تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
الشارة

 الشارة

تعود المرور بشارع الحبيب بورقيبة صباحا في اتجاه مقر عمله ومساء عند عودته منه. وفي يوم وبالقرب من وزارة الداخلية شدت نظره قطعة معدنية بين الأرجل التقطتها بحس ورثه عن والده الذي كان يجمع النقود القديمة وكان يساعده في تنظيفها وتلميعها وتسجيل تاريخ إصدارها والعهد التي تعود إليه.  ويذكر أن غالبية القطع التي تناولها تعود للدولة الحسينية. 
وضع القطعة أمامه يتفحصها فتبين له أنها من الشارات التي تعلق بقبعات أعوان الأمن  وتحمل شعار الجمهورية وقد طمست معالمه. وبالأدوات التي مازال يحتفظ بها شرع في تلميعها فبان له في أعلى الشعار الهلال والنجمة الدالان على العلم تلألآ حالما مسّح عليهما ثم انتقل أسفل يتحسس معالم السفينة الشراعية البونية فلم يستطع تحديد ملامح الأشرعة وبانت له مرتخية فأعاد توضيح معالمها حتى انتفخت الأشرعة استعدادا للانطلاق. ثم تفحص وسط الشعار الكلمات الثلاث «حرية» «نظام» و»عدالة» التي مسحت نقوشها حتى غاب معظم حروفها فأعاد نقشها بعناية حتى استرجعت ألقها، وكم كان يتمنى إضافة كلمة «كرامة» التي لم يتوفر لها بعد فضاء مناسب. أما أسفل الشعار فقد لحقت آثار الطمس الميزان الذي اختل التوازن المعهود لكفتيه، وكذلك الأسد البربري الحامل للسيف الذي بدا باهتا مترددا. .
استخدم كل ما لديه من أدوات حتى استعادت القطعة المعدنية شكل شعار الجمهورية ورمزية مكوناته واسترجع  بريقه وألقه. أخذه بين يديه كجندي يتقدم بمحمل أحمر قان يتوسطه وسام لتكريم أحد رجالات الأمن والجيش. وأسرع لشارع الحبيب بورقيبة يترقب وصول العون الذي فقد شعاره فلم يتأخر. وجده في حيرة وارتباك عاريا من الحياء لفقدانه لشعاره الرمز. وما أن أشار إليه بالشارة حتى امتثل جنديا استعدادا لمراسم تقليد الأوسمة وعلق من جديد على جبينه ما فقده فأشاع على محياه بهجة لاسترجاعه عنوان الفخر والاعتزاز فاندفع بعفوية في أداء التحية العسكرية بكل لياقة وخشوع.
لا يثبت من الكلام إلا ما صدق
الجرائم الوحشية التي أودت بحياة محمد البراهمي ثم الجنود الأبرار رحمهم الله جميعا رحمة الشهداء، بفظاعتها جمعت الفرقاء ووحدت كلمتهم وكان أثرها لوعة ممزوجة  بالفخر والكبرياء.
قلبت المعاجم أبحث عن مفردات تعبر عن عمق أحاسيسي التي فاضت فبلغ سيلها ما بين أيديكم محبّرا، فشحّت لغتنا التي تتباهى بثراء معانيها وعجزتُ عن تبليغ مدى فخري واعتزازي بشعبي وشدة ما جاش بصدري من حب وهيام للبلاد كما لا يحب البلاد أحد على لسان أولاد أحمد الذي أخذت عنه أن الحس الصادق ينبع سلسا سهلا وصافيا رقراقا، وأن لا يثبت من الكلام إلا ما صدق. فوجدتني أستنجد بالزعيم  فرحات حشاد وأستعير منه عبارته الخالدة «أحبك يا شعب» أقولها بصدق صاحبها ولا أزيد.