في العمق

بقلم
الهادي بريك
خطابنا الديني في عصر الثورة

 لم تخل حضارة قطّ من ثقافة دينية بحسب المعطيات الإنتروبولوجية الصحيحة(1) في حين خلت حضارات كثيرة من ثقافات أخرى غير دينية. لا علاقة لتلك المعطيات التي أثمرتها الحفريات والبحوث بصحة الثقافة الدينية تصورا أو مسلكا ولا بتهافتها. ألا ترى أن مشركي قريش أنفسهم كانوا يؤسسون لمشروعية ثقافتهم الدينية من خلال إدعائهم اقتفاء الأثر الإبراهيمي وبمثلهم كان بنو إسرائيل. حتى في زماننا حيث غيرت الثورات التكنولوجية وجه الأرض ينصرف الناس إلى التديّن ليعبـــــدوا بقــــرة بكمـــــاء عجمـــاء إذا لم يجدوا ما يعبدون. الدين إذن حاجة فطرية ونهم جبلّي وتلك هي المنسأة الأولى التي اعتمد عليها الإسلام في دعوته الناس إلى التفكر والتدبر والتأمل في ملكوت السموات والأرض أي في الكتاب المنظور الكفيل بتحرير التوحيد الإلهي من التعددية الوثنية والانغلاق الصنمي.

 
ما هو الخطاب الديني الإسلامي.
 
الخطاب الديني ـ في كل دين ـ هو مجموعة المنطوقات والمقولات التي يتوسل بها صاحب الدين إلى الإنسان بغرض هدايته. ذلك هو الخطاب الديني في أصله المنيع ولا ينفك عنه ما يحدثه الإنسان من تفسيرات لتلك المنطوقات وتأويلات وتشريحات وتحقيقات وترجمات وغير ذلك حتى يتوسع الخطاب الدينـــي ليجمــــــع إليه كل خطاب ينطلق منه أو يرجع إليه لخدمة أي غرض من الأغراض الدينية وأهمّها : التزكية والتعليم والدعوة. الخطاب هو المؤسس للعمل دوما ولذا كــان لا بد للناس من وسائل للتواصل بينهم فكانت اللغات واللهجات والحركات البدنية بل كانت الكلمة بمعانيها الكثيرة وصورها لتؤسس للفن. إذ من ثمرات الحفريات الأنتروبولوجية كذلك أنه لم تخل حضارة قط من ثقافة فنيّة. الدّين والفن فحسب كلاهما صاحبـــا الإنســــان في رحلته الحضاريــــة الطويلــة. الأمر ذاته ينطبق على الخطاب الإسلامي الذي يتأسس على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قولا وعملا وإقرارا وصفة ولكنه يتوسع ليشمل الأقوال والأعمال التي يحدثها المسلمون في كل حقل من حقول الحياة ـ بسبب الطبيعة الجامعة للإسلام ـ انطلاقا من النص الدينــــي أو أوبة إليه. لا يتميز الخطاب الإسلامي عن غيـــره من الخطابات الدينية ســـــوى بأمريـــــن : أولهمــــا أن الخطاب الإسلامي خطاب جامع يغطي الحياة بأسرها وهي خصوصيته الفريدة التي أبت الذبول تحت مطارق الجلد العنيفة التي تعرض لها الإسلام منذ حقباته المبكرة جدا بغرض حبسه في المربع المضيق الذي عبرت عنه العالمانية(2) المعاصرة وليكون ما لله لله وما لقيصر لقيصر. وثانيهما تشكّله من مكونين يتصلان وينفصلان في الآن نفسه : الوحي الثابت الصحيح المقدس وهو المؤسس للخطاب الإسلامـــي من جهــــة والتراث البشري من العهد الراشدي حتى يوم القيامة من جهة أخرى. يتصلان كلما كان الوحي حاكما متبوعا والتراث محكوما تابعا، فإذا اضطربت تلك العلاقة السيادية بينهما، انفصلا ليحافظ الوحي المعصوم على نقائه ومشروعيته ولتكون المعالجات البشرية من بعد ذلك اجتهادات وتجديدات وتحديثات غير معصومة.
 
