همسات

بقلم
د.محمد كشكار
التفقد البيداغوجي في مختلف الأنظمة التربوية في العالم

 إن استشارة متفقدي وزارة التربية في الندوة الوطنية حول منهجية إصلاح المنظومة التربوية التي التأمت في تونس من 29 إلى 31 مارس 2012، ليست هي الحل كما توهّم بعض البيروقراطيين غير الملمّين بالأزمة التربوية في تونس، أو كما أمِلَ بعض السياسيين الجدد. و إنما وجود مؤسسة التفقد البيداغوجي في حدّ ذاتها هي العلامة التي لا تخطئ على الأزمة، على حدّة الأزمة. التفقد البيداغوجي ليس العلاج أو الدواء وإنما هو أعراض المرض. سأحاول أن أترجم إليكم بكل أمانة علمية -  رغم مقدرتي المتواضعة في الترجمة - مضمون المحاضرة التي ألقاها «أنتون دو قراو»، اختصاصي برامج، المعهد العالمي للتخطيط التربوي، اليونسكو حول التفقد البيداغوجي في العالم بعنوان « التفقد في مختلف الأنظمة التربوية في العالم» . تجدون إضافاتي القصيرة جدا دائما بين قوسين حتى لا يختلط عليكم الأمر خاصة وأن المحاضر من الوزن الثقيل علميا رغم رشاقته جسميا.

كلمة صغيرة لكن لطيفة وحازمة ومعبّرة وعبرة في الوقت نفسه لمن يعتبر من أولي الأمر والألباب التربويين، أوجّهها خصيصا إلى متفقدي الذي هدّدني هاتفيا - في منزلي وفي عطلتي وحرمني من الإحساس بالأمان لا بالأمن - بتقديم شكوى ضدي إلى التفقدية التونسية العامة للتعليم الثانوي محاولا شلّ عزيمتي وحرماني من حقي الشرعي والقانوني في حرية التعبير. وعلى كل مقال سيئ أردّ بمقال علمي جيّد لا بالعنف اللفظي والتهديد، أردّ على التهديد اللفظي بمزيد من النشر، نشر البراهين العلمية التي تعزز وجهة نظري النقدية العميقة لنظام التفقد في العالم ولنظام التفقد في تونس بصيغته الحالية في 2011 دون المساس بالحرمة الأدبية والشخصية لمتفقدينا التونسيين الأكفاء الذين أكنّ لهم كل التقدير والتبجيل ولا أحمّلهم وحدهم مسؤولية تخلّف نظام التفقد في تونس وأعتبرهم بمثابة أساتذتنا المحترمين بعد أساتذة الجامعة والسلام على من اتبع الهدي، هدى العلم والمعرفة، هدى حرية التعبير دون قيد أو شرط، هدي الابستومولوجيا. . أذكّر من نسي أن التهديد لم يثنني عن مواصلة مشواري والإصداع بالـ «حقيقة العلمية النسبية» وأنا في سن الثلاثينات من عمري فكيف سيثنيني اليوم و قد اشتدّ عودي و غزا الشيب مفرقي و لم أعد أنتظر من وزارتنا الموقرة عددا بيداغوجيا ولا إداريا ولا ترقية، أنتظر منها فقط أن تعطني حريتي وتطلق قلمي لوجه الله في سن الستين حتى أتفرغ لمهمتي الأساسية في الحياة وهي النقد، نقد كل فكر غير علمي في تونسنا الجميلة وأتخلص من تسلط بعض المتسلطين. النقد مؤسسة مستقلة و قائمة بذاتها و لا يُنقص من قيمتها العلمية عدم تقديمها للبديل.
* تعتمد جل البلدان على جهاز التفقد البيداغوجي في نظامها التربوي إلا قلّة منها استغنت تماما عن هذا النوع من التفقد وهذا لا يعني أنه لا توجد فيها مراقبة من نوع آخر.
* تتناقض مهمة التفقد الطموحة مع الإمكانات المتواضعة.
ما هي المهام الأساسية للتفقد؟
*التفقد هي أداة مراقبة  بيداغوجية وإدارية في الوقت نفسه. إلاّ أن المتفقدين يركّزون على المهمة الثانية أكثر من الأولى. وهي أداة دعم، لذلك يسمى المتفقد في بعض البلدان مشرفا أومرشدا بيداغوجيا. وهي كذلك أداة أداة ربط حيث يبلّغ المتفقد أوامر الوزارة إلى المدرسين ويرفع تقاريره البيداغوجية إلى الوزارة.
