رسالة المغرب

بقلم
بن هشّوم الغالي
التعليم الطبقي بالمغرب

 إن القارئ المتفحص لوضعية التعليم بالمغرب اليوم سيكتشف للوهلة الأولى أنه إزاء تعليم طبقي نسخة طبـــق الأصـــل للتعليـــم في الفترة الاستعمارية والفترات التي تليها، مع اختـــلاف بسيـــط في التسميات وفي اللاعبين الأساسييــــن فـــي العمليـــة التعليمية، ذلك أنه فـــي الفتــــرة الاستعماريــــة تأسست المنظومة التربوية على ثلاث طبقات :

1-طبقة النخبة، وتحوي أعضاء الحكومة(رجال المخزن)، ورجال الأعمال والأعيان، والطبقة المثقفة من أبناء البورجوازية المتعفنة؛
2- طبقة أهل الحضر الأميين؛
3- طبقة أهل الريف والبدو المعزولين؛
4- طبقة الأقليات( الجالية اليهودية والفرنسية).
يأتي هذا التقسيم في إطار التوجه الجـــديد لـــلإدارة الفرنسية حول إصلاح التعليم بالمغرب والذي عبّر عنه وقدّمه مدير التعليم العالي المستر ”هاردي“ أو ما يسمى بلغة اليوم بوزير التعليــــم العالــي، في إحدى ندواته(1)، حيث أعطى تصوّرا للإدارة الفرنسية حول السياسة التعليمية بالمغرب، إذ أكد أن الفرنسيين" ملزمون بالفصل بين تعليم خاص بالنخبة الاجتماعية، وتعليم لعموم الشعب. الأول يُفتح  في وجه الأرستقراطيـــة، وهذا التعليـــم سيقدم لأبناء هذه النخبة  الاجتماعية، وهو تعليم  طبقي  يهدف إلى تكوينها تكوينا منظما في ميادين الإدارة والتجارة التي اختص بها الأعيان المغاربة. أما النوع الثاني، فهو التعليم الشعبي الخاص بالجماهير الفقيرة والجاهلة  جهلا عميقا، فيتنـــوع بتنـــوع الوسط الاقتصادي ففي المدن يوجّه التعليم نحو المهن اليدوية، خاصة مهن البناء، وإلى الحرف الخاصة بالفن الأهلي. وفي البادية فوجّه نحو الفلاحة، وأما في المدن الشاطئية فإنه يوجه نحو الصيد البحري والملاحة".
مما لاشك في أن المشروع الفرنسي الذي قدمه المستر ”هاردي“  يكرّس الطبقيّة في المنظومة التعليمية آنذاك، فالرجل يحدّد واقع التعليم وآفاقه وأهدافه والدور الذي ينبغي أن يقوم به لخدمة الأجندة الاستعمارية، ولتحقيق هذا المسعى تم إنشاء مؤسسات تعليمية تخدم الأقليات  وفئة النخبة؛ من ذلك تأسيــــــس المدرسة اليهودية  بكل من ”فاس“ و”الرباط“ و”الصويرة“ و”البيضاء“ و”طنجــة“ و”أسفي“ تحت إشراف المنظمة العالميـــة اليهوديـــة. وقد حرصت هذه المدارس على تعليم الجالية اليهودية  بالمغرب تعليما متميزا ومختلفا عما كان سائــدا آنذاك، وفـــــي المقابل تم إنشاء المــــدارس الأوروبيــــة ومدارس أبناء الأعيان .وتتم عملية ولوج هذه المدارس بناء على فلسفة طبقية تتماشى مع الوضعية الاجتماعية التي ينتمي إليها كل فـــرد. وهو ما يوضحه فيلسوف المنظومة التربوية الجديدة المستر ”هاردي“ بقوله ”هناك انقسام طبقي واضح في المغرب، فالطبقات يتميز بعضها عن بعض بوضوح كامل، وكل منها سعيدة بحضّها ونصيبها ، ففي أسفل السلم هناك الجماعات الدنيا، نصفها مستعبدة  ونصفها مسخّرة ...ثم هناك الشعب –فلاحون ورعاة- وعمال منتظمون فـــــي اتحادات مهنيــــة أو غير منتظمين، ثم هناك البورجوازية التجارية والقروية، وأخيرا هناك في أعلى السلم ”رجال المخزن“ الذين يديرون البلاد و”رجال الدين“ سواء كانوا من الشرفاء أو العلماء أو الصوفية أصحاب الزوايا ...وإنه لمن مصالحنا ألا نعمل على زعزعة هذا المجتمع وأن لا نمس تقاليده، يجب أن تعطي لجميع الطبقات ”خبزالحياة“. هذه الطبقات  حسب تصور ”هاردي“ تحتاج فقط إلى خبز الحياة، ولا تحتاج إلى التعليـــم ولا إلى التثقيــــف ولا إلى الوعـــي والتمدن والتحضر، لأن من شأن ذلك أن يهــــــدّد الوجــــود الاستعمـــاري، فهذه خلايا نائمة ينبغي أن تبقى كذلك  في المقابل فإن ”عملنا  العظيم الذي نقوم به من أجل التجديد الثقافي يجب أن ينحصر فقط في النخبة، إن الخطر كامن في صنع طبقة من المثقفين ثقافة أوربية“ تنادي بالتحرر والانعتاق من رق العبوديــــة والجهــــل والتخلف وتنادي بالحرية والديمقراطية والاستقـــــــلال لأن مثــــل هذه الأفكار إذا دخلت المدارس فذلك يعني ”إدخال نــــــار الثـــــورة  في المجتمع المغربي، ولأن إبقاء هذا المجتمع راكـــــدا محصــــورا في أطره التقليدية، يتطلب الإبقاء على نوعية الفكر السائد“ (2) 
ولذلك ألفينا نوعين من التعليم في المدارس المختلفة؛ تعليم راق موجه نحو الجالية الفرنسية واليهودية والمسيحية وبعض الأعيان المغاربة ورجالات المخزن يساير التعليم الموجود بفرنسا ســــواء من حيث المناهج أو من حيث الوسائل والأدوات وتعليم نمطي موجه إلى سواد الأمة.
 نفس التقسيم الطبقي ظل سائدا إلى يومنا هذا، غير أنه في العصر الحالي –مع اختلاف بسيط في المسميات – ظل محكوما بالشعار الذي يردده المغاربة ”التعليم طبقي أولاد الشعب فالزناقي“، وهذه الطبقية يسجلها القارئ للوهلة الأولى في انقسام مؤسسات التعليم بالمغرب إلى قسمين:
◄تعليم عمومي ؛(يهمّ فئة أسفل السلم بتعبير ”هاردي“)
◄تعليم خصوصي.(يهمّ فئة أعلى السلم) 
 
