في الصميم

بقلم
علي الطرهوني
قدسوا الحرية حتى لا يتمكن بكم الطغاة

 مازال صدى  قولة عمر بن الخطاب  «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» تمثل بحضورها القويّ في ذاكرتي منذ أن كنت تلميذا في مقاعد الدّراسة. قصّة هذه القولة معروفة يضيق الحديث لسردها. ولكن ملايين الصور تختزن في مخيلتنا حول ما يرتكب   باسم  الحرية من فضاعات. هنا تذبح الحرّية على قرابين التضحية وباسم الوفاء والنضال والحساب والعقاب. وباسم الحرّية تذبح الشعوب وتباد وينكّل بها في حملات أشبه بالتطهير العرقي...ثورات كثيرة وقعت في التاريخ الإنساني هزّت عروش الطغاة الجبابرة.... ملايين من المفكرين الأحرار دفعوا أرواحهم باهظة من أجل كلمة حقّ عند سلطان جائر ... من أجل كلمة حرّة....

وبسبب غفلـــة العباد والزعمــــاء يحصل المحظـور ويكسّر الفخار بعضه بعضـــا، ودائما تحت غطـــاء الحريـــة. أقول: «ماذا فعل المواطــــن العربي طيلة خمسين سنة لحكامـــه حتـــى يعامل معاملة العبيد؟ أعطاهم أولاده للحروب ونساءه للفراش والزغاريد وأعطاهم عجائزه للدّعاء وقوت أولاده لعصابات الفساد». لك الله كم من قرابين سفكت باسم الحرّية ! من أجل قليــــل من الحرّيـــة نغنم الآن الفوضى ومن أجل كثير من الحرية أو جرعة زائدة من بلسمها نسقط في المجهول . في أوضاع غير مستقرة ويتصرّف المواطن الأبله في حق البلد كما لو يتصرف في مزرعته الخاصة « دعه يفعل دعه يمرّ».
وفي حصة الدّرس يقول الأستاذ « إن حرّية المرء تقف عندما تبدأ حرّية الآخرين». شعار جميل «مغلق مع وقف التنفيذ». أما أنا وأنتم أمثالي من البسطاء من ذوي الرغيف والشعار السخيف، فقلبي مازال ينبض بالحرّية وأخطّ كلماتي بلا وصاية من أحد ...هذا أهم مكسب من الثورة.
واليوم مازلت واقفا بين الأشجار لم أفقد مداركي العقلية. قد أكون مخطئا حين أردّد بأننا شعب واع يقدّس الحرّية، خرج ذات شتاء من جانفي يثور من أجل هذه الحرّية...وبعد ثلاث سنوات لم يجن إلا الفوضى. استورد كل شئ من المفكر، إلى الملبس والمأكل والمنكح ولم يبق لنا إلا أن نستورد شعبا آخر غير هذا الشعب يقدّس قيمتها ويدرك حقيقة مفهوم الوطنية. فمن يغيث أمة عصفت بها المحن والغمّة؟! 
إن أقلّ ما تحقّق لنا نحن الشعوب الثائرة والحائرة أن اتسعت لنا مساحة الحرّية فالكل يفعل ما يريد ....حتى توسّعت حرّيتنا واخترقت كل القيم والأخلاقيات بل حُرّفَتْ وجَرَفَت ما حولها وضربت بالحرّية عرض الحائط، حتى صرنا نسمع أصواتا تردّد «ليتنا لم نحصل على هذه الحرّية وبقينا نقدّس الاستعباد ولم ندكّ عرش الطغاة»!!! 
إننا شعـــوب بالأقدام تُداس وبالعصا تُســـاس ...وحين لم نتعلم تذوّق الحرّية ذات يــــوم، تمكّن منّا الطغاة. ولو شـــاء الله أن لا يعتبر أننا أمة من دمى متحركة تتحكم فيهــــا الأحزاب التعيســــة والخسيسة لوهبنــــا حياة أخرى نستثمرها فــــي صنع عقول حرّة وتهيئتهــــا لتقبّل فكرة الحريــــة فتعبّر عما تفكّر فيه وتقولـــــه ولا تكون دمية من ورق وسنتعلّم  كيف نمنح الأشياء قيمتها ونؤسس لحزب الحرية. ثم باسم الحرية نعلن انشقاقنا عنه، لنثبت أننا أحرار وأن الحرية هي أن نفعل ما نريد ونتمسك بها ونقدسها ولولا ذلك لتمكّن منا الطغاة.