مقالات في التنمية

بقلم
نجم الدّين غربال
عقود التمويل الإسلامي

 تحتوى المالية الإسلامية على باقة متنوعة من العقود لكل واحد منها سببه الخاص بينما تهدف جميعا إلى وضع الإجراءات العادلة لجميع الممضين عليها  وكلها تعتمد على الهدي القرآني كلام «ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى»(الآية50من سورة طه)

وقد فرض القرآن كتابة العقد بين طرفين حين يقيما علاقة مالية فيما بينهما كالتداين مثلا بالتوجيه التالي «يا أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه و ليكتب بينكم كاتب بالعدل و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه و لا يبخس منه شيئا...» (الآية 282 من سورة البقرة).
و يعود هذا الفرض الملزم لكل المعنيين إلى اعتبارات عديدة نذكر من بينها :
* مراقبة الأنشطة المزمع القيام بها حتى تكون مشروعة بما يحقق النفع ولتجنب الأنشطة المخلة بكرامة الإنسان على مستوى دينه ونفسه وعقله وشرفه وماله تحقيقا لمقاصد الشريعة الخمس والتي حددها الشاطبي في كتابه من حفظ للنفس والدين والعرض والعقل والمال.
* الحيلولة دون الفساد باجتناب الغموض والابتعــاد عن الريبة والشك.
* ضمان مستوى عالي من الثقة بين الأطراف الموقعة على العقد.
* احترام مبادئ الشريعة حتى نضمن حقوق الجميع بما فيها حقوق الأجيال القادمة. 
فالتمويل الإسلامي موارده متأتية من أصول حقيقية ودائمة ونافعة غير ضارّة بالمجتمع. أما وجهته فهي كل نشاط يفرز سلعا وخدمات حقيقية ملموسة وذات نفع للناس غير وهمية ولا تلحق ضرر بهم وهو ما يعبر عنه بالنشاط الحلال بالمصطلح الديني.
وسمي كذلك لأنه نشاط شفّاف بامتياز يمنع الوقوع في عدم تناظر المعلومة ( Asymétrie d’Information ) تحقيقا للعدل وتجنّبا للوقوع في اللّبس الناتج عن الغموض وللحيلولة بالتالي دون وقوع أزمات في السوق.
 أنواع العقود
(1) عقد المرابحة
المرابحة نوعان : المرابحة العادية والمرابحة للأمر بالشراء التي تجريها البنوك الإسلامية ومؤسسات التمويل الأصغر.
(أ) المرابحة العادية
هي عبارة عن أن يكون لدى التاجر بضاعة فيأتي شخص يطلب شراءها بثمن يزيد عن ثمن الشراء 12 % مثلا فيوافق التاجر على ذلك وهي مرابحة جائزة بالإجماع ولا خلاف ولا شبهة فيها وهي موجودة منذ عصر الرسول صلى الله عليه و سلم.
(ب) المرابحة للآمر بالشراء
لهذا النوع مراحل ثلاث :
* يأتي الحريف و يطلب من البنك أن يشتري له سيارة أو بضاعة ويتعهد بأنه في حالة تنفيذ البنك هذه العملية أنه سيشتريها.
* يقوم البنك بشراء تلك البضاعة أو السيارة وتصبح في ملكيته.
* ثم يقوم البنك ببيع تلك البضاعة أو السيارة للحريف للآمر بالشراء بالثمن ونسبة ربح معلوم. فلنفرض أن البنك قد اشترى سيارة بـ 100 ألف دينار فيبيعها له بـ 112 ألف دينار مقسّطة على أقساط شهرية أو نحو ذلك.
فهذا النوع من المرابحة جائز أيضا عند جمهور الفقهاء المعاصرين لأنه عقد مشروع ليس فيه ما يبطله شرعا إذا توفرت الشروط المطلوبة. 
