في المال والأعمال

بقلم
نجم الدّين غربال
الشركات القابضة «Les Holdings»

 المقدمـة: 

الظروف التي أدت إلى ظهور الشركة القابضة
يرجع أصل الشركة القابضة كشكل من الأشكال الجديدة التي طرأت على التعاملات التجارية إلى نهاية القرن الـ 19 في أمريكا ، ثم عرفت في أوروبا بعد الحــــرب العالمية الأولـــى. وانتشرت الشركات القابضة كوسيلـــة لتجميع المشاريع العائـــدة للشركـــات التابعة لها في إطار الشركة القابضـــة التي تسيطر عليها، وهذه الشركة يمكن أن تحقق رقابة مستمرة على شركات المجموعة التي تتبع لها. وقد أقرتها عديد من التشريعات (الأردني، الكويتي، المصري، الفرنسي، الإنجليزي والأمريكي والتونسي وغيرها).
وقد شهد مطلع النصف الثاني من القرن العشرين بداية مرحلة جديدة في تطور الاقتصاد، حيث تميــزت هـــذه المرحلـة بظهـــور ما يسمى دوليّة الإنتاج، فالعوامل المؤثرة في العملية الإنتاجية لم تعد محصورة داخل الدولة الواحدة، وإنما أصبح لها امتدادات خارج حدود الدولة.
واتسع مفهوم الاقتصاد ليأخذ بعدا عالميا، فحل مفهوم الاقتصاد العالمي محل مفهوم الاقتصاد القومــــي، بعد أن ساد مبدأ حرية التجارة والصناعـــة، بالرغم من وجـــــود بعض الاستثناءات التي لا تجعل التجارة والصناعة امتيازاً أو احتكاراً للدولة فقط، بل جعلت الدول تتسابــق في تقديم الضمانـــــات للشركات والمؤسسات التي تستثمر في بلادهــا بصياغة عقود بين الأطراف المعنيـــة لأجل تطوير اقتصادها .
وفي ظل هذه الظروف ظهر ما يسمى بنظام مجموعة الشركات، حيث اصبح للشخصية المعنوية حق تملك الأسهم والحصص، (كالأفراد في الشركات الأخرى) وإدارتها تبعاً لذلك، فكان لذلك أثر كبير في إنشاء الشركات العملاقة، التي تتكون من شركـــة يطلق عليها الشركة الأم تساهم في شركـــات أخرى يطلق عليها الشركات الوليـدة أو التابعــــة، حيث تمتلك الشركــــة الأم نسبـــة من رأس مـــال الشركـــة أو الشركات الوليــــــدة بمـــا يحقق لهــــا السيطـــرة على هذه الشركة أو الشركــــات، رغـــم استقلال كل شركــــة منها قانونـــــــاً عن الشركـــة الأم، بما يسمح بتكون وحدة اقتصادية للمجموعة، فإذا كانت الشركة الأم عضواً مهيمناً في مجلس إدارة الشركة التابعة أو مالكاً لأغلبية رأسمالها فقد أصبحت لها السيطرة التامة على الشركة الوليدة، بحيث تستطيع الشركة الأم توجيه الشركة التابعة بما يخدم مصالحها، وبالمقابل أصبحت الشركة الأم تتحمل المسؤولية عن ديون الشركة أو الشركات التابعة، وتتحمل النتائج المترتبة على إفلاسها.
إن هذه الظاهرة برزت على المستويين القطري والدولي فعلى المستوى القطري يطلق عليها الشركة القابضة، وعلى المستوى الدولي أطلق عليها عدة تسميات، منها الشركة متعددة الجنسيات، أو متعددة القوميات، أو الشركات العابرة للحدود القومية.
I. ما الشركة القابضة
مسك/HOLDING de l’anglais – to hold / tenir
«الشركة القابضة هي شركة مالية تمسك مساهمات في شركات أخرى تؤمن وحدة الإدارة ومراقبة النشاطات»
يعرف القانون التونسي عدد 2001-117 بتاريخ 6 ديسمبر 2001 المكمل لمجلة المؤسسات التجارية في فصله 462 الشركات القابضة كما يلي:
« تعتبر الشركة الأم شركة قابضة حين لا تمارس أي نشاط صناعي أو تجاري ويقتصر نشاطها على مسك المساهمات في بقية الشركات و التصرف فيها.
كل شركة قابضة مطالبة باتخاذ شكل الشركة الخفية الاسم وبالتنصيص على صفتها كشركة قابضة في كل وثائقها.
تعرف الشركة الأم حسب الفصل 461 من نفس القانون على أنها شركة ضمن مجموعة من الشركات لكل واحدة منها شخصيتها القانونية ولكن مرتبطة جميعا بمصالح مشتركة وتمسك الشركة الأم بقية الشركات تحت سلطتها القانونية حيث تمارس المراقبة عليها مؤمنة بذلك وحدة القرار.
