وجهة نظر

بقلم
يسري بوعوينة
أخطأ الجميع فضاعت الثورة

 أخطأ الجميع فضاعت الثورة أو هي على وشك الضيـــاع.. كيف لا والأخبار القادمة من أرض الكنانة لا تحمل بشائر خير..هل مازال ممكنا الحديث عن إنتقال ديمقراطي في مصر؟ لا أعتقد ذلك صراحة لأن الأوضاع تسير إلى التأزّم و الإنفجار والإحتقان يتزايد والشرخ بين أفراد الشعب المصري يزداد عمقا.

المسؤولية في ما حدث بمصــــر يتحمّلهـــــا الجميع وخاصــــة قادة حزب الحرية و العدالة و جماعة الإخوان المسلمين الذين أصابهم «الغرور الإنتخابي» فظنوا أن الشعب وقـّع لهم صكّا على بياض فأستأثروا وحدهم بالحكم رغم أن طبيعة المرحلة تقتضي التشارك والتوافق...كان يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تتنازل مثلا عن منصب رئاسة الوزراء إلى المعارضة أو أن تضمّ الحكومة أكبر عدد ممكن من الكفاءات الوطنية المشهود لها أو المتخصّصة في مجالها لا أن تكون حكومة منغلقة تقسّم الوزارات حسب الولاء...الخطأ الثاني كان الخطاب المتعالي لرئيس الجمهورية محمد مرسي الذي كان بإمكانه إنقاذ الشرعيّة حينما رأى تلك الملايين تخرج في الثلاثين من جوان هاتفة ضد حكمه والإعلان عن إنتخابات رئاسية مبكّرة وتشكيل حكومة وحدة وطنية...كان يمكن للرئيس مدّ جسور التواصل مع المعارضين بدل التمسّك بكلمة واحدة «الشرعية»..حتى لو كان الرئيس مرسي منتخبا بصورة ديمقراطية و نزيهة فإن خروج كل تلك الأفواج من البشر تنال من شرعيته وتجعلها موضع تساؤل والخيار الأسلم كان الإحتكام لصناديق الإنتخاب و تفويت الفرصة على أعداء الثورة المصرية في جرّ مصر إلى حالة من الفوضى و إعادة العسكر إلى الكرسي وإزاحة أول رئيس منتخب من طرف الشعب المصري..لم يخطأ الإخوان في حسابات الشارع فنزول الملايين إلى الشوارع بات أمرا عاديا في مصر (كل تجمّع له مطالب معيّنة يمكن أن تخلق له تجمّعا مقابلا يطالب بالعكس فتجهضه)  لكن الخطأ القاتل كان في تقييم تدخّل الجيش المصري حيث إستبعد سيناريو عودة العسكر للحكم عن طريق إزاحة الرئيس المنتخب..
المعارضة المصرية لها نصيب أيضا في ما حدث حيث أنها جنحت دائما للتصعيد وشيطنت الرئيس مرسي وحزبه وحاولت إلباسهم كل المصائب والكوارث حتى تلك التي تسبّب فيها النظام السابق...لقد بالغت المعارضة في النقد دون أن تقدّم بديلا مقنعا أو واضحا والدليل أنها قفزت على حركة تمرّد وعضّت عليها بالنواجذ لأنها تعلم جيدا أن رصيدها الإنتخابي مازال هزيلا كما أن إتهامها للرئيس مصري بالعجز عن تحقيق الرخاء والنمو مثير للضحك فأي رئيس في العالم يمكنه أن ينقل 80 مليون مصري من الفقر والخصاصة إلى الرخاء في ظل عام واحد من الحكم ؟ لا يمكن لأحد تحقيق ذلك وواهم من يعتقد أن أحدا من السّاسة الآن بيده الحل السّحري لمشاكل مصر الإقتصادية والمالية والبيئية. كذلك وهذا هو الأهم، لا يمكن أن توصف بالديمقراطية تلك المعارضة التي تستعين بالعسكر وتهلّل لتسلّم الجيش السلطة..لقد بلغ الحقد أشدّه ضد الرئيس مرسي وحزبه إلى درجة إعتبر التخلّص منه كأنه تحرير لمصر وإستقلال جديد ونصر مبين يفوق نصر 6 أكتوبر، رغم أن الأمور كان يجب أن تحسم عبر الصناديق وليس عبر الدبابات والبيانات العسكرية...إذا أخطأ الإخوان فسيحاسبون عن طريق التصويت وسيترك مرسي منصبه إلى رجل أقدر منه أما أن تجهض التجربة الديمقراطية في سبيل التخلّص من خصم سياسي فهذه كارثة وإعلان وفاة للثورة المصرية. لقد خرج الملايين ضد حكم الديكتاتور مبارك وحصلت مجازر عديدة من قبل قوات الشرطة المصرية ولكن الجيش بقي محايدا إلى أن إختار مبارك التنحي ولم يجرأ وزير الدفاع آنذاك على إعلان عزله إحتراما لرغبة الشعب ثم ماذا سيفعل الجيش الآن للملايين المتجمّعة في ميدان رابعة العدوية ورمسيس ونهضة مصر؟ هل سيعلن عودة مرسي إحتراما لرغبة الشعب أيضا ؟ لقد وضع الجيش المصري نفسه في مأزق حين أخذ مكان صناديق الإقتراع الممرّ الوحيد و الإجباري للسلطة و نصّب نفسه وصيا على الشعب المصري بل إنه إنحاز لشقّ دون آخر وإلا بماذا نفسّر حملة الإعتقالات و غلق وسائل إعلام موالية للإخوان إن لم يكن الهدف إخماد الأصوات المعارضة و تسويق ما حدث على أنه رغبة شعبية عليها إجماع وطني والحقيقة غير ذلك بطبيعة الحال..لقد كان بإمكـان الجيـــش المصري الضغط المتواصـــل على الرئيس مرسي و إجبـــاره على إعلان إنتخابات رئاسية مبكّرة وحمايــة التجربة الديمقراطية المصرية لا الإنقلاب عليها وإعادة عقـــارب الساعـــة إلى الوراء. شخصيّا لا أشعر صراحة بالإرتيــــاح لما حدث في مصر وأنا أرى الأموال الخليجية تتقاطر عليها بمجرّد إزاحة مرسي رغــم أن المسؤولين الإمارتيين هم أنفسهم من رفضوا إستقبال الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء المصري بعد الإطاحة بصديقهم حسني مبارك..لا أشعر بالإرتياح و ملك السعوديــــة يعبّر عن سعادته بتولي عدلي منصور الرئاسة و إكباره لدور الجيش المصري في إحترام إرادة الشعب و كأني بإبن سعود هذا يحكم بريطانيا العظمى ذات التقاليد الديمقراطيــــة العريقـــة وليس متسلّطا على رقاب أهــــل الحجاز حاكما بالسيـــف والمصحف والدراهم..منذ متـــى يعــــرف إبن سعود معنى كلمة شعب و حرية وهو الذي يجثم على صدور بني قومه بالسيف ؟ كيف يمكن أن نفرح بوصول البرادعي إلى منصب نائب رئيـــس في حين أنــــه فاشل مثل حزبه الذي لا يتمتّع بشعبية تذكر عدا عن ماضي البرادعي غير المشرّف في تخريب العراق وتدميره؟
لا تعني إدانة ما حدث في مصر بالضرورة تأييدا لمرســــي ولحركة الإخـــــوان بل هي إيمـــــان بأن الإنتقــــال الديمقراطـــي مسار محفوف بالعراقيل والمخاطر ويبقى التشبّث بصناديق الإنتخاب هو الضمان الوحيد لنجاح هذه الفترة الإنتقالية وهو ما يفترض بداهة توافق النخب وإلتزامها بالمشروع الديمقراطي وقواعد المنافسة السياسية النزيهة لكن ما رأيناه ونراه في مصر ليس ســــوى حلقــة من الإرتداد إلى الخلف وإنقلاب عسكـــري بقفازات مدنية وهذا ما قد يؤدي لا قدّر الله بمصر إلى الفوضى الشاملة والنزاعات الأهلية مثلما رأينا من إشتباكـــــات بين المؤيدين والمعارضين أو الفتنة التي تعمّ أرجاء البلاد ولعــــلّ وسائـــــل الإعلام تتحمــل جزءا كبيـــرا في ذلك من خلال الإنحياز لطرف بعينه وتشويه الحقائـــق والتحريــــض على الفتنة والإنقسام فقد شاهدت مثلا يوم 30 جوان أحد القنوات المصرية الخاصة تبثّ صورا للميادين التي سيطر عليها المعارضون وتحتها عبارة «الشعب المصري» وصورة أخرى لميدان رابعة العدوية مكتوب تحتها «مؤيدو النظام» وكأن مؤيدي النظام ليسوا من الشعب المصري وهي طريقــــة رخيصـــة ومبتذلة للتسويـــق لمظاهرات 30 جوان.
ليس هناك أحد معصوم في السياسة وقد أخطأ الإخوان كثيرا وكانت الطريقة الأسلم إزاحتهم عبر الإنتخابات وتحقيق الإنتصار النهائي على الإسلام السياسي ولكن العسكر فضلوا التعجيل  إستبعاد الرئيس مرسي وهي تقريبا النهاية المشابهة التي عرفتها حكومة حماس في قطاع غزة..لا أحد صراحة يدري ما الذي ستؤول إليه الأمور ولكن الأكيد جدا هو أن الإنسان الأكثر سعادة هذه الأيـــــام في مصر إسمه حسني مبارك.