ولاستخدام صيغة المرابحة في مؤسسات التمويل الأصغر مزايا ذاتية وعيوب موضوعية فمن مزاياها نذكر قلة المخاطر وسهولة التطبيق وأنها تناسب الكثير من المشاريع الصغيرة. أما من عيوبها الموضوعية إساءة بعض المتعاملين بها عبر التحايل على مؤسسات التمويل الأصغر للحصول على النقد مقابل عملية وهمية (مثلا الاتفاق مع البائع على إرجاع البضاعة له بعد أن تشتريها المؤسسة وتبيعها للآمر بالشراء).
(2) عقد المشاركة
هي عبارة عن مشاركة مؤسسة التمويل الأصغر وشخص أو أكثر بأموال متساوية أو مختلفة على أن يكون الربح حسب المال عند الشافعية والمالكية أو حسب الاتفاق عند الحنفية والحنابلة. أما في حالة الخسارة، فيتم تحميلها للطرفين بحسب نسبة مساهمة كل منهما في رأس المال.
ويكون للشركاء الحق في الإدارة كما أن لبعضهم الحق في التنازل عن الإدارة والاكتفاء بالشراكة المالية فقط وجدير بالملاحظة أن هذه الصيغة تعطي هذا النوع من التمويل درجة عالية من الجدية.
و للمشاركة أنواع كثيرة يمكن بالرجوع إلى بعض الكتب التي تمّ تأليفها في هذا المجال منها «فقه الشركات» للدكتور الخياط أن نقف عندها :
(أ) المشاركة البسيطة : في هذا النوع من المشاركات تدفع مؤسسة التمويل الأصغر الإسلامي جزءا من رأس المال ويقوم الحريف بدفع الجزء المتبقي ويشارك بالعمل ويتم تقاسم الأرباح بحسب الاتفاق أما الخسارة فبحسب مشاركة كل طرف برأس المال.
(ب) المشاركة المنتهية بالتمليك : تقوم مؤسسة التمويل الأصغر الإسلامي بإعطاء الحق للشريك في الحلول محلّه في الملكية دفعة واحدة أو على دفعات (و تسمى المشاركة المتناقصة) حين تتوفر لديه صفات وشروط محددة وحسب ما يتفق عليه في العقد.
و لهذه الصيغة التمويلية القائمة على المشاركة في مؤسسات التمويل الأصغر مزايا لصالح التنمية الاقتصادية وللمؤسسة بتحقيق عائد مرتفع لها، كما أنها لا تخلو من مخاطر قد تلحق بمؤسسات التمويل الأصغر إذا لم تحسن اختيار الشريك ولم تكن لها الخبرة المحاسبية اللازمة.
(3) عقد المضاربة المقيدة
وهى صيغة معلومة وعقد مشروع وتلبّي مؤسسة التمويل الأصغر حاجة الحريف إلى سيولة نقدية تمكنه من الحركة والمرونة لتنفيذ مشروعه التجاري وفى هذه الحالة تقوم المؤسسة بدور ربّ المال ويكون الحريف هو المضارب ويكون الربح المحقق حسب الاتفاق بينما تتحمل مؤسسة التمويل الأصغر الخسارة في حال وقوعها ويخسر الحريف المضارب جهده ووقته. أما إذا كانت الخسارة بسبب إهمال من الحريف المضارب أو تقصير منه أو ظلم يلحقه بالمؤسسة فهو من يتحملها.
وككل صيغة تمويلية نجد عبرها مزايا متعددة فهي تمكن الحريف من تحقيق أرباح عالية وتساهم بشكل مباشر في التنمية الاقتصادية كما نجد فيها مخاطرة لاعتمادها على أمانة وأخلاق الحريف وهنا تكمن أهمية التربية منذ الصغر بالنسبة للأجيال القادمة وكذلك أهمية وضع مؤسسات التمويل الأصغر لآليات تحدّ من درجة المخاطرة.
