وجهة نظر

بقلم
عزيز بوطلحة
العرب والغرب

 للقراءة للأخر فوائد خاصة، إن كانت للعلم والمعرفة وليس للشّك أو الاستهتار أو الاشهار، فكفى من الاعتزاز بالنفس حدّ السفاهة والبلاهة والاستحمار  « فصوتنا أطول من سيوفنا».

ندعي الاسلام (حسب فهمهم للاسلام وما  يروّجونه) ونُكفّرهم صباحا ونقترض منهم مساءا .....
ندعي الاسلام ونستهلك ما تنتج عقولهم قبل أيديهم، بل ننشغل ونشغل الناس بترّهات الأمور، هل  يجوز تهنئتهم في أعيادهم أم لا ، وحلاوة طعامهم لا زالت في حلوقنا. وما جفت بطوننا من مشروباتهم من «كوكا كولا» و «بيبسي» و «هاواي» وما تُرجمت. بل بقيت على رسمها وحالها. وحفّت موائدنا و ولائمنا بكل ما ابدعوه.
واليوم أقرأ عن برنامج زيارة أقطاب الدعوة السلفية لأمريكا. أمريكا التي يلعنونها في خطبهم ويتغزّلون بها في خلوتهم ،فذلك حلال عليهم ،حرام على عامة الشعب .
هذا هو الدّين بفهم السلف، آخر تقليعة في موضة الاسلامويين  حتى أصبنا بالتّلف. إنه الريع الديني الذي تحتكره بعض الحركات الاسلامية كما تحتكر الأحزاب السياسية والنخبة الفاسدة ريعها السياسي والاقطاعيون الرّيع الاقتصادي وهذا ما قصده ماركس بمقولته الشهيرة «الدّين أفيون الشعوب». فلا تجعلونا مرفوعين (بفعل الأفيون) رحمكم الله.
رغم كل هذا الهوان من هذه النخب ، لازال عامّة الشعب يثقون فيما يُقَالُ لهم على أن الغرب عدّو الاسلام وعدّو الشعوب، في حين أن الغرب هو حصن هذه النخب (درسوا هناك ولا زالوا يبعثون بأبنائهم للدراسة في الغرب).وهكذا يقع الشعب في دوّامة لا يخرج منها حتى يلج في أخرى ولا تنتهي مطبّاته إلاّ في الأفيون أو يكون خارج التاريخ.
دورنا، نحن الذين صُعقنا بمكر مصاصي الدماء الذين لا دين لهم و لا ملة سوى جمع المال و تحقيق المصلحة الخاصة،  فضحهم بكل الوسائل وتعريتهم أمام الرأي العام. علينا فضح المتاجرين بالدين والمتربّحين   بالسياسة والغانمين من الاقتصاد، إن كان لنا في الأصل اقتصاد، فكيف تستثمر بعض الدول العربية التي أصابتها التخمة المالية بفضل البترول والغاز في كل بلدان المعمور من دون أن يلتفتوا إلى أشقائهم الذين يعيش أغلبهم الخصاصة والفقر؟ اللهم إلاّ لزرع الفتنة والاضطرابات؟ والأدهى والأمر أن هؤلاء الذين يرفعون شعار «لا اله الا الله» وينصّبون أنفسهم أوصياء على الإسلام، لا يستثمرون إلا في البلدان الغربية، حيث هناك الربح المزدوج و الحُمر والصُفر ذوات الصدر والشعر المنفوش؟ . 
البعض يحجر علينا، باسم الدّين، الاطلاع على ما عند الغرب حتى نبقى رهائن فكرهم. والبعض الآخر، باسم الاشتراكية، يدعوننا لمحاربة الغرب «الرأسمالي» لأن الغرب وحش يسلب كلّ من يقترب منه. أما هم، فلا ضير في تعاملهم معه فلديهم المناعة التي تسمح لهم بالانتفاع لوحدهم بفضائل الغرب. ولذلك أنصحهم بتسجيل براءة إختراعهم والاحتفاظ بالملكية الفكرية خالصة لهم دون خلق الله. وآخرون، باسم  الليبيرالية، يحتكرون العلاقة والنسب. وهؤلاء أيضا أنصحهم أن يحفظوا أسرار علاقتهم وشهائد نسبهم في الشهر العقاري اتقاءا لشرّ التلف أو السّلف. 
هذه  ثلاثة  أصناف أو أكثر تجعل من الشعب إمعة كما قال الله تعالى في قرآنه المجيد « سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل، فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا» (1)
يقول الشهيد الدكتور علي شريعتي:« قد لا يفكر الاستاذ أو الفيزيائي أو الفيلسوف أو الاديب أو المؤرخ، أنه يمكن أن يكون لا شيء من الناحية الفكريّة، وأنه في مستوى أقل العوام شعورا. وحتى الأمّي الذي لا يحسن الخط مثلاّ ،قد يكون أرقى منزلة في الدراية الشخصية ، وفي معرفة الزمان والمجتمع. إن بقاء المتعلم جاهلا، والمثقف فاقد الشعور، وإعطاء كل منهما ألقابا بارزة ، كالدكتور والمهندس والبروفسور لحالة مؤلمة جدا، فيما لو استمر أي منهم ،عديم الفهم والنباهة ، والشعور بالمسؤولية اتجاه حركة التاريخ ،التي تأخده معها،هو ومجتمعه في هذا الزمان.» (2)
ويقول الدكتور علي الوردي: «  فمن لا يعجبه هذا، فالأولى بنا وبهم أن نرمي بالتاريخ عرض الحائط ونقرأ مكانه كتاب الف ليلة وليلة فهذا الكتاب يرجع كل حادثة عجيبة الى الجنّ .والجن قادرون على كل شيء بإذن الله . وبهذا يمسي التاريخ بين أيدينا كالعجين نضعه في القالب الذي نريد» (3).
الهوامش
(1) سورة الكهف الآية 22
(2) النباهة والاستحمار لعلي شريعتي ص 8 - الطبعة الثانية 1984 الدار العالميّة للطباعة والنشر والتوزيع  بيروت لبنان.
(3) مهزلة العقل البشري للدكتور علي الوردي ص 243
----------------