من وحي الحدث

بقلم
اسماعيل بوسروال
الانقلاب العسكري في مصر2013 يذكّرني بالانقلاب العسكري في الجزائر 1992

 قامت ثورات «الرّبيع العربي» وسقطت الأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر وليبيا ...إنّها إرادة الشعوب التي لا تُقهر ...وإنها سنن الله في الكون ...وإنّها الفرصة التي لا تتكرّر خلال ألف سنة ...

جرت انتخابات نزيهة وشفافة في تونس ومصر أفرزت حكومة ائتلافية تضم حزبا إسلاميا في تونس وحكومة لحركة الإخوان المسلمين في مصر ...
قلت إنّها الفرصة لبناء أنظمة ديمقراطية تكون الحكومات فيها بمثابة «الخادم الأمين» لشعوب كادحة تبني نهضتها وتقدمها على شاكلة اليابان والصين وكوريا وماليزيا ... وهي دول كانت في الستينيات مثلها مثل تونس ومصر ...
بعد حوالي سنة من الانتخابات المصرية ...تفاقمت الاحتجاجات ضد الرئيس مرسي وضد الحكومة المصرية المنتخبة ...تزامن ذلك مع أحكام قضائية تبرّئ الرئيس السابق  حسني مبارك وابنيه ووزرائه وضباطه من تهم عديدة وتصدر أحكاما ضد رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ...مع تحالف يحمل اسم «جبهة الإنقاذ» يضم  مجوعة 6 أفريل والقوميين والليبراليين وعددا من «الفلول»...زارني أحد أصدقائي القدامى المنتمين تاريخيا وفكريا إلى حركة النهضة ...هو يقطن قريبا مني في مدينة سوسة ...كنّا نتبادل الآراء حول الأوضاع في مصر...وكان يؤكد على حتمية انتصار الانتقال الديمقراطي السلمي ...تذكرت رهاناتي الخاسرة مع صديقي اليساري حول الجزائر 1992...
لقد أكّد صديقي الإسلامي أنّ عقارب السّاعة لا تعود إلى الوراء  ... وأنّ الشعوب العربية أمسكت بزمام المبادرة  ولن تسمح بتزوير إرادتها ...
قال لي صديقي الإسلامي : «لقد تغيّرت الظروف وتذوّق النّاس طعم الديمقراطية  وشمّوا نسيم الحرية ...فلا يمكن بعد الربيع العربي أن نرى انقلابا عسكريا أو تزييفا لانتخابات أو منعا لأحزاب إسلامية كما فعل النظام المصري والنظام التونسي» ...
قلت له: « يا صديقي إن ما تستدل به صحيح نظريا ...لكن ما فَعلتْه الصّهيونية والصّليبية لمنع المسار الانتخابي في الجزائر1992 يمكن أن تكرّره في مصر  2013...لقد شاب رأسي في ملاحظة عجائب بلاد العرب ... أن الحرص الصهيوني الصليبي على أمن إسرائيل يدفع قوى الاستكبار إلى التضحية بأكثر من بلاد عربية وأكثر من حاكم وبأكثر من شعب»...
قال لي صديقي الإسلامي: «لقد أقال الرئيس مرسي وزراء حسني مبارك وكبار الضباط الموالين له ونظّف المخابرات  ونعتبره موفقا ناجحا في قراراته» .
قلت له : «لكن ...انظر الآن إلى المشهد ...تكوين «جبهة الإنقاذ» في مصر مسألة ليست سياسية ... التيار القومي الناصري مع التيار الليبرالي مع التيار الوطني مع النظام القديم» ...
قال لي صديقي الإسلامي : «التحرّك السلمي مشروع والعمل السياسي بلا قيد». 
قلت له : «يوجد في الولايات المتحدة 14 مراكز بحوث استرتيجية مهمتها إعداد الافتراضات الممكنة لسير الأحداث في المنطقة العربية ( وفي العالم ) إلى جانب مكاتب أخرى... ولا أتصوّر أنهم سيتركون الأحداث تسير بشكل عادي دون التّأثير فيها ...»
ثم أضفت : « لم أتصوّر أن يوقف الجيش الجزائري المسار الانتخابي في الجزائر ...جبهة الانقاذ تسيطر على البلديات بعد فوزها في الانتخابات البلدية وشعبيتها عالية جدا ...ولكن العسكر لم يتراجع عن الانقلاب رغم أن كل ذي عقل يتوقع سقوط آلاف الضحايا ... إنه الحقد الصليبي الصهيوني يوظف أعوانه وشركاءه في المنطقة العربية».
