قبل الوداع

بقلم
د.لطفي زكري
الدرس المصري في الديمقراطية العسكريّة

 الآكد أن ما حصل في مصر انقلاب عسكري على الشرعية لكنه ليس انقلابا تقليديا سمته المباغتة واستبدال الحكم المدني بحكم عسكري. فلا أحد ينكر أنه انقلاب لجأ إليه العسكر بعد انقضاء مهلة فشل فيها السياسيون في إيجاد حل للتجاذبات بين أنصار الشرعية الانتخابية وأنصار الشرعية الشعبية. ذلك أنه أيسر على العسكر أن يطيح بالرئيس وحكومته التي خسرت معركة الميدان من أن يطيح بمعارضة ربحت ذات المعركة. لكن المفارقة فيما حدث تكمن في أن من كان ينادي بالأمس القريب في ميدان التحرير «يسقط حكم العسكر، يسقط طنطاوي» نجده اليوم في ذات المكان يستنجد بالسيسي لترحيل مرسي. وفي المقابل من كان بالأمس القريب يغازل العسكر ويرفض الانخراط في المناداة بسقوط حكمه نجده في ميدان رابعة العدوية يجرم العسكر ويشدد على احترام الشرعية. فأي السيناريوهات سيطالعنا به المصريون بعد الانقلاب العسكري على الشرعية بإرادة شعبية؟؟؟؟

هل سينجح الإخوان في إعادة مرسي إلى السلطة كما أعيد من قبل تشافيز في فينزويلا بإرادة شعبية؟ هل سيستمر حكم العسكر بثوب مدني كما حصل في السودان بين الترابي وتلميذه الفريق عمر البشير؟ هل سيستأنف فعلا المسار الديمقراطي ويشارك فيه الإسلاميون بورقات سياسية جديدة كما حصل في تركيا على إثر انقلاب الجيش على نجم الدين أربكان وذلك بظهور نجم العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الذي انتشل تركيا من حافة الانهيار الاقتصادي؟ أم أن المصريين مختلفون ولهم تجاربهم التي عرفهم بها العالم؟ هل سيعاد الدرس الناصري وستنصب المحاكم والمشانق للإخوان؟ كأني لم أصدق أذني وأنا أستمع إلى مصطفى بكري وهو يتمنى رؤية مرسي وطاقمه وراء القضبان بأسرع وقت ممكن. 
مهما يكن مستقبل التجربة المصرية فإن ما حصل لا يمثل إنقاذا للديمقراطية كما يروج له البعض وإنما هو انتكاسة لها يتحمل مسؤوليتها الساسة (في الحكم والمعارضة) والعسكر. وهي انتكاسة تضيف نصرا في السجل الروسي وهزيمة في السجل الأمريكي. ذلك أن المعروف في السياسة الدولية هو المعارضة الروسية للثورات العربية والمباركة الأمريكية لها. غير أن هذا لا ينفي وجود بعض الشذوذ السياسي في مواقف التبّع من الأنظمة الموالية للاعبين الكبيرين ويبدو ذلك جليا في الموقف الإيراني الذي ينعت ما حصل في مصر انقلابا عسكريا ويحمل الإخوان المسؤولية عنه بفعل سياساتهم الفاشلة مقابل المباركة الإماراتية والقطرية والسعودية. 
علينا أن نقلع عن التعميم في الحكم على التجارب السياسية، ذلك أن نجاح تجربة ما ليس دليلا على حتمية نجاح تجارب مماثلة لها وفي المقابل ليس فشل تجربة ما دليلا على حتمية فشل كل التجارب الشبيهة بها. ليس المشكل في الاستفراد بالسلطة وليس الحل في التوافق حول ممارستها فقد تثبت لنا التجارب أن ما خلناه مشكلا كان حلا وأن ما حسبناه حلا انكشف لنا مشكلا.