التعليم العمومي 
 
◄مخصص للطبقة الفقيـــرة والدنيــــا مـــن المجتمـــع المغربـــي جل مؤسساته قديمة ولا تتوفرعلى الشروط الضرورية للتمدرس، فمازال تلاميذ التعليم العمومــــي يزدحمـــون كالسّرديـــن المعلب في الحجرات الدراسية؛ إذ يتجاوز عددهم في أغلب الأحيان الأربعين تلميــــــــذا في غياب تام للعتاد ”الديداكتيكي“ واللوجستيكي، ومازالت الأطر التربوية  في العالم القروي زمن التكنولوجيا الحديثــــة والعولمـــــة و TGV يتخذون من الحمير والبغال وسائل نقل عصرية تنقلهـــم من مقر سكناهم نحو المؤسسات التعليمية.
مناهج التدريس المعتمدة لا تتوافق مع محيط الشغل وجل المواد المدرّسة لا تتوافق مع المحيط الخارجي ولا يعود بالنفع العميــــم على المتمدرس وكل المواد التي توقظ في التلميذ أو الطالب الوعي تم حذفها من المقررات(الفلسفة نموذجا)، مما يؤثر سلبا على آفاقه بحيث ينظر إلى المستقبل نظرة المتشائم الفاقد للأمل في الحياة والوطن والتعليم برمته.
◄التعليم العمومي غدا مرتعا خصبا لترويج المخدرات وأقراص الهلوسة وفضاء لممارسة الفساد وتصدير العنف؛
◄التعليم العمومي من منظور الدولة غير منتـــــج، يحدث ثقبـــا في ميزانية الدولة، لأن لوبيات الفساد التي تسهر على المنظومة التربوية تريد أن تفرّغ التعليم العمومي من حمولته ومن قيمه النبيلة، لتوجــــه عامـــــة الشعب نحــو التعليم الخصوصـــي. فهذه اللوبيات تفتح مدارسها الخاصة في وجه المتمدرسين وتضغط بقوة لأجل أن تتبنى الحكومة قرارا يقضي بإلغاء مجانية التعليم.
◄تعليم عمومي متّخن بالشهادات الطبية وبالعطل الموسمية والأعياد الدينية والوطنية وبالإضرابات اليومية، كل هذه العوامل وغيرها تساهم في تدني التعليم العمومي وتقوي في نفس الوقت التعليم الخصوصي؛
◄التعليم العمومي لا يعدو في أغلب حالاته أن يكون تعليما يروم محو الأمية لا غير.
 