قال لي : «لقد أرْبكتني وأذْهلتني ...هل نستسلم لأمريكا وإسرائيل؟»
قلت له : «لا ...لا... لأمريكا وإسرائيل امتدادات في المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج ..»
قال لي صديقي الإسلامي : « كيف ذلك ؟ أتقصد اليسار الماركسي والاتحادات النقابية ؟»
قلت له: «الضباط والطيارون والمخابرات يتدربون لديهم ...يعرفون صفاتهم المهنية والأخلاقية...ويمكنهم التعامل معهم وفق شخصية كل فرد منهم. أما النخب المثقفة فالصّلة بهم عبر ما يسمىّ بالقيم الكونية» ...
قال لي صديقي الإسلامي : «نحن مع القيم الكونية المتمثلة في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان» . ...
قلت له : «إنهم لا يقصدون ما تفهم انت او انا ...حقوق الانسان هي كل شيء سوى أن تكون شخصا نزيها تعبد الله» ... 
قال لي : «كيف ذلك ؟»
قلت له : «إذا لم يروا منك تخلّيا عن الفضيلة وإذا لم يروا فيك نزوعا «للانفتاح» فلست « مع حقوق انسان»  ... الانفتاح يعني بالنسبة إليهم ...بعض قوارير جعة ...وبعض علاقات غير بريئة ...وهكذا...»
قال لي : « أيفرضون علينا أفكارهم ؟ ومفاهيهم ؟»
قلت له : « للأسف ...نعم من خلال الحاجة إليهم... للمال ...للقروض وللمساعدات»...
قال لي : «كيف عرفت ذلك ؟»
قلت له : « منصوص عليه ومكتوب في بروتوكول حكماء صهيون» .
قال لي : « كيف اطلعت عليه ؟ هو مسحوب من التداول في العالم».
قلت له : «أمدّني به طبيب فلسطيني في الثمانينيات ...درس في بغداد وجاء الى تونس في اطار التعاون الفني ...كان جارا لي ونشأت بيننا مودة كبيرة ....ما نراه اليوم هو تطبيق فعلي  لبروتوكول حكماء صهيون»...
انتهى بنا اللقاء الى عدم اتفاق على تصور المراحل القادمة ففي حين تمسك ضيفي بـ «الشعب يريد ....» أكدت له أنّ «الشعب يريد ولكن ...امريكا تريد ...واسرائيل تريد ...» مستبعدا في ذات الحين تفسير التاريخ وفق نظرية المؤامرة .
***
حدث انقلاب عسكري في مصر أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي وشنّ الجيش والأمن هجوما على القنوات الفضائية الدينية والإخوانية والمحايدة  وفي نفس الوقت تمّ اعتقال قادة جماعة الإخوان المسلمين وحزبي الحرية والعدالة والوسط  ...
كان صديقي الإسلامي متوترا حقّا ...وكنت أشاركه نفس الشعور ولكن الفارق بيننا أنه كان مطمئنّا تمام الاطمئنان إلى «الحتمية التاريخية» لانتصار المسار الانتقالي الديمقراطي وراهن على قوة المؤمنين بالانتخابات والتداول السلمي على السلطة ...
بدا لي المشهد المصري مقرفا تماما وأنا أتابع أخبار الانقلاب العسكري مع  صديقي الإسلامي...ونتابع بذهول فكري انحطاط مذيعي ومذيعات ومحللي ومحللات البرامج المؤيدة للانقلاب العسكري... في مصر وتونس وفرنسا والخليج ...
قال لي صديقي الإسلامي : «أيقفون إلى الجانب الخطإ؟» 
قلت له : «عندما يقول بعض المتدينين « ملة الكفر واحدة» قولهم غير ملائم لمجتمعاتنا ...ولكن في هذه الحال يمكن القول « خصوم الإسلاميين تحالفوا مع أعداء الإسلام» 
قال لي : «هل تعلّق على بعض المواقف ؟»
قلت له : «نعم أُقيمت الاحتفالات بالانقلاب العسكري في إسرائيل والخليج وعند جهات أوروبية وأمريكية» 
قال لي صديقي الإسلامي : «وفي تونس ؟»
قلت له : «أيّده نقابيون ويساريون والنظام القديم» .
قال لي : «ألا ترى أنهم يكرّرون مواقف قديمة ...كأنّهم يؤكدون ترحيبهم بضرب الانتقال الديمقراطي مادام سيؤدي إلى فوز التّيّار الإسلامي ؟»
قلت له : « نعم ...من أيّد الانقلاب العسكري في مصر فاقد للقيم ...حساب الربح والخسارة بدون أخلاق ...لقد عشت هذه التفاصيل عندما تابعت الانقلاب العسكري في الجزائر 1992 ...التاريخ يعيد نفسه».