يهدف التفقد إلى تحسين مستوى التربية بصفة عامة وتوحيد الثقافة الوطنية باعتماد نفس المقاربة البيداغوجية ونفس البرنامج ونفس المواد في جميع أنحاء القُطر. كما تهدف إلى تحميل المدرسين مسؤولية نتائج تلاميذهم رغم أن للعائلة والمدرسة كمؤسسة دور في هذه النتائج.
ما هي إشكالية التفقد؟
من يتفقد؟ هل يتفقد المدرس؟ هل يتفقد المدرسة؟ هل يتفقد النظام التربوي؟ 
ما هي بدائل المتفقد الكلاسيكي المتاحة؟
* الجهات الفاعلة والمخوّلة لتفقّد المهنيين أو المحترفين هم المحترفون أنفسهم، خذ مثلا  الأطباء، هم مراقبون من عمادة الأطباء نفسها.
* المدرسون الأكفاء يستطيعون تفقد زملائهم.
* في إفريقيا الجنوبية: يتكون فريق التفقد من ممثل للإدارة وممثل لنقابة المدرسين ومدرّس يعيّنه المدرّس المعني بالتفقد. بهذا الصنيع الديمقراطي يكتسب التفقد مصداقية، قد يفتقدها المتفقد الكلاسيكي.
* قد يُراقَب المدرسون من قبل المستفيدين أو الزبائن أو المستعملين مثل الأولياء والتلامذة. في بعض البلدان النامية حيث تضعف أو تغيب الدولة، تخلق المدرسة شبكة حولها، متكونة من تجمّع الأولياء. يموّل الأولياء المؤسسات العمومية من الضرائب التي يدفعونها سنويا والدولة تعيش من هذه الضرائب. ومن يموّل المدرسة يستطيع ممارسة حق مراقبة المدرسين وتوجيههم. يراقب تغيبهم مثلا أو يحاسب المدرسة على النتائج. وفي هذه الحالة، يختار الوليّ المدرسة حسب نتائجها وهذه سوق رائجة في فرنسا مع كل انعكاساتها الضارّة.
فيما تتمثل مِهَنِية المدرس؟
المدرسون مهنيّون بطبيعتهم. ليس الهدف من التعليم هو البحث عن الرزق بل التعليم هو رسالة في حدّ ذاتها. يبدو أن للمدرّسين الأكفاء الحق في شيء من الاستقلالية في مراقبة عملهم لكن من الضروري إجراء مراقبة خارجية لتقييم كفاءتهم.
من يقيّم من؟
* التقييمات العالمية مثل تقييم «بيزا» الذي يكشف نقاط الضعف في النظام التربوي بمقارنته بأنظمة عالمية متفوقة.
* التقييم الذاتي وهو مشروع المدرسة، مع العلم أنه ليس من السهل طرح نفسك موضوعا للنقاش والنقد والمساءلة. قد يخلق هذا النوع من التقييم صراعات بين المدرسين وقد يثبط عزائم البعض منهم.
* من الأفضل الجمع بين الأدوات الثلاثة للتقييم وهي تقييم المتفقد والتقييم الذاتي والتقييمات العالمية.وبالتالي فإنه لا يجب الاستئناس بطرف واحد فقط، مثل المتفقد الكلاسيكي، لأنه قد لا يأخذ في الاعتبار عمل أو مشروع المدرسين أنفسهم ولا يهتم بالتقييمات العالمية. بهذا الصنيع الأحادي، يفقد الطرفان الآخران شرعيتهما ومصداقيتهما.
سأعرض عليكم أربع نماذج نمطية مثالية من التفقد في العالم حتى تقارنوا بينها
(2) نموذج التفقد الكلاسيكي
* يُعدّ النموذج الأكثر شعبية في فرنسا والدول الفرنكوفونية والأنغلوفونية مثل فيتنام والسنغال وتنزانيا والمكسيك وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان.
* المدرس هو متعاقد مع الوزارة، من حقها إذن مراقبته عن طريق المتفقد.
* تعتمد الوزارة في مراقبتها للمدرسين على تقرير المتفقد و على نتائج التلامذة.