(4) عقد السلم
صيغه معروفة ومطبقة حاليّا على نطاق واسع في القطاع الزراعي في كثير من الدول ويمكن تطبيقها في عدة قطاعات حسب الضوابط الشرعية والشروط الملائمة لكل قطاع وتعرف ببيع آجل بعاجل وهى عبارة عن بيع سلعة يتعهد فيها البائع بتوفيرها في تاريخ مستقبلي مقابل مبلغ محدّد يدفع بالكامل مقدّما ويمكن العمل به في المجال التجاري والصناعي وكذلك الزراعي والحرف الصغيرة ذات الإنتاج الممتاز الذي يمكن تسويقه بسهولة فيما بعد وتحقيق ربح و يسمى هذا سلما بسيطا.
كما يمكن للمؤسسة أن تتفق مع طرف ثالث لشراء البضاعة سلما وتقبض الثمن حالا وهذا يسمى سلما موازيا.
ويمكن لمؤسسات التمويل الأصغر أن تستخدم صيغة التمويل بالسلم كبديل يغني عن القرض النقدي بفائدة ويمكن المستفيد من قدر كبير من المرونة في تغطية تكاليف التشغيل ومصاريف شراء المواد اللازمة لتوفير السلعة المتفق عليها وهذه أهم مزايا هذا العقد ويبقى احتمال تقلّب أسعار السّلع المتفق على تسليمها هو ما يعكّر صفو هذه الصيغة التمويلية أساسا.
(5) عقـد الاستصناع
وهو عقد يتعهد بموجبه أحد أطرافه بإنتاج ما يتفق عليه وفقا لمواصفات معينة وسعر وتاريخ تسليم محددين.
وتقوم مؤسسة التمويل الأصغر بموجب هذه الصيغة التمويلية بتصنيع ما يحتاجه الحريف من وحدات إنتاجية أو عقارية عن طريق مصنعين ثم تقسط المبلغ على دفعات تشمل ربح المؤسسة من الإستصناع.
و يمكن لمؤسسات التمويل الأصغر استخدام هذه الصيغة لتمويل متعاملين يريدون تطوير مشاريعهم أو بعثها وتحتاج لتصنيع مثل الأثاث أو بعض الآلات والأصول التي تحتاج لتصنيع وتركيب وكذلك العمـل بـها مـع الحرفيين (حدادين ، خياطين ..) ويلائم الإستصناع أيضا هذه المؤسسات التي تقدم منتجات وبرامج تمويل لتحسين المسكن أو بناء وحدات سكنية. 
ومن مزايا الإستصناع أن صرف التمويل يتأكّد في الهدف المحدّد له كما يمكن ضمن هذه الصيغة الحصول على دفعات وأقساط الإستصناع قبل التسليم النهائي.ومن أهم مزاياها الدور الكبير الذي يمكن للتمويل الأصغر أن يلعبه في تنشيط الصناعة والنهوض بالاقتصاد.
وتحتاج هذه الآلية إلى تعاقد مع مصنعين ومقاولين ويطلب منهم تقديم ضمانات لحسن التنفيذ فضلا عن إشراف مؤسسات التمويل الأصغر ذاتها ومتابعة منها للتأكّد من سير العمل حسب الاتفاق.
(6) عقد المقاولة
يمكن التعامل بها في حالة تمويل صغير لصيانة مساكن أو توسعة ما هو قائم من مباني (بناء غرفة، بناء كشك، توصيل مياه، كهرباء، حفر الآبار) وهو عقد يشمل كل المجالات التي تجمع بين الحاجة إلى الموارد والعمل معا ويمكن قياس تكلفتها بالقطعة أو المتر.
(7) عقد الإجارة
يمكن للمصرف الإسلامي أن يمتلك ما لا يقدر على امتلاكه الفقير أو يقتني ما يحتاجه ثم يقوم بتأجيره لمجموعات أو أفراد بصيغة البيع الإيجاري المنتهى بالتمليك مثلا إيجـار عربة نقل ليتم تمليكها فيما بعد على مدى زمني يتم التعاقد عليه. 
خلال فترة العقد يكون المستأجر مسؤولا عن جميع النفقات الثابتة على الأصل من صيانة وتأمين وغير ذلك وإذا تخلّف المستأجر عن دفع الأقساط يتم تطبيق أحكام عقد الإجارة بفسخ العقد لعدم دفع الإيجار و استرداد الأصل المؤجر.