هذه بعض السمات المميزة للتعليم العمومي المخصّصة للطبقة الكادحة في المجتمع المغربي وهي غيض من فيض. في المقابل تتلقى الطبقة المحظوظة من المجتمع المغربي تعليمــــا خصوصيــــا لا يختلف كثيرا عما تشهده الدول الغربية مثل فرنسا، فما هي سمات هذا التعليم ومميزاته؟
 
التعليم الخصوصي 
 
يشكل نسبة 12 في المائة من مجموع التلاميذ والطلبة المتمدرسين، تطوّر بشكل سريع خلال العشرية الأخيرة بفضل تشجيعات الدولة حيث اعتبرته شريكا أساسيا في العملية التعليمية، وسوقا مربحا لاستثمارات ضخمة تروح إلى جيوب اللوبيات المتحكمة فيه. وهكذا عرف هذا النوع من التعليــــم ميـــلاد الآلاف من المؤسسات ذات الطابع التجاري (3168 مؤسسة برسم الموسم الدراسي 2010-2011 في التعليم المدرسي، وأكثر من 230 مؤسسة بالتعليم الجامعي ) بفضل إقبال العديد من الأسر المغربية - مرغمة  بعدما فقدت الأمل في التعليم العمومي - نظرا لما يقدمـه هذا النوع من التعليم من :
◄وسائل تكنولوجية  حديثة ومعلوماتية ؛
◄ نقل مدرسي عصري، يربط المؤسسات بمقر السكن؛
◄أطر تربوية مهنية متخصصة وفضاءات تربوية تتوفر فيها الشروط الضرورية لإنجاح العملية التعليمية؛
◄الانفتاح على اللغات الحية(فرنسية وانجليزية واسبانية) ابتداء من رياض الأطفال؛
◄غياب الاكتظــــــاظ داخـــــل قاعــــات الـــدرس المــــزوّدة بالعتاد ”الديداكتيكي“ العصري
◄ربط المدرسة بعالم الشغل .
 
إلا أن التعليم الخصوصي بدوره لا يخلـــو من الطبقيــــة  إذ يمكــــن التمييز بين طبقتين:
◄تعليم خصوصي موجه نحو الطبقة الوسطى ذات الدخل المتوسط المتـــــراوح بيـــــــن 5000 و 15000 درهم، ويمثل الأغلبيــــــة في هذا القطاع وهو الذي تحدثنا عنه سالفا.
◄تعليم خصوصي موجه نحو الأعيان الذين يمثلون البورجوازية المتعفنة في المجتمع المغربي، وتضمّ مؤسسات تعدّ على رؤوس الأصابع لا يلجها إلا ذوي النفوذ أو النقود أو السلطة أو ..، مزودة بأطر تربوية على مستوى عال من الجودة بعضها أجنبي والبعض الآخر من أصحاب النخبة، وبوسائل نقل شخصية فاخرة. ويتوجه خريجو هذه المدارس لإدارة الأعمال وتسيير الاقتصـــــاد والبـــــلاد والعباد.  و تخصّص لهذه المؤسسات فضاءات رحبة حيث الماء والخضرة والوجه النضر، يخيل إليك إذا ما سمح لك بالدخول للمشاهدة وكأنك بإحدى أرقى المؤسسات الفرنسية أو الإنجليزيـــة أو الأمريكيــة حيث الملابس والعتــــاد ”الديداكتيكي“ والمأكــــولات والمشروبات  المستوردة  بماركات مسجلة.
لايسعني في نهاية هذا المقال إلا أن أردد مع ملايين الحناجر المغاربة ”هذا تعليم طبقي ولاد الشعب فالزناقي“.
 
الهوامش
 
1-ينظر عابد الجابري:  التعليم في المغرب العربي دراسة تحليلية نقدية ص 18
2-المرجع نفسه ص23