قال لي صديقي : «هل هي نظرية المؤامرة لتفسير التاريخ ... ونظرية المؤامرة لتفسير الأحداث ...أم هناك إضافة ...أليس هروبا من الواقع أن ننسب أسباب المصائب إلى عوامل خارجية ؟»
قلت له : «توجد عوامل داخلية تساعد كثيرا على نجاح أي مؤامرة...فقد تحدث محمد حسنين هيكل منذ سنة عن خريطة سايكس بيكو جديدة لمزيد تفتيت المنطقة العربية ( تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ) ...
أوضاعنا الداخلية هشّة جاهزة للتدخل الأجنبي ....النخب السياسية غير واعية بما تقول وما تفعل ...الجميع يهاجم الجميع ... سلوك الحكومات بعد الثورة فيه أخطاء كثيرة ...أمّا سلوك المعارضة فبعيد على أن يكون مدركا للواقع ...ليس أدل على ذلك من «اجتهادها لتأييد الانقلاب تهنئة العسكر بإلغاء نتيجة صندوق الاقتراع  ... إنّها عقلية انقلابية تتناقض مع الدّيمقراطية  والمدنية والخ والخ ...»
قال لي صديقي الإسلامي : «أرجوك أن تواصل توضيح عوامل الدّاخل». 
قلت له : «تمنيت لو أن من فازوا بالانتخابات في مصر وتونس ...عملوا على «الاشراك الفعلي» للأطراف الأخرى لتسيير المرحلة».
قال لي صديقي الإسلامي : «لقد حدث هذا في تونس». 
قلت له : « نعم ولكن أنا ضد أمريْن إثنين وهما طول المرحلة الانتقالية وعدم إرساء مؤسّسات تضمن بقاء الدولة والتداول السلمي على السلطة ( محكمة عليا كأداة مدنية  يتم الاحتكام إليها بدل اللجوء إلى  الجيش – مجلس حكماء لرؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان وأهم المنظمات الوطنية مع أداء حكومي وإداري نزيه وشفّاف وعادل).»
قال لي صديقي الاسلامي : «كيف تفسّر إنصات العسكر لمطالب المحتجين ضد الرئيس مرسي في ميدان التحرير  وعدم إنصاتهم لحشود المناصرين في ميدان ؟»
قلت له : «ثمة أمران ، الأول خطأ الإخوان وهو حسب اعتقادي بسيط وعادي والثّاني نظرية المؤامرة وهو بيت القصيد .أمّا خطأ الإخوان فهو نقص الإدراك بأنّ مصر قلب الصّراع الحضاري في المنطقة وأنّ حجم المؤامرة ضدّها يمكن أن يكون بحجم «تدمير البلد» وعليهم إيجاد صيغ منع ذلك ...وأمّا المؤامرة فهي القوى المتحالفة ضد « إنشاء أنظمة ديمقراطية في المنطقة العربية» لأنه سيكون سرّ نهضة وتقدّم الشعوب عندما يكون مصيرها بيدها فتكون مثل اليابان وكوريا والصين وماليزيا في فترة زمنية قصيرة وخلال عقدين ...إنّ ما يضرّ بمصالح إسرائيل ومصالح الغرب يجعلهم يلجؤون إلى أساليب تشبيه الخيال العلمي ...فما الذي يجمع في ميدان التحرير بين فلول وقوميين وإسلاميين وليبراليين...ثمّ انحياز الجيش إليهم  ...و...و... إنّه خطة ضخّ أموال لأجنحة الصرّاع وتقديم وعود لتمويل مصر بشرط «التمرّد على نتائج الانتخابات وإقصاء الإسلاميين» مهما كانت الخسائر ومهما كان عدد الضحايا... 
لقد تابعت وعشت أحداث الانقلاب العسكري في الجزائر 1992 ...وتابعت وعشت أحداث الانقلاب العسكري في مصر  2013 وتابعت وعشت احتفال نقابيين ويساريين وديمقراطيين بالانقلابات العسكرية التي تلغي نتائج انتخابات ...انقلابات عسكرية تزيح  الفائز مستخدمة «قوّة السّلاح» وتُسلّم الحكم بقوّة السّلاح  إلى من خسر الانتخابات ...إنّها مفارقة ...وستكون لها تبعات مزلزلة وعميقة تُلغي قواعد العيش المشترك لأنّ القناع سقط عن الوجوه الغادرة  وانكشفت «حجم الزّيف» الذي كان « بحجم المؤامرة .»