* لا تعير الوزارة اهتماما كبيرا للتقييم الذاتي في المدرسة و يبقى المتفقد يمثل لديها الأداة الأساسية للمراقبة.
* يتمتع سلك التفقد بنوع من الاستقلالية عن الإدارات الأخرى في الوزارة.
* يتمتع مدير المؤسسة التربوية بحق تفقد المدرس.
ما هي نقاط القوة في نموذج التفقد الكلاسيكي؟
* يُغطّي التفقد جميع مدارس البلاد فهو موحّد ثقافي للشعب وناشر للثقافة الوطنية في كل أرجاء الوطن.
* يوفر التفقد دعما للمدرّسين ويفرض عليهم مراقبة.
ما هي نقاط الضعف في نموذج التفقد الكلاسيكي؟
* بيروقراطية  مُكلّفة لأن التفقّد يشمل كل المدارس (قال مدير إعدادية نلسن مانديلا في فنلندا عندما سُئل: لماذا تكون تكلفة التلميذ الفنلندي أقل من تكلفة التلميذ الفرنسي رغم أنكم لا تأخذون مقابلا للتسجيل والدراسة وتوفرون وجبة غذائية مجانية بالمدرسة وتتكفّلون بمصاريف نقل التلاميذ من البيت إلى المدرسة؟ أجاب: لأننا ألغينا سلك التفقد والميزانية المخصصة له).
* بيروقراطية ثقيلة لأن عدد المتفقدين لا يكفي فتكون زياراتهم للمدرّسين متباعدة زمنيا.
* تنسيق معقد بين الولايات والمعتمديات وبين المتفقدين أنفسهم وبين المدرسين المستفيدين من عملية التفقد.
* تناقض بين المهمّة الكبيرة والواعدة للتفقد وبين الإمكانات المحدودة والمتواضعة المتوفّرة خاصة في البلدان النامية حيث توسّع التعليم ولم تتبعه نهضة اقتصادية (مثل ما يقع في تونس 2011). ينتج عن هذه الزيادة السريعة في عدد المدرسين، نقص في عدد المتفقدين المخصصين لتفقّدهم. لذلك يستوجب هذا الوضع التربوي الجديد مراجعات وإصلاحات جذرية.
* صراع حول الأدوار: صراع بين دور المتفقد كمراقب إداري ودوره كمرشد بيداغوجي جاء ليدعم المدرّس في أداء عمله مما يجعل النجاح في المهمّتين صعب جدا أو شبه مستحيل. لو تقمّص المتفقد دور المراقب، فإن الأستاذ لن يثق فيه ولن يتكلم عن المصاعب الحقيقية التي تعترضه يوميا ولن يبوح له بنقاط ضعفه خوفا من تقييمه ومحاسبته. لو تقمّص المتفقد دور المرشد البيداغوجي فهو في هذه الحالة  لن يقوم بدور المراقب للمدرّس إذن، لذلك يكون من الأفضل أن يتخلى المتفقد عن دور الدعم ويلتفت لدور الدعم أو دور المراقبة فقط. في هذه الحالة الأخيرة، يجب أن لا تحتكر الإدارة دور مراقبة نفسها بنفسها لذلك وجب خلق جهاز مراقبة مستقل نوعا ما عن الإدارة وهذا سيحيلنا على النموذج الثاني وهو نموذج التفقد المركزي.
(3) نموذج التفقد المركزي 
* يطبق هذا النموذج حاليا في انقلترا وبلاد الغال والبلدان الأنقلوسكسونية وزيلندا الجديدة وأستراليا.
* يتكون فريق التفقد من 12 متفقد. تُراقب المدرسة كل ثلاث سنوات. يتفقد فريق التفقد التجهيزات وطرق التعليم والنتائج وغيرها ويبعثون بتقريرهم إلى الوزارة وينشرونه على الأنترنات دون ذكر أسماء المدرسين المعنيين. ويرتب على النات فريق التفقد المدارس حسب نتائجها. قد يخلق هذا التمشي منافسة بين المدارس مما قد ينجرّ عنه تحسين النظام التربوي في بعض المدارس المتفوقة نسبيا أو ينتج عنه غلق بعض المدارس الفاشلة لأن الأولياء سيختارون المدرسة 
الأكثر تفوقا.
