الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 38

 لم يكن صيف هذا العام عاديا ولم يعرف السّاسة في دول الربيع العربي الراحة والهدوء فقد كانوا يصبحون كل يوم في شأن ويمسون في شأن . وتغيّرت الأحداث وتقلّبت بوتيرة لم نعهدها من قبل وكأن الفرقاء السياسيين في عجلة من أمرهم. الكلّ يريد حسم الأمور لصالحه على حساب الطرف الآخر مهما كان الثمن متناسين الظرف الذي تعيشه دولهم والمنطقة بصفة عامّة يدفعهم في ذلك عماؤهم الإيديولوجي ومصالحهم الحزبية الضيّقة. 

ولا يخفى على الجميع الدور الخبيث الذي لعبته ومازالت تلعبه بعض القوى الخارجيّة التي لا ترجو خيرا للشعوب العربية ولا تقبل بنجاح مسار الانتقال الديمقراطي لما يمثله من خطر على مصالحها فتدفع نحو التناحر بين مكونات الساحة السياسية بشراء الذمم وضخ الأموال والنفخ في نار الفتنة الايديولوجية في بعض البلدان والطائفيّة في بلدان أخرى. وما دور الإمارات العربية والمملكة السعودية والكيان الصهيوني في مصر عنّا ببعيد، فقد عملت هذه القوى وغيرها على تأجيج الصراع بين المصريين منذ اعتلاء الإخوان كرسي الرئاسة وتهيئة الأرضية المناسبة للسيسي ليطيح بأول رئيس مصري انتخبه الشعب بحريّة وينطلق في تصفية طرف سياسي رئيسي في مصر بأسلوب وحشي لم يشهده التاريخ الحديث من قبل. ليعلن بذلك وفاة التجربة الديمقراطية ووأدها إلى الأبد وعودة الديكتاتورية من الباب الواسع الكبير.
وبالرغم من اختلاف المعطيات الجيوسياسية والتوازنات الإجتماعية بين مصر وتونس فقد سعت أطراف عدّة على رأسها اليسار الإستئصالي المجسد في «الجبهة الشعبية» ومن خلال تحالفها المشبوه مع «نداء تونس» وبعض مكونات الطيف السياسي المعارض لحكومة الترويكا وبقايا النظام السابق المتغلغل في مفاصل الدولة إلى تكرار السيناريو المصري وإدخال البلاد في المجهول مستفيدة من الأخطاء التي ارتكبها الحكام الجدد فكانت الدعوة إلى إسقاط الحكومة وحلّ المجلس التأسيسي وتنظيم اعتصام الرحيل بباردو تيمنا باعتصام التحرير بالقاهرة.
لم يعد خافيا على أحد أنّ مسار الانتقال الديمقراطي أصبح اليوم مهددا أكثر من ذي قبل بالرغم من التنازلات الأخيرة لحركة النهضة والتي أغضبت قواعدها لكنّها لم تشبع نهم المعارضة ولا الاطراف الراعية للحوار الوطني فهؤلاء لا يقبلون بغير انسحاب الترويكا من الحكم وتنفيذ اجندتهم المشبوهة في افتتكاك السلطة بطريقة غير ديمقراطية بعيدة عن إرادة الشعب التي لا يمكن تجسيدها إلا عبر الانتخابات الحرّة والنزيهة.
إن نخبة تتعالى على اختيارات الشعب وتصفه بالقصور وترى نفسها الناطق الرسمي الوحيد باسمه وتعتبر الديمقراطية ملكا خاصا بها وتردد ما قاله فرعون «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» لا يمكن وصفها إلاّ بالغباء السياسي.لأنها بهذه الممارسات وهذا التعنّت سوف تدفع البلاد إلى المجهول وستفتح الباب على مصراعيه أمام غول العنف والتناحر الداخلي مادامت تنادي ليلا نهارا بنسف واقصاء طرف رئيسي في المعادلة السياسية .
فهل يتحرك العاقلون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان أم أن تونس ستعيش في المستقبل القريب أوقاتا عصيبة وهزّاتا لا يعلم نتائجها إلا الله