الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 31

 كتب أحد علماء الإجتماع في تونس بإحدى الصحف اليوميّة (1) ما يلي : « حتّى لا أموت أحمق، قررت الانضمام لنداء تونس». قرأت هذه العبارات عدّة مرّات وفي كل مرّة تنتابني هستيريا من الضحك.. وكما يقول المثل العربي : «إذا عرف السبب بطل العجب» فقرّرت أن أطّلع على فحوى المقال بداخل الصحيفة لأعرف السبب الذي جعل أحد علماء الإجتماع يصرّح بما ذكرت، فلمّا فعلت تحوّل ضحكي إلى حزن وخوف كبيرين . 

أن ينظمّ مواطن إلى حزب سياسي يختاره، فهذا هو عين الحريّة الفرديّة في بابها السياسي، وهو ما ننادي به ليلا نهارا. وأن يختار شيخ يبلغ من العمر 83 سنة نداء تونس، فهذا معقول مادام الأب الروحي للحزب وزعيمه بلغ من العمر عتيّا. لكن ما استفزّني ودفعني إلى الكتابة أمران إثنان :
* الأول، أن يربط  صاحب المقولة إنتماءه إلى نداء تونس بالإنقاذ من داء الحمق فهذا لايقبله إنسان ولا يستصيغه عقل بشر. فهل يعني ذلك أن الذين رفضوا ويرفضون الإنتماء إلى هذا الحزب بما فيهم «العبد لله» هم من الحمقى.؟ هذا  كلام مردود على صاحبه لأنني عدّت إلى كتاب «الحمقى والمغفّلين» المشهورالذي ألّفه الحافظ ابن الجوزي رحمه الله، وراجعت أبوابه الأربعة والعشرين بابا بابا، ودققت في باب صفات الأحمق تدقيقا فما وجدت لما ذكره عالم الإجتماع هذا موقعا. ولولا أن الجوزي رحمه الله قد توفّي منذ 837 سنة  لدَعَوْتُهُ إلى إضافة باب جديد تحت عنوان « الحمقى في الساحة السياسية التونسية».
* الثاني، أن من قال هذا الكلام ليس من العامّة بل هو عالم اجتماع قد قضّى سنوات عمره في البحث  واشتغل كثيرا على الحركات الاجتماعية بتونس وهو استاذ علم اجتماع بالجامعة التونسية ومعروف بدفاعه عن المواطنة والحداثة مع رفضه لللائكيّة الفرنسية  حيث يرى أن المرحلة التأسيسية التي تمخَّـضت عنها الحداثة، قامت على تداخل السياسي والدِّيني، وليس على القطع بينهما، وبالتالي، فإن الدِّين، حسب اعتقاده، كان يشكِّـل بُـعدا من الأبعاد التي ساهمت في عملية المخاض، التي أدّت إلى ميلاد الحداثة. فما الذي دفع عالم الاجتماع هذا ليصرّح بما سبق ذكره ؟ لعلّ هذا يجعلنا نعيد التفكير في مسألة العلاقة بين المكونات السياسية للمجتمع ونتساءل عن امكانيّة «الوفاق» بينها، فقد يكون حلما صعب المنال . فالمجتمع يتجّه بقيادة مثقفيه إلى انقسام حادّ واستقطاب ثنائي رهيب قد يكون عائقا في طريق تحقيق الانتقال الديمقراطي في البلاد. فلم يعد في عقول الطبقة السياسية والمثقفين بما فيهم الدكاترة والمفكرين مكانا للثقة في الآخر وقبول التعامل معه ولهذا نراهم يسارعون إلى التمترس وراء إحدى القوّتين الكبيرتين ويستعدّون للمعركة الكبرى. وينتظرون لحظة الحسم. كلّ هذا، هروبا في اعتقادهم من «داء الحمق».
أمّا نحن فسنكتفي برفع أيدينا إلى السماء وندعو «اللهم نجّنا من  داء الحمق وجنّبنا مصاحبة الحمقى ... اللهم آمين ... اللهم آمين»
                                                              -------------------
(1) الدكتور عبدالقادر الزغل جريدة المغرب الاربعاء 29 ماي 2013 ص 7