* ما دام الأولياء هم الذين يموّلون المؤسسات العمومية فمن حقهم معرفة مصير تمويلاتهم.
* يُطلَب من المدرسة تقديم تقييم ذاتي قبل مجيء التفقد بشهرين لذلك تقوم المدرسة المقصودة بـ «بروفة» تقيّم فيها نقاط قوتها لعرضها وإبرازها ونقاط ضعفها لتحسينها.
* بعد نشر التقرير على الأنترنات، قد تكتسب المدرسة المتفوقة سمعة طيبة لدى الأولياء ويزداد مدرسوها ثقة بالنفس، أما المدارس الأقل تفوقا، فهي مطالبة بإعداد خطة للدعم والعلاج حسب توجيهات فريق التفقد. فلو كانت المدرسة المعنية تشتكي مثلا من مشكل العلاقات مع الأولياء قبل التفقد لكن فريق التفقد اكتشف فيها خللا في تدريس الرياضيات، فعليها إذن الإسراع بإصلاح خلل الرياضيات قبل مشكل الأولياء تماشيا مع توصيات فريق التفقد الموافقة لتعليمات الوزارة.
* يتمتع سلك التفقد ببعض الاستقلالية في إصدار قراراته.
* يحتكر الجهاز المركزي للتفقد مهمة التفقد في الوطن فلا وجود إذن لمتفقدين على المستوى الجهوي ولا المحلي.
* تتمتع المدارس بنوع من التسيير الذاتي مع ميزانية خاصة لتمويل مشاريعها التكوينية لإطاراتها الخاصة كتكليف جامعة أوشركة تكوين خاصة للقيام بهذه المهمة.
ما هي نقاط القوة في نموذج التفقد المركزي؟
* توزيع المهام الواضح: تقتصر مهمة فريق التفقد على المراقبة فقط وتترك مهمة الدعم والعلاج للمدرسة نفسها. وفي هذه الحالة لا يوجد تناقض أو صراع بين دور الدعم البيداغوجي (لأنه ملغى قصدا) ودور المراقبة الإدارية.  ولو اجتمع الدوران في شخص واحد، قد يفقدا نجاعتهما مثل ما هو جاري به العمل في النموذج الكلاسيكي الأول المطبق في فرنسا (و في تونس أيضا).
* التخفيف من ثقل البيروقراطية: يمتاز هذا النموذج بأقل عدد من المتفقدين على المستوي الجهوي و المحلي لأن فريق التفقد مجمّع في وحدة مركزية تراقب كل مدارس القُطر.
* يحمّل هذا النموذج كل مدرسة مسؤولية إيجاد حلول ملائمة لمشاكلها. 
ما هي نقاط الضعف في نموذج التفقد المركزي؟
* تعاني المدارس الضعيفة من غياب الدعم المقدم لها، فمدرسة لا تتمتع بمساندة الأولياء لأنهم مهاجرون جدد مثلا و لا يعرفون اللغة أو مدرسوها يرغبون في مغادرتها لضعف نتائجها لذلك يصعب على هذه المدرسة اختيار و تطبيق الحلول الناجعة لتخطي أزمتها و تحسين النظام التربوي داخلها. تحتاج إذن هذه المدرسة لدعم خارجي يقود خطاها لشط السلام. أضف إلى هذه المشاكل ما يترتب عن الرتبة السيئة التي تحصلت عليها المدرسة بعد التفقد فهي قد تُخفض ميزانيتها لضعف مساندة محيطها و قد تهجرها الأدمغة التلمذية بحثا عن مدارس أفضل.
* ينتج عن هذا النموذج من التفقد المركزي كثيرا من التوتر المسلط على المدرسة وعلى مديرها. يأتي هذا التوتر من الشعور بالنقص و من الوعي بانعدام الإمكانات للخروج من المأزق في بعض المدارس المحرومة.
* قد يساهم هذا النموذج من التفقد المركزي بصفة سلبية في تحديد مستقبل المدارس الضعيفة مما قد يخلق فروقا كبيرة بين المدارس المتفوقة والأقل تفوّقا. وقد يخدم هذا النموذج المدارس المتفوقة على حساب المدارس الضعيفة حيث يجلب للأولى عددا وافرا من التلامذة المتفوقين فتصبح في وضعية مريحة جدا تمكّنها من اختيار الأفضل وتحصل على تلامذة متجانسين مما قد يحسّن نتائجها بصفة سريعة وملحوظة. وفي المقابل، تتفاقم مشاكل المدارس الضعيفة وتتراكم لأن هذا النموذج من التفقد المركزي يكشف لها عيوبها ولا يساعدها على تخطّيها.