يكون للشركة الأم مهمة المراقبة حين تملك بشكل مباشر أو غير مباشر 40 بالمائة على الأقل من حق التصويت في شركة أخرى وأن لا يكون لشريك آخر نسبة أكبر.
تعرف الشركة الخفية الاسم على أنها شركة تجارية وهي نوع من أنواع شركات رأس المال يكون رأس مالها في شكل أسهم تفاوضية.
II. لماذا بعث شركات قابضة؟ 
1) توفير ضمانة اكبر لنجاح المؤسسات
تضمن الشركة القابضة قدرا كبيرا من النجاح المالي للمؤسسات وذلك عبر:
* ضمان تمويل جزء كبير من نشاطها أو كله وفق مراحل مضبوطة وحسن إدارتها ماليا (Théorie Financement par étapes) 
* ضمان السيطرة عليها عبر أخذ القرار وبمراقبة خارجية لها بالإضافة إلى المراقبة الذاتية من داخلها (Double contrôle).
* ضمـــــان تنـــوع نشـاط المؤسسات الممولة (Diversification du Portefeuille d’actif) وما يوفره من فرص متنوعة للعمــــل وتوفير لحاجات السوق.
* ضمان شفافية المعاملات مما تعزز الثقة بين مختلف المساهمين و يزيد من عددهم.
2) تنويع أدوات تمويل المشاريع
يعتبر بعث شركات قابضة تنويعا لأدوات تمويل المشاريع وذلك: 
* لتجاوز معيقات التمويل الحالي سواء عن طريق البنك أو عن طريق البورصة الذي يعاني من نقص في السيولة على سبيل المثال.
* لتخفيف ثقل التمويل على القطاع البنكي الذي وصلت مساهمته في تمويل النشاط الاقتصادي 95 بالمائة (80 بالمائة في شكل قروض) دون ضمان تحقيق المردودية المنتظرة (Effet de Levier Financier).
3) مساهمة في زيادة عدد المستفيدين  من الثروة 
إن توفير جزء هام أو كله من التمويل لمؤسسة أو أكثر وحسن إدارته ومراقبة التصرف فيه عبر مختصين و خبراء من الشركة القابضة لا يمكن إلا:
* أن يستوعب كفاءات وقدرات لم تتوفر لديها الموارد المالية اللازمة لإنشاء المشاريع.
* أن  يؤدي إلى نجاح نشاط المؤسسات الممولة وذلك عبر مضاعفة إنتاجها  سلعا وخدمات الأمر الذي  يزيد من الثروة لجميع المتدخلين..
* أن يقوي القدرات التمويلية والإدارية للشركة القابضة ذاتها بزيادة حصتها في المرابيح (création de valeur) ويزيد من  قدرتها على المراقبة مما يؤدي إلى زيادة قدرتها على إنشاء شركات عملاقة وكذلك تلك العابرة للقارات فتزداد حصتنا في السوق العالمية و يزداد بذلك رصيدنا من العملة الصعبة كما تتحسن نسبة تغطية الصادرات للواردات و نخفف بالتالي عجز ميزاننا التجاري. 
4) جذب موارد مالية إضافية للدورة الاقتصادية 
يتم ذلك عبر :
استقطاب ممولين ممن بقوا خارج المنظومة المالية السائدة أو ممن يريدون تنويع استثماراتهم مما يزيد في حجم المال المتداول في الـــدورة الاقتصاديــــة ومـــا يعنيـــه ذلك مــــن فرص تنميـة الثـــروة (Création de la richesse) للمستثمرين خاصة والاقتصاد عامة وذلك عبر تحويل المبالغ المالية إلى سلع وخدمات وفرص عمل مما يحد من الهوة الحاصلة بين حجم المعاملات المالية وحجم المبادلات التجارية (سلعا وخدمات) والتي تمثل اليوم إحدى معيقات النمو(Dichotomie entre la sphère monétaire et la sphère réelle).
5) إيجاد فرص لتقليل هجرة رأس المال
في نهاية 1964 لما طبق برنامج التقليص الإرادي لتحويل رؤوس الأموال للخارج في «لوكسمبورغ»، أصبحت الشركات الأمريكية المستفيدة الأساسية من ذلك البرنامج عبر استقطاب رؤوس الأموال تلك عن طريق شركات قابضة والتي خلقت أساسا لهذا الغرض. وبعد ذلك توجهت مؤسسات أوروبية لمثل هذا النوع من التمويل. والجدير بالملاحظة أن حجم هاته المؤسسات هي من النوع الكبير وأن الاكتتاب فيها لا يقل عن 10 مليون دولار.
ويندرج هذا النوع من التمويل ضمن التمويل المتوسط وخاصة الطويل المدى.
6) تنمية أداء الإدارة المالية للمشاريع
من أهم أدوار الإدارة المالية، التقليص من المصاريف المالية وكذلك الزيادة في مردودية رؤوس الأموال الخاصة بالاعتماد على الاقتراض كتقنية تعرف « L’Effet de  Levier».
