خواطر

بقلم
يسري بن ساسي
المثقّـــف

 حينما  خرج المواطنون إلى الميادين و الساحات مؤتلفين رغم اختلافهم ..منسجمين رغم تعدد مشاربهم و أهوائهم ..كانوا صوتا واحدا ضد كل أشكال الاستبداد و الاستغلال ..ضمتهم جميعا هذه النزعة الانسانية المقاومة لكل ما يحط من كرامة بني آدم ويدعكها ..لكل ما يمكن أن يرزأ تحت وطأته بشر من ظلم و قهر وطغيان ..لم تحركهم إيديولوجية فكرية أو دينية أو قومية بعينها..لم يحركهم انتماء بالذات غير الانتماء لوطن واحد و تراب محدد ..لم يكن هناك قائد أو زعيم أو مسير و لا فريق أو جماعة  أو حزب يخطط أو يدبر .. استجمع المواطن ذخر شجاعته و استل صوته من غمده باقرا به سماء الخوف و الذل و استل الحاكم رصاصه من وكره ليرضخه من جديد بلا جد

..أين كان المثقفون و أين كانت النخبة حينها..أصدقهم و هم ندرة كان إما في السجون أو في المنافــي يناضـــل ..البقيــة انقسمــت بين من ألجمها الزلزال فطفقت تتابع عن بعد تداعياته دون اقتراب من تخومه ..ومن رأت أضعف الإيمــان أن تندلـــف وسط الناس وينصهر صوتها معهم.. ومن كان صوتها مسالما مستكينا فتحول ثائرا رعديدا ..
ومن كان صوتها مناشدا فصار صوتها معاندا ..ومن ألهمها ذاك كتابا أو قصيدة ..ومن أوعزها حزبا جديدا.. وكانت لكل مثقف ردة فعله التي تنسجم مع أفكاره وطموحاته وتتطلعاته ولسنا هنا  لنقيم أو نحاسب فما أبعدنا عن ذلك  ..ولكن وباعتبار أن الوطن اليــــوم في مفترق طرق وباعتبار أن للمثقف مسؤولية تفوق مسؤولية المواطن في أي منعرج قد تحذوه البلاد   وحتى لا نرتكس الوراء ويضيع من قد منحناه بالدم ..دم شاب يافع وهبنا من جديد متنفسا للحياة ..حتى لا يضيع كل ذلك نحن اليوم نناشد المثقف أن يكون له موقفه المتسم بالموضوعية والرزانة وتغليب المصلحة الوطنية وخاصة ترسيخ الوعي المدنــــي  ..فكــم نحن اليوم بأمس الحاجة إلى كل فكرة متزنة وكل نظرة ثاقبة وكل تمثل شامل وبعيد المدى لكل ما طرح وسيطرح من قضايانا الوطنية والإقليمية والعالمية ..ومن الأكيد جدا أن تربية الوعي المدني وتغذية الحس الوطني يهيأ الارضية الخصبة لوعي سياسي شامل متكامل ومنيع ضد أي استنساخ جديد للتسلط و القمع ..لذلك وأمام هذه الطفرة الحاصلة في مجتمعاتنا وحتى تكون إحـــرازا نحـــو التقدم والنمــاء لا العكس.. مرهونة بعهدة المثقف أولا تنقية الأفهام على اختلاف درجاتها من التعصب والغلو وتهذيبها على احترام الآخر في مختلف زواياه الانسانية.. لتسنح الفرصة للجميع وفي مقدمتهم رجل السياسة الجاد والمسؤول  للعمل الحثيث وليكون لدولة القانون والمؤسسات التي يلهج بذكرها الجميع دور حقيقي مغلب ومفعل وليس دور الديكور ...