 (4) نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدّعم عن قرب
* يُطبق في الشيلي بعد رحيل «بينوشيه» لأن الدولة الجديدة تبحث عن شرعية في الحكم من خلال اعتماد خطة  لإلغاء الفوارق الجهوية في التنمية. ويُطبق أيضا في بعض مقاطعات سويسرا وفي بعض البلدان النامية كـ «سيرلنكا» مثلا من قبل بعض المنظمات غير الحكومية.
* ينتقد هذا النموذجُ النموذجَ الأول والثاني: كل مدرسة تمثل حالة فريدة من نوعها وعلى نظام التفقد عن قرب أن لا يعامل كل المدارس بنفس الكيفية مثلما هو جاري به العمل في نموذجَي التفقد الكلاسيكي و التفقد المركزي.
* يعتمد هذا النموذج على المراقبة عن بعد والدعم والعلاج عن قرب. يترك المدارس المتفوقة نسبيا تتصرف بحرية واستقلالية وتسيير ذاتي. يهتم هذا النموذج خاصة بالمدارس الأكثر ضعفا التي تعاني من مشاكل و تحتاج إلى دعم.
* اختار نظام التفقد في الشيلي 900 مدرسة ضعيفة – حسب نتائجها - من بين 9000 مدرسة الموجودة في البلاد وقرّر مساعدتها ودعمها للنهوض برسالتها التربوية على أحسن وجه ممكن
* لم يَعُد يسمى القائم بمهمة التفقد متفقدا بل يسمى «مشرفا تقنيا بيداغوجيا».
* يتكفل كل مشرف بمدرستين أو ثلاث مدارس فقط. لا يقتصر دوره على المراقبة فقط مثل متفقد النموذج المركزي بل يقوم بالعمل مع إطارات المدرسة في ورشات على مدى ثلاث سنوات لتحسين النظام التربوي داخلها. مهمة المشرف ليست بسيطة بل معقدة وهي توفر حلولا أكثر من أن تخلق مشاكل. يقوم المشرف بدوره كممثل للإدارة المركزية وفي الوقت نفسه كمرافق للمدرسين يشرّكهم في تحمّل المسؤولية التربوية ويحثّهم على الاجتهاد لإيجاد حلول من صنعهم تكون ملائمة لهم ولمدرستهم. يتكون فريق العمل من المشرف والمدرسين والمدير وهذا الأخير يرأس الفريق وله الحق في تفقد المدرسين العاملين في مدرسته.
* يتكون سلك التفقد في الشيلي من نواة مركزية قليلة العدد، متركبة من خمسة أو ستة مشرفين تقنيين بيداغوجيين يحددون سياسة نظام التفقد وجهاز جهوي يتكفل بتكوين المشرفين التقنيين البيداغوجيين المحليين وجهاز قريب من المدارس أين يوجد العدد الأكبر من المشرفين التقنيين البيداغوجيين.
* قلّل النظام التربوي في الشيلي من عدد المدارس المحتاجة حتى يستطيع توفير مشرف تقني بيداغوجي عن قرب لكل مدرستين أو ثلاثة مدارس  ضعيفة.
* لا يهتم المشرف التقني البيداغوجي بالمسائل المالية الخاصة بالمدرسة حتى يتفرغ لمهمة الدعم و العلاج.
 ما هي نقاط القوة في نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب؟
* نظام تفقد هرمي حيث يوجد عدد قليل من المشرفين التقنيين البيداغوجيين في القمة والعدد الأكبر من المشرفين يتواجد في القاعدة قرب المدارس يعني في المكان المناسب الذي نحتاجهم فيه. بيروقراطية قليلة ورجال ميدان كثر.
* طاقم عمل قادر على تقديم خدمة مرنة للمدرسة والمجتمع، يركّز على المدارس الأكثر ضعفا من غيرها.
* تخلّص هذا النموذج من التفقد من عبء التفقد الإداري وركّز على الدعم والعلاج عن قرب للمدارس الضعيفة. 
ما هي نقاط الضعف في نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب؟
* لا يشمل هذا النموذج كل المدارس في البلاد.
* عند تطبيق هذا النموذج، تتحسن المدرسة ببطء شديد.
* يتطلب هذا النموذج قاعدة بيانات رقمية مفصلة جدّا قد لا تكون متوفرة في البلدان النامية.
* يتطلب تغييرا جذريا في ثقافة التفقد: لا نطلب من المتفقد تغيير مقاربته الذاتية فرديّا لأنه خاضع إلى جهاز تفقّد يعتمد على المقاربة القديمة التي تنظر بنفس العين إلى كل المدارس وكأنها متساوية وهي في الواقع متفاوتة حتى في بلدان النموذج الكلاسيكي والمركزي المتقدمة كفرنسا أو النامية (كتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان).
* من حسن حظ الشيلي أين يُطبق هذا النموذج أن عدد مدارسها الضعيفة قليل نسبيا لذلك قد يصعب تطبيق هذا النموذج في جل البلدان النامية حيث تحتاج 90 في المائة من مدارسها للدعم والعلاج عن قرب. لكن يبقى دائما من الأفضل أن نقدّم الدعم والعلاج عن قرب بصفة جدية لثلاث مدارس ضعيفة فقط عوض أن نقدمه بصفة سطحية لـ25 مدرسة ضعيفة.
* المدرسة التي تمتعت بمساعدة المشرف لمدة ثلاث سنوات فقط، قد تنتكس بعد مدة قصيرة و تعود من جديد لمجابهة مشاكل جديدة لذلك يفكر المشرفون على هذا النموذج في الشيلي في تمديد مدة الإشراف على المدرسة والدعم عن قرب إلى خمس سنوات عوض ثلاثة فقط.
* استعانت الوزارة في هذا البرنامج  بالمتفقدين القدامى الذين عملوا في فترة حكم «بينوشيه» بعد ما أقنعتهم بالمقاربة الجديدة وهي الدعم والعلاج عن قرب عوض التفقد الكلاسيكي المعمول به قبل 1990 أي في عهد «بينوشيه».
 (5)  النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي و المراقبة الإدارية
*  يُطبق في البلدان السكندينافية مثل فنلندا والنورفاج والدنمارك.
* في سنة 1991، قرر الفنلنديون إلغاء العمل نهائيا بنظام التفقد بنماذجه الثلاثة السابقة (أحيّيهم وأشدّ على أياديهم بصدق وإخلاص وسوف يأتي يوم - في تونس العزيزة المقهورة - نلتحق بركبهم رغم مقاومة المحافظين الجدد والمتكلسين فكريا وعلميا والمحنّطين من 
سياسيين وصانعي برامج ومتفقدين وأساتذة).
* يمتاز التعليم الفنلندي بمدرّسين أكفاء حيث لا يدرّس في الثانوي ولا في الابتدائي، إلا حامل شهادة جامعية تساوي الماجستير في الاختصاص. يتمتع المدرس في فنلندا بوضع مميّز بين الموظفين الآخرين و الدليل أنه في استفتاء لدى الشباب حول أفضل مهنة ترغب في ممارستها بعد التخرج، كان الجواب بأكثرية ساحقة: مهنة التدريس.
* يتجمع الأولياء ويكوّنون جمعيات مساندة لمدرستهم التي تشغل أولا أولاد منطقتهم وكلّهم يعتبرون المدرسة ملكهم الشخصي ويحافظون عليها كما يحافظون على منازلهم وممتلكاتهم الخاصة.
* يراقب المدرسون أنفسَهم بأنفسِهم وقد تتدخل لجنة المدرسة المتكونة من المدير و الأولياء والمدرسين بالمراقبة الإدارية وتوجه مثلا، لوما لأستاذ كثير التغيّب عن العمل.
* تتمتع فنلندا بشعب متجانس الثقافة والتراث والدين والعرق ولا توجد فيه أقليات ذات تأثير محسوس. لذلك لا يحتاجون إلى جهاز تفقد يكون من أبرز مهامه التوحيد بين الثقافات المختلفة في  الجهات و البلديات في جميع أرجاء الوطن فهي موحدة بطبيعة سكانها المتجانسين.