ما هي أبرز معالم الخطاب الإسلامي.
 
يتوسل الخطاب الإسلامي إلى الإنسان بمجموعة من الوسائل يقدمها بين يديه عربون صدق ومودة ومن أبرزهــــا : تحريك الفطـــرة التي يمكن أن يتوسع معناها ليجمع إليه الغرائز والآمال والآلام والعواطف وما هو مجبول في الإنسان ومغروز فيه إنغراز الجبال في الأرض تحفظ توازنها أن تميد ولذلك لك أن تقول بإطمئان شديد بأن الفطرة أسبق من الدّين وأن الدّين لا يتأســـس علــــى شـــيء في الكون أكثر من تأسسه على الفطرة فهي رحمه الذي يضع فيه بويضته التخليقية الأولى. كما يتوسل الخطاب الإسلامي إلى الإنسان ـ من بعد توسّله بالفطرة ـ بملكته العقلية يوقظ فيها غريزتها في حب الإطلاع ليستثمره في النظر والسير فـــــي الأرض سيــــرا مباشـــرا في مناكبها وسيرا غير مباشر أي سيرا بالبصائر في الذاكرة التاريخية التي ينقل منها الوحي الكريم جزء كبيرا جدا  حتى ليخيل إليك أنه كتاب قصص بل هو كذلك بالفعل. كما يتوسّل الخطاب الإسلامي إلى الإنسان بتحريك حاسّة الخيال فيه فإذا تخيّل ازداد شوقه وكبر أمله ـ وهل الخيال غير الأمل ـ وعمل على تحقيق خيالاته ومن ذا يصيب كثيرا من تسخيرات الكون من حوله ومن ذا يكون الكون له محرابا للعبادة ومحراثا للعمارة والجمال والزينة. بكلمة واحدة : يتوسل الخطاب الإسلامي إلى الإنسان بجهازه النفسي الباطني الداخلي الروحي فطرة و غريزة وعقلا وذوقا وعاطفة بمثل ما يتوسل إليه بجهازه البدني الخارجي سمعا  وبصرا وبمجموع حواسه المادية الأخرى. فلا يتسلط الخطاب الإسلامي على الإنسان بقوى خارجة عنه تكرهه على الإيمــــان أو تحبســـه عن الكفر ومن ذا كان الإطار المنهاجي العام للخطاب الإسلامــــي هو : الحرية ولا شيء غير الحرية. ألا ترى أن المفكرين منا قالوا من قديم : العقل مناط التكليف. العقل مناط التكليف معناه بلهجتنا المعاصرة : الحرية مناط التكليف. كلمة العقل في الفقــــه معناهــــا : بلوغ الإنسان سنا تحرره من غاشيات الطفولة بلهوها لتتيح له استثمار ملكاته العقلية فيختــــار هــــذا أو ذاك. الحريـــة هي عنوان المنهاج الإطاري الجامع وهـــي التــــي تفتح البــــاب على مصراعيه إلى العلم معرفة وبحثا واجتهادا وتجديدا وتحديثا وبذا تكون الحرية شرطا ويكون العلم ـ طلبا وبثا ـ مقصدا.
ذلك هو المنهاج الإطاري الجامع. فما هو متن الخطاب الإسلامي؟ لك أن تكثف ذلك في العناوين التالية وهي عناوين يجب أن تكون وفيّة لذلك المنهاج الإطاري الجامع. ولذا لا تبرح مطالب الخطاب الإسلامي عاكفة على الإنسان لتحقيق مصلحته الآجلة والعاجلة سواء بسواء فردا وأسرة وأمّة. أول تلك المطالب هي تحرير الإنسان تحريرا يجعل من شخصيته المعنويّة شخصيّة قويّة متينة متأبية عن الانقســـام والانشطار والازدواج ولا يتحقق ذلك سوى بأن يتحرر الإنسان من التألهات والتربُبَات التي تكرهه بشتى وسائل الإكراه الجلي والخفي ترغيبا وترهيبا على عبادتها ومن تلك التألهات قطعا، نفسه التي بين جنبيه بسبب ازدواجية تكونه الفطري بين التقوى والفجور.