كلمات

بقلم
عبدالنّبي العوني
كيف نمر ...متى...؟ وما هوالثمن...؟

 تربينا منذ نشأتنا، على قناعات، لم نرها يوما تتحقق على ارض الواقع إلا لماما ،يسارنا ،يميننا،إسلاميينا،عروبيينا، وليبراليينــا، من زمن، ونحن نعاني من الفوارق،  جوهرية،منهجية وتربوية، بين ما ندرسه ونحلم به و ما نشاهده بأم بصيرتنا على ارض الواقــــــع ،لم نستطع يومــــا ، نحن ولا أجدادنـــا، أن نرى نوعا من التطابق بين التصورات والواقع في المجتمع، إن كان اجتماعيا، سياسيا، اقتصاديا ،وحتى تربويا ،نعاني انفصاما مستفحلا، وإخلالا في التركيبة البنيوية لأذهاننـــا من جـــراء التفاوت المريــــع بين ما نؤمن به وما نمارسه على ارض الواقع . نعيش الماضي معرفيا و ذهنيا ونعيش الحاضر واقعيا واجتماعيا ، نسائل الماضي عله يقدم لنا إجابات، لحاضر متقلـــب متشعـــب ومــوارب، نتســـاوق مع سياق يغرف من النقيض الذي نهـــرب منه ، نعاني ازدواجية في المزاج والخطاب والفعل ،نمارس الشيء ونقيضه دون أن يرف لنا جفن، ودون أن نحس  بوطأته ،ندعو إلى أعمال و أفعال ورؤى ، و نمارس في الآن نفسه أضدادها .

الديمقراطي فينا، الذي يدعوا لها ليلا نهارا، هو أول من ينتهك حرمتها إذا ما خالفنا رأيه ، و الليبرالي معنا ،هو أول اشتراكـــي، إن اقتربنا مما يملك ،العروبي فينا، هو أول شعوبي، إذا ما استأذناه في الحرية لبناء وطن حر،  و اليساري فينا ،هو أول رأسمالـــي، إذا ما تحصل على أراضي الفلاحين وبعض المصانع،والإسلامي فينا، هو أول من يدفعنا إلى النار، إذا ما قرانـــا النصـــوص دون أن نمر من بوابته، والبسيط منا ،يلعن بصوت عال كل هذا ،ويستبطن داخلــــه واحدا منهم ، كلنا نعاني مرضا عضالا لم نجد له دواء إلى حد الآن ...

فمالنا كيف أصبحنا وأمسينا، وكيف يمكن لنا، أن نمر بسلاسة، من دائرة الشظايا المتنافرة إلى دائرة الانسجام المعرفـــي والفكـــري، أو بين أفكارنا و ممارساتنا ومتى يتم ذلك ، فهل الأسباب تاريخية ،ثقافية أم  سياسية اجتماعية أو تربوية اجتماعية ، فلماذا يستطيع الآخرون التخلص من هكذا أوضاع، ونبقى نحن نراوح مكاننا، رغم ما قدمناه على مر تجاربنا  الماضية والحاضرة من تكلفة باهظة،  جراء ما نعانيه، و أي ثمن آخر سنقدمه للتخلص نهائيا من ازدواجية خطابنا ، ممارساتنا وحتى أحلامنا ، فهل لا يكفي كل تلك الأثمان التي قدمناها بكل أطيافنا وفيئاتنا، من عصور الانحطاط إلى الآن، فهـــــل المشكـــل حقيقــــة فـــي الطبيعـــة الذهنيـــة لنا، أم في الأساليــــب والمناهــــج التربويـــة، التي تلقينا بها معارفنا، أم في كل السلوكيات التي امتصصناها من بيئاتنا منذ نعومة أظافرنا، ولماذا لا يمر الذهن العربي بسلاسة ،بين ما تربى عليه وانتهجه، وبين ما يريد أن يحققه ويصل إليه، فهل المشكل في كيفية الامتصاص ونوعية الممتص، أم في التعبير في الواقع بما امتصصناه سابقا.

ولماذا العقل الأخر الغير عربي" إيراني، تركي، من الشرق الأدنى، غربي" يمتلك القدرات، في التخلص من المعوقات الذهنية السابقة، والمثبطات، ويمر بسلاسة اكبر، للتعبير عن حاضره، بأدوات حاضره، ويتطلع أكثر لبناء وطنه وفق تمازج منطقي متآلف مع بيئته وفاعل في دائرته.

فهل نستحق صدمة وعي أخرى، اعنف وأضخم، بعد صدمة الثورات، حتى تدفعنا أكثر لنلتحم مع ذواتنا وأرضيتنا ورؤانا الباطنة، فهل إلى اليوم مازالت الطرق أمامنا، ضبابية   و مبهمة، لا نعلم يقينا، إلى أين ستوصلنا و إلى أين ستؤدي بنا.

فهل كل هذا حكمة أقدار أم مما كسبت أذهاننا وأفئدتنا وأيدينا.

فمتى نمر القناطر، دون خوف من أن نترك في الضفة الأخرى، ذاتيتنا وذاكرتنا.

ومن أي المرافئ، سنبحر والى أين، إن كنا نحمل داخلنا، النحن والآخرين المتعددين، دون تناسق بينهما.

وهل صدقنا، لا يكون ناصعا، إلا بين رفوف الكتب والمؤلفات، ومعالمها التي تنمو داخلنا.

وهل لوّثتنا السياسة حقا، بعد أن أقنعونا، بأنها بهتان وكذب ومجاراة ومحاباة وصناعة أوهام، وليست السياسة التي كانت تعني قبلا، سياسة الناس وإدارة شؤونهم، بدراية ومعرفة وأهداف.

وهل مازالت التقية ضرورية لكل أعمالنا، الجسيمة منها والصغيرة، أم سنتخلى عنها، عندما يتمكن الواحد منا مما يظنه قاطرة أحلامه إلى الجنة .....!!

أم ماذا بعد ....!!!