زاوية نظر

بقلم
جيلاني العبدلّي
إما دمقرطة أو صوملة

 

في الوقت الذي يتجه عموم التونسيين إلى مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بكثير من أحلامهم في تحقيق الاستقرار والتنمية والعدل ومعالجة مشكلاتهم في الفقر والبطالة والجريمة والهجرة السرية وفي العمل على وقف نزيف الاحتجاجات والإضرابات أمام بطء مسار الإصلاح الحكومي الشامل تتّجه كثير من المجموعات السلفية إلى ممارسة العنف المادي والمعنوي ضد الأشخاص والمؤسسات مستغلة حالة الفراغ الأمني التي تمر بها تونس في هذه المرحلة الانتقالية.

 وقد تواترت الوقائع في هذا الاتجاه وتنوعت من حيث خطورتها وتوسّعها وهي آخذة في التنامي الأمر الذي أصبح يثير كثيرا من القلق على مستقبل الوطن.

ومن أبرز المؤشرات المعبرة عن نسق العنف السلفي والمنذرة بعواقبه الوخيمة على راهن التونسيين وآتيهم:

  - إنزال عناصر سلفية للعلم التونسي المثبت على سطح المبنى الإداري لكلية الآداب بولاية منوبة واستبداله براية سوداء تحمل عبارة: "لا إله إلا الله، محمدا رسول الله" يسميها السلفيون "علم الخلافة".

طرد مجموعة سلفية للمفكر والفيلسوف التونسي يوسف الصديق من رحاب جامع الزيتونة ومنعه من المشاركة في لقاء فكري ديني نظمته جامعة الزيتونة وكان من أبرز المشاركين فيه الشيخان راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو.

سيطرة قوات من الأمن والجيش الوطنيين إثر مواجهات دامية على مجموعة سلفية مسلحة في منطقة بئر علي بن خليفة من ولاية صفاقس بالجنوب التونسي.

رصد عناصر تونسية تتدرب على استعمال السلاح ضمن مجموعات ليبية مسلحة على الحدود الليبية المحاذية لولاية تطاوين في الجنوب التونسي.

ورود معلومات عن جهات رسمية تفيد بمشاركة عناصر سلفية تونسية ضمن 150 عنصرا سلفيا مسلحا من جنسيات إفريقية مختلفة في السيطرة على القاعدة الجوية السابقة بمنطقة "الوطية" بالقطر الليبي قرب الحدود التونسية ورفع الراية السوداء على مقر هذه القاعدة.

اعتداء مجموعات سلفية تونسية على فنانين وإعلاميين ومثقفين وتعطيلها لسير مؤسسات وأنشطة ثقافية خاصة وعامة وآخر هذه الاعتداءات ما تعرض له مقر قناة الحوار التونسية بولاية منوبة بالضاحية الشمالية الغربية لتونس العاصمة من تخريب لمكاتبها وإتلاف لمعداتها المقدرة بمائة ألف يورو.

 -اعتراض مجموعة من السلفيين بولاية الكاف الواقعة بالشمال الغربي للعاصمة تونس أستاذ التربية المسرحية رجب المقري والاعتداء عليه بالعنف الشديد إثر خروجه من المعهد الذي يشتغل به مما أدى إلى فقدانه لأربعة من أسنانه وتضرر جسمه وعينه اليمنى.

-غلق مجموعات سلفية لكثير من الحانات ومحلات بيع الخمور وحرقها لمراكز أمن وتخريبها لمؤسسات عامة وخاصة والتسلح بالهراوات والأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة في ملاحقة المخمورين ومواجهة الاحتجاجات ضدهم.

-إقدام مجموعة من الأشخاص المنتمين للتيار السلفي الجهادي في ولاية جندوبة بالشمال الغربي على حرق نزل "السيميتو" بالكامل وإضرامهم النار في الركن المخصص لبيع المشروبات الكحولية من المغازة العامة.

 -رفع مجموعات من التيار السلفي في ولاية سيدي بوزيد لبعض الشعارات السلفية في خضم تجمهراتهم الميدانية في إطار التضييق على بيع واستهلاك المشروبات الكحولية والضغط من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية.