فإذا تحرر الإنسان من كل تلك العبوديات الإكراهية وجد نفسه وجها لوجه مع ولي نعمته الحقيقي : الله سبحانه. ذلك هو ما يعبر عنه بالتوحيد أو العقيدة أو الإيمان ولا تهمّنا الأسمــاء ولكن تهمّنا المعاني. لا حرية للإنسان إذن إلا في كفره بالطاغوت ـ كل الطاغوت. الكفر بالطاغوت ـ كل الطاغوت ـ يفضي بالضرورة ـ أي بالفطرة والجبلةـ إلى عقيدة التوحيد الخالصة من شوائب الشرك. عندما يتحقق ذلك المطلب في الإنسان تحققا صحيحا ينتقل الإنسان من منطقة الجور والظلم إلى منطقة الأمن والعدل كمن اهتدى إلى سلوك الطريــــق الصحيــــح الذي يوصله إلى مقصده الدنيوي على خارطة جغرافية مثلا فهو آمن من التيه لا يضرّه من بعد ذلك أن يبطئ السير أو يغذه. إذا تحــــرّر الإنســــان ـ ولن يتحرر حتى يؤمن بالله سبحانــــه ـ امتلك تأشيـــــرة الحرث في الأرض خلافة وعمارة وعبادة وتلك هي مقاصد الإسلام منه من بعد ما جهزه بالحرية اللازمة. ثم يأتي دور العناوين الأخرى لرسالته وأبرزها : العدل والحق والخير والقوة وأداء الأمانة بمعناها السياسي الأعظم أي أمانة الحكم بين الناس بالحق وإشاعة التعارف والمعروف والتواصي بالحق وبالصبر وبالمرحمة وحماية حق المعتقد والعبادة للمخالف تحت سقف اسمه : وحدة البشرية العظمى بحسبانها متساوية أمام سنن الله في كونه الفسيح بل وفي رسالة الدين إليها وفي المرجع النهائي إلى ربها سبحانه . وهي وحدة متدرّجة قلبها الوحدة الإسلامية وجناحها الأيمن الوحدة الكتابية وجناحها الأيسر وحدة أهل السلــــــم من المخالفين. وفوق أديم إسمه : إتاحة الفرصــــة على مصراعيها لقوانين التعدّد ونواميس التنوّع وضرورات الاختلاف بين الناس وذلك لخدمة أغراض ثلاثة : أولها التقاط دليل سنني آخر على أن المعبود بحق سبحانه ليس كمثله شيء ليتحقق التنزيه الكامل. وثانيها إمعانا في تكريم الإنسان بسبب النفخة الرحمانية فيه وليس لأي سبب آخر فلا إســـــراف حتى في عقوبة الظالم مهما طغى ظلمه وازداد إسرافه. وثالثها الحثّ والتحريض على عمارة الأرض تكافلا بين الناس مؤمنهم وكافرهم بسبب القانون الغلاب المطرد في هذا الحقل وهو المعبر عنه في سورة الإسراء بقوله سبحانه :  ﴿ كُلًّا نُّمِدُّ هَـٰؤُلَاءِ وَهَـٰـؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُـورًا ﴾(3). إذا رمت تكثيفا لتلك العناوين من بعد العنوان المنهاجي الأعظم للخطاب الإسلامي أي تحرير الإنسان ليكون عبدا لولي نعمته الحقيقي فحسب فلك أن تقول : كرامة الإنسان. فهي المفتاح الذي يمكنه فتح المطالب الأخرى إذ لا عدل إلا بكرامة الإنسان وقس على ذلك المطالب كلها : فلا حق ولا خير ولا قوة ولا أمانــــة ولا معروف ولا تعارف ولا مرحمة ولا وحدة ولا تنوع ولا عمارة ولا خلافة ولا عبادة .. إلا بكرامة الإنسان. الإنسان هو عنوان المنهاج الإطاري الأعظم لتوسل الخطاب الإسلامي إليه وهو في الآن نفسه عنوان المنهاج الإطاري الأعظم لمطلب الخطاب الإسلامي منه. كل شيء مصنوع لأجل عبادة الصانع وحده سبحانه من جهة ومن جهة أخرى لأجل تيسير رسالة الإنسان وذلك بسبب أنه الكائن الوحيد الذي يعبد الله اختيارا لا كرها ومعه الجنّ بطبيعة الحال ولكن الجنّ أدنى منه منزلة ومكانة.
 