وتتكون الإجارة المنتهية بالتمليك من معاملتين : الأولى معاملة تأجير الأصل للانتفاع به والثانية معاملة الهبة إذا تم تمليك الأصل مجانا أو معاملة البيع إذا تم تمليكه بثمن.
(8)  الوكالة بأجر أو بغير أجر
 يمكن تطبيق هذه الصيغة بأجر في تقديم بعض الخدمات الصغيرة منصفة حيث يمثل سوق الخدمات مجالاً خصباً للاستثمار لا يقل عن سوق السلع والبضائع إن لم يكن أوسع منه وعلى سبيل المثال يمكن الوكالة في خدمات التأمين وخدمات السفر والسياحة وخدمات الترخيص والخدمات الإدارية .. أما الوكالة بغير أجر فيمكن أن تكون في الخدمات الصغيرة التابعة واللازمة لتنفيذ عمليات أو مشروعات بالصيغ الأخرى كالمرابحة للأمر بالشراء والمشاركة وغيرها كمثال خدمات ما بعد البيع أو أي إجراءات يمكن القيام يها حسب الصرف ونظم العمل بدون اجر.
ومن مزايا هذه الصيغة التمويلية إمكانية استرداد الأصل المؤجر في حال عدم سداد المتعامل للأقساط و قلة المخاطر وكذلك التأكد من أن التمويل تم استخدامه في الهدف المقصود فضلا عن أنها صيغة سهلة التطبيق و تلائم الكثير من المشاريع الإنتاجية التي تحتاج لآلات و معدات كما يمكن استخدامها في برامج تمويل المسكن.
من جهة أخرى لا تلائم هذه الصيغة بعض المشاريع التي تحتاج لمصاريف تشغيلية كما فيها من المخاطر ما يجب تفاديها مثل التأمين على الأصل المؤجر.
(9) التمويل بالقرض الحسن
القرض الحسن هو قرض بدون فوائد فهو دين لفترة زمنية محددة على أن يرد دون زيادة أو نقصان ويكون عادة لغايات إنسانية واجتماعية ويحق للجهة الممولة فرض رسوم رمزية مقابل مصاريف إدارية تحملتها في سبيل منح هذا القرض ولا تمت بصلة لقيمة ومدة وهدف هذا القرض.
  يفضّل الكثير من المتعاملين القرض الحسن لأنه يعطى للمتعامل فرصة لشراء ما يلزم لمشروعه بحرية وهو سهل التطبيق بينما لا تفضله مؤسسات التمويل الأصغر لأنه يهدّد بعدم استمرارها وذلك بسبب تآكل رأس المال  المخصص لمنح قروض حسنة في المصاريف التشغيلية وغيرها.
وقد تفرض بعض مؤسسات التمويل رسوماً على القرض الحسن دون الالتزام بالضوابط الشرعية لتحصيل هذه الرسوم، مما يجعل هذه الرسوم عبارة عن فوائد تحت اسم رسوم قرض حسن وهذا يضرّ بسمعة التمويل الإسلامي.
(10) التمويل عن طريق البيع الآجل ( البيع بالتقسيط)
البيع بالتقسيط هو بيع يعجل فيه التسليم، ويتأجل فيه السداد، كله أو بعضه ، على أقساط معلومة، لآجال معلومة وبموجبه يتم تسليم السلعة في الحال مقابل تأجيل سداد الثمن إلى وقت معلوم سواء كان التأجيل للثمن كله أو لجزء منه ، وعادة ما يتم سداد الجزء المؤجل من الثمن على دفعات أو أقساط ، فإذا تم سداد القيمة مرة واحدة في نهاية المدة المتفق عليها مع انتقال الملكية في البداية فهو بيع آجل، وإذ تم سداد الثمن على دفعات من بداية تسلم الشيء المباع مع انتقال الملكية في نهاية فترة السداد فهو البيع بالتقسيط.