وفي إطار إدارتها المالية تلك، تقوم الشركة القابضة بدراسة سياسة المنابات «politique de dividendes »  وعلى ضوء تلك الدراسة تحدد مستوى خلاص المساهمين على أن لا يمس ذلك حاجات المؤسسة المالية على المدى البعيد.
III. الشركة القابضة من منظور فقهي
 استقر لدى فقهاء الشريعة مفهوم هذه الشركة، حيث صدر قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة في قراره رقم 130(4/ 14) بتاريخ 13-8 ذو القعدة 1423هـ الموافق 16-11  جانفي 2003 بشأن الشركات الحديثة والشركات القابضة وغيرها وأحكامها الشرعية. حيث كان تعريف المجلس للشركة القابضة بأنها:
«الشركة التي تملك أسهماً أو حصصاً في رأسمال شركة أو شركات أخرى مستقلة عنها بنسبة تمكنها قانونياً من السيطرة على إدارتها ورسم خططها العامة».
يذهب بعض الفقه إلى تعريف الشركة القابضة بأنها شركة تهدف إلى ممارسة السيطرة على شركات أخرى وذلك بتملك جزء من رؤوس أموالها دون أن تباشر أي نشاط صناعي أو تجاري أو مالي بشكل مباشر. ويرى جانب آخر من الفقه بأن الشركة القابضة هي شركة تملك أسهماً في عدة شركات أخرى تسمى «الشركات التابعة»، بالقدر الكافي الذي يمكنها من السيطرة على إدارة هذه الشركات. وتعتبر هذه الشركات التابعة أعضاء في مجموعة واحدة تسيطر عليها الشركة القابضة، بحيث تبدو وكأنها مجرد فروع تابعة لشركة واحدة هي الشركة القابضة.
يتضح مما سبق أنه يشترط في الشركة القابضة السيطرة على شركة أو مجموعة من الشركات بالمشاركة في رؤوس أموال تلك الشركات بنسبة معينة تحقق السيطرة المطلوبة، بل إن البعض يحدد النسبة اللازمة لها في ملكية رأسمال الشركة التابعة بـ (51 في المائة)، بمعنى أن الشركة تعتبر قابضة إذا تملكت نسبة لا تقل عن 51 في المائة في رأسمال شركة أو شركات أخرى، وبما أن هذا المفهوم الضيق للشركة القابضة قد لا يستقيم مع الواقع العملي في الكثير من الحالات لأن السيطرة على الشركة وإن كانت تنشأ أساساً من خلال تملك نسبة كبيرة من رأسمالها، إلا أن ذلك ليس ضرورياً في جميع الأحوال، فقد تسيطر شركة على أخرى رغم تملك نسبة قليلة في رأسمالها وذلك إذا تم توزيع أغلبية أسهم الشركة بين عدد كبير من صغار المساهمين الذين لا يحرصون على حضور اجتماعات الجمعية العمومية والمشاركة في إدارتها، فتكون السيطرة من الناحية الفعلية للشركة القابضة التي تملك جزءاً يسيراً من رأس المال. وقد تلجأ شركة ما إلى الاتفاق مع شركة أخرى على منحها بعض الامتيازات والسلطات الإدارية ليكون هذا الاتفاق سبيلاً للسيطرة على شركة لا تملك فيها غير جزء قليل من رأس المال.
مما سبق يتبين أن العنصر الجوهري في الشركة القابضة هو السيطرة على عملية إصدار القرار في شركة أخرى. وقد أثبت الواقع العملي أن تلك السيطرة يمكن أن تتحقق بوسائل قانونية مختلفة منها ملكية الشركة أغلبية رأسمال شركة أخرى، أو أن يبرم بين الشركتين اتفاق معين يخول إحداهما حقوقاً في إدارة الشركة التابعة وتوجيهها، والغالب أن يتم الجمع بين الوسيلتين معاً خاصة عندما تمتلك الشركة القابضة جزءاً يسيراً من أسهم شركة أخرى لا تخولها حقوقاً كثيرة في التصويت والإدارة فتعمد إلى الاتفاق معها على منحها حقوقاً في الإدارة تفوق مقدار الأسهم التي تملكها.
IV. كيف يمكن تكوين شركة قابضة
نفترض أن لدينا 10 شركات ونريد أن نتصرف في إطار شركة قابضة، علينا عمليّا إتباع الطريقة الأكثر شيوعا والتي تقضي بأن يقوم مساهمي العشرة شركات بجلب محفظة أوراقهم(Portes Feuilles ) المودعة في هذه الشركات إلى الشركة القابضة وهكذا تصبح الأخيرة مالكة لهذه الشركات وبالتالي يمكن لها أن تمارس نشاطها كشركة قابضة (HOLDING) كما ينصص على ذلك الفصل 463 من مجلة الشركات التجارية.
أما أشكال تكوين هذه الشركة فلا يختلف عن أشكال تكوين شركات أخرى كما أن تقويم الأسهم التي وقع جلبها تتم عن طريق خبير.