الخطاب الإسلامي : هل تطرأ عليه التبدلات؟
 
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة طبيعة المسؤول عنـه أي الخطاب الإسلامي. الخطاب الإسلامي ـ مثله مثل الكائنات الأخرى بسبب صدوره عن المشكاة ذاتها ـ يشتمل على دائرتين تتكاملان وتتكافلان ولا تتضادان ولا تتقابلان : دائرة ”القطعيّــــات“ وهي دائرة معززّة بالأدوات العلمية الكثيفة والصحيحة التي تدعو الإنسان إلى إستخلاص إيمانه ويقينه ومعالم رسالته من شخوص الكون من حوله ومن ذاكرة التاريخ البشرية ومن مصادر أخرى ليس هنا مجال إحصائها. ودائرة ”الظنيّات“ وهي دائرة متاحة لتفعيل الاختلاف بين الناس لأغراض كثيرة ليس هنا مجال إحصائها كذلك. أما دائرة ”القطعياّت“ التي تكافل العلم من جهة والإيمــــان من جهة أخرى ( أو العقل والنقل بتعبير آخر إن شئت ) على نحتها صحيحة صافية شافية كافية ...لا بل تتحدى معارضيهـــا داعيـــــة إياهــــم إلى الحوار والجدال على أساس معايير البرهان والحجة والبينة والسلطان.. تلك دائرة لا تقبل التبدل قيد أنملة إذ بتبدلها تتبدل حركة الكون وتضطرب ويختل الميزان الموضوع للناس بين السماء والأرض ليقوم الناس بالقسط. تلك منطقة محفوظة بتقديرات كونية لتستمر إدارة الخلاق سبحانه في النفاذ أما شرعيا فإنما يحصل الفساد في النـاس بقــــدر إخسارهــــم بتلك ”القطعيّــــات“ أو طغيانهم عليها. من أكبر مكونات منطقة القطعيّات المحفوظة : الأصول العقدية حول الحياة والموت والإنسان والأصول الأخلاقية. أما دائرة ”الظنيّات“ وهي الأوسع جدا فهي قابلة للتبدّل ضمن هامش محدد وذلك بحسب تبدّلات الزمان والمكان والحال والعرف وإقبال الناس على الاجتهاد والتجديـــد والتحديـــث أو عزوفهـــم إلى التقليد. هي كذلك لإتاحة مساحـــة مرنـــة واسعــــة من التعدد الذي أناط الله الرسوخ في العلم بفقهه وذلك في قوله سبحانه : ”إنما يخشى الله من عباده العلماء“(4). وسياق هذا التقرير المؤكد بأداة الحصـــر والقصـــر هو ورود الاختـــلاف في المخلوقات كلها : ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ  ۩ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا َخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ (5). كثّف السياق قيمة الاختلاف تكثيفا عجيبا ليخبرنا في النهاية بأن أخشى الناس لله سبحانه ليسوا سوى العلماء. أي علماء؟ السياق يجيبك دