مقال كارلوس كيسيدا المذكور سابقاً في نفس المصدر ، ص 263 وما بعدها).
(9)  Lévi-Strauss , L’anthropologie structurale, op. cit., p. 24.
(10)  نفس المصدر السّابق، ص 24.
(11)   نفس المصدر السّابق، ص 25.
(12)   ليفي شتراوس (كلود)، العرق والتّاريخ، ترجمة: سليم حدّاد، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت 1982، ص 13.
(13)   دكروب، الانتروبولوجيا...، م.م.س، ص 72.
(14) 
Lévy-Valensi (Eliane Amado), La nature de la pensée inconsciente, Collection Encyclopédie Universitaire, éd. Jean Pierre Delarge, Paris, 1978, p. 289.
(15)   نفس المصدر السّابق، ص 390.
(16)  نفسه.
(17)
 Dion (Stéphane), Pour une esthétique du renouveau, L’Harmattan, Paris ; 2005, p. 177.
بل ويواصل ديون في الصّفحة الموالية بناء طرحه على بعض الاستشهادات المقتبسة من ستروس، فهو يقول مثلاً : »وفي الواقع التّاريخيّ الرّاهن، فإنّ كلاً من هاتين القوّتين، وهما في موقع قوّة نسبيّ في العالم، تؤثّر في الأخرى. إنّهما تتداخلان وتتغذّيان من بعضهما البعض، أو تتجاهلان. والمشكلة المطروحة على الضّمير التّاريخيّ العالميّ هي في كيفيّة تصوّر وفهم هذه الوضعيّة: إلى أيّ مدى يمكن لهاتين الرّؤيتين للعالم التّعايش ؟... وما هي وسائل ذلك التّعايش – في الواقع التّاريخيّ المعاين- مع ما يبدو من تضارب جذريّ في غاياتهما؟»(ص 178). وعلى غرار هذه الفقرة، ينضح الكتاب – بلا مبرّرات كافية، ورغم أنّه يتحدّث في فلسفة الجمال- بتوظيفات «مجانيّة» لخطابات مفكّرين آخرين معادية للإسلام، وهو ما يساهم في تغذية موقف راديكاليّ محافظ و «تأثيميّ» تجاه العرب والمسلمين. 
(18)   جعيط، أوروبّا والإسلام، م.م.س، ص 49.
(19)  نفس المصدر السّابق، ص 52.
(20)  نفس المصدر السّابق، ص 54.
(21)  دكروب، الانتروبولوجيا...، م.م.س، ص 11.