الكلمة الحرّة

بقلم
هادي القلسي
الاستثناء التونسي

 اعتقد واجزم قطعا أنه لا خوف على تونس من تكرار ما حصل في مصر الشقيقة لأسباب عديدة وكثيرة واسمحوا لي بسرد البعض منها.

أوّل هذه  الأسباب، طبيعة المجلس الوطني التأسيسي وما يحصل داخله  من أحداث وحالات من الفوضى والتهريج لا تعكس وضعية الشعب التونسي خارجه. هذه التعبيرات التي نشاهدها داخل المجلس  عبر شاشة التلفاز إنما هي إعلان من طرف عدد كبير من النوّاب بأنهم موجودون حتّى وإن لزم الأمر تبادل الإتهامات أو التشويش على مداخلات الغير وهي تعبيرات تدلّ على تمسّك  هؤلاء بالمنصب وهذا ما يجعلهم يقفون صفّا واحدا ضدّ أي حركة تمرّد تستهدف المجلس وبالتالي «الشرعية». 
السبب الثاني هو ما لاحظته أخيرا من تعيير وتجديد للخطاب بلغة «النضج التونسي» وهو تجديد في اللغة السياسية التونسية. فبعد التناحر والفوضى والسبّ والشتم، يخرج علينا الجميع بشعار «إمكانية التوافق» ويدعون إلى ضرورة ترك الباب مفتوحا للحوار مع الطرف الآخر ويصبح الاستماع للرأي المخالف واجب . قد يكون هذا نفاقا سياسيا لكنّه يؤدّي في كلّ مرّة إلى تغيير التعليلات والقراءات وتنطفئ شعلة العنف والفوضى وتخرج البلاد سالمة بعد كل مرحلة عسيرة. 
السبب الثالث هو يقين الجميع أن لا مستقبل للحكام المستبدين. لاعبوديّة بعد اليوم إلاّ لربّ العالمين. لا معبود سواه ولا فرق بين حاكم ومحكوم إلاّ بما يقدّم من صالح الأعمال. فالشّعب التونسي شعب مسالم وديع، لكنّه اضطر للوقوف ضدّ الظلم و ضدّ تفعيل الاستبداد لما قاسى من ويلات الماضي القريب والبعيد. والثورة أفرزت اعتلاء حكم ثلاثي الأضلاع، لم يحتكر لوحده القرار وعبّر في أكثر من مناسبة عن احترامه لحريّة المواطنين في ملبسهم وعقيدتهم وأفكارهم ورفع شعار الدفاع عن الحريات العامّة وتنازل كلّما دعت الحاجة إلى ذلك تحت ضغط معارضة شرسة وإن كانت هي أيضا تفتقد للكثير من الحنكة وحسن التصرف وحسن التعامل مع الأحداث بالإضافة إلى الحراك الذي تقوده مؤسسات المجتمع المدني والتي هي أيضا في بداية الطريق...إذا كل التونسيين فرضوا إرادتهم المتمثلة في الحرية والعدالة والكرامة وتنقصنا جميعا خبرة حسن اختيار القرار المناسب في الزمان والمكان والظرف المناسب ..
إن النظام في تونس لا يرتكز على حزب واحد أو حاكم واحد، بل متشابك الأضلاع وعلى هذا الأساس لا يمكن تنفيذ ما حدث بمصر  لأنه من غير الممكن أن يتواجد في تونس مشروع أغلبية بإمكانها قلب الأوضاع أو حركة تمرّد قد تجرف تونس السلام إلى الإرهاب. فهي لن تفلح في تحقيق أهدافها والمتمثلة في تنحية المجلس الوطني التأسيسي. واعتمادا على نوعية التونسي الوديع المتسامح،  فإن أعراضا منعزلة وقليلة قد يقوم بها من أراد لتونس شرّا، لكنه من الصعب عليه بل من المستحيل أن يؤسس ويخطط أو يفرض على عموم التونسيين شبيه ما حصل بمصر.
مرحلة صعبة وعسيرة، هذا صحيح،  لكننا نراهن على وعي التونسي الذي يجعله خارج كل مخطط يهدف إلى خراب البلاد. فالتونسي بطبيعته قادر على تفهّم الوضع والتأقلم معه . وأكيد أن الوصول إلى الحرية المسؤولة والعدالة والكرامة آت وقادم لا محالة، والقادم أفضل. ولن يسمح هذا الشعب الفاضل بعودة الاستبداد والظلم مهما كان مصدره ومأتاه ونوعه ولونه وأصله وفصله.