* تتمتع المدرسة الفنلندية باستقلالية في التسيير و الدعم والعلاج والمراقبة الإدارية والبيداغوجية (تطبق المدرسة  الاسكندينافية نظاما تربويا متكاملا ومستقلا لكن متجانس مع ما يقع في المدارس الوطنية الأخرى بطبيعته و بطبيعة شعب فنلندا المتجانس ثقافيا).
* توجد مراقبة مركزية عن بعد لكن قد تتدخل عند اللزوم في شؤون أية مدرسة في القطر.
 ما هي نقاط القوة في النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي والمراقبة الإدارية؟
* تحميل المسؤولية للأولياء والمدرسين في تسيير مدرستهم. يرتكز هذا التحسيس بالمسؤولية على فكرة أن التغيير لا يأتي إلا من الداخل (قرآن: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم». أطلب الإذن و أنشد العذر من المليار ونصف مسلم المحترمين وأنسج على منوال الآية لغويا وليس عقائديا ما يلي: «إن التفقد لا يغيّر ما بمدرسة حتى يغيّر مدرّسوها ما بأنفسهم).
* يمتاز هذا النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي بغياب البيروقراطية في أسوء تجلياتها. 
ما هي نقاط الضعف في النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي والمراقبة الإدارية ؟
* يتسبب هذا النموذج في مزيد من التوتر المسلط على المدارس دون الأخذ في الاعتبار بمشاكل المدارس الأقل تفوقا والأضعف نتائج. قد يتمتع بمزايا هذا النموذج المدارس المتفوقة فقط على حساب المدارس الأقل تفوقا رغم ندرة هذه الأخيرة في البلدان الإسكندنافية.
* لو استوردنا هذا النموذج في البلدان النامية فلن يُكتب له النجاح بقدرة الله نظرا لتدهور المستوى العلمي والبيداغوجي والتعلّمي للمدرسين وانعدام الوعي التربوي الداعم للمدرسة عند جلّ الأولياء المستعدين مجانيا للإحساس بالخوف والرهبة المحبطة من تعقيدات  النظام التربوي وسلطته الأدبية المهوّلة قصدا من الوزارة والمدير والمدرسين (أخص بالذكر تُجار العلم ومحتكري المعرفة، المدرسون «مقاولو» الدروس الخصوصية الذين لا يحترمون ضوابط الدروس الخصوصية و منها توفير مكان مناسب للتعلّم و ليس «قاراجا» ضيقا وغير صحي) والمتفقدين وواضعي البرامج الأحفورية والساهرين على السياسة التربوية التابعة للإملاءات الخارجية.
* لو أوكلنا للمدرسة جانبا كبيرا من التسيير الذاتي في بلدان ذات شعوب غير متجانسة ثقافيا، قد لا تصل نفس الرسالة الثقافية الوطنية الموحِّدة والمجمِعة لكل تلميذ مواطن ولهذا السبب بالذات نجح هذا النموذج أيّما نجاح في فنلندا دون غيرها من البلدان غير المتجانسة ثقافيا.
الخاتمة
* أستشرف سؤالا، قد تسألونه بعد المحاضرة في النقاش: هل نستطيع تمييز وتفضيل نموذج على نموذج آخر من بين الأربع نماذج المذكورة أعلاه؟
* الجواب: هي أمثلة متعددة لواقع متنوع في العالم وكل نموذج منهم يتعرّض إلى مصاعب وقد يتأقلم مع بلاد أكثر من بلاد أخرى.
* السؤال الآخر المهم: ما هي العوامل التي قد تؤثّر على نموذج من هذه النماذج الأربعة؟
* الجواب: 5 عوامل:
- النجاعة أو الكفاءة للإطار التربوي وإمكانات البلاد المعنية: نأخذ مثلا بلدان العالم الثالث، حتى ولو أرادت تبنّي برنامج طموح فلن تقدر على تطبيقه لقلة مواردها المادية والبشرية.
- المستوي العلمي و البيداغوجي و التعلّمي ومهنية المدرسين.
- نقص الاهتمام بالشأن التربوي وعدم إعطائه الأولوية عند الأولياء والرأي العام في البلاد
- التسيير الذاتي داخل المدرسة.
-  مستوى وطبيعة الفروقات الاجتماعية والثقافية في بعض البلدان حيث تسعى السلطة السياسية إلى تخطي هذه العوائق الحضارية والتاريخية.
-------