 ومن أبرز هذه الشعارات المرفوعة والتي مثلت صدمة للرأي العام التونسي: "أوباما،أوباما..كلنا أسامة" في إشارة صريحة إلى ما تنطوي عليه نفوس هذه المجموعات السلفية من روح انتقام من الأمريكيين ثأرا لمقتل زعيم القاعدة الشيخ أسامة بن لادن.

هذه الوقائع الخطيرة ليست إلا أمثلة من أحداث متعددة ومتفرقة عاشها كثير من التونسيين في مختلف الجهات التونسية وهي مؤشرات دالة بما فيه الكفاية على مدى ما أصبح يمثله التيار السلفي من خطر تقويض حلم التونسيين في تجسيم الديمقراطية وتثبيت قواعد العيش المشترك وما أضحى يعبر عنه من خطر الانزلاق إلى العنف المنظم وجر التونسيين إلى الاحتكام لمنطق السلاح بدلا عن منطق العقل الذي تربوا عليه وطالما احتكموا إليه.

ومن هنا يمكن القول أن شبح الصوملة أصبح ماثلا في أذهان كثير من التونسيين نتيجة ما شهدوه من عنف سلفي أهوج يزداد مع الأيام تأطيرا وتوسيعا وهو ما يضع كافة القوى السياسية والمدنية في السلطة كما في المعارضة أمام مسؤولياتها التاريخية في العمل على إنجاح مسار ”الدمقرطة“ وحمايته من خطر ”الصوملة“ الذي إذا حلّ لا قدّر الله اكتوى بناره جميع التونسيين في اليمين كما في اليسار وفي السلطة كما في المعارضة.

وللحيلولة دون الانزلاق إلى مستنقع العنف والعنف المضاد وصوملة الوضع التونسي لا بد في نظري من الأخذ بجملة من الأسباب المستعجلة لعل أهمها:

-عمل الحكومة على تأمين مناخ الحرية الفردية والجماعية وضمان الحرية الكاملة للإعلام وضمان استقلال القضاء والتشجيع على الحوار السلمي وتأطيره ومحاصرة كل أشكال العنف مهما كانت دوافعه ومبرراته والصرامة في تطبيق القانون ووضع حد للاعتداءات والتجاوزات التي تأتيهـــــا المجموعات السلفيــــة سواء ضــــد الأفراد أو المؤسسات تحت لافتة الشريعة الاسلامية

-ضرورة التزام الحكومة بسياسة التشاور مع كافة مكونات المجتمع المدني والسياسي والانفتاح على كل أطراف المعارضة لإشراكها في صنع القرار وتحمل المسؤولية بعيدا عن منطق المحاصصة ويبقى تشكيل حكومة وطنية تؤمّن مسار الانتقال الديمقراطي مطلبا معقولا تقتضيه طبيعة المرحلة الراهنة.

-وجوب تعجيل المجلس الوطني التأسيسي بكتابة الدستور والمرور إلى تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لتسريع الخروج من الوضع المؤقت إلى وضع أكثر ”دمقرطة“ واستقرارا وديناميكية.

-إقلاع المعارضة عن محاولات إرباك الحكومة لإجهاض مسارها في تحقيق الإصلاحات الشاملة والالتزام بقواعد النقد النزيه لأدائها والتنافس الشريف على خدمة الوطن وتحقيق ازدهاره والاجتهاد في تقديم المقترحات العملية والحلول البديلة المساعدة على تحقيق النجاح المنشود.

-وضع خطة عسكرية أمنية محكمة لمراقبة الحدود التونسية الليبية الجزائرية واتخاذ كثير من إجراءات اليقظة للحيلولة دون تهريب السلاح إلى الداخل التونسي ودون تحويل البلد إلى قاعدة خلفية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب.

هذه الخطوات تبدو في نظري ضرورية لمحاصرة أسباب العنف السلفي المستشري في المجتمع ولحسن تأطير الظاهرة السلفية الآخذة في التنامي بين التونسيين خصوصا في الأحياء الشعبية وبين الفئات الفقيرة وذلك من أجل تأمين ”الدمقرطة“ واستبعاد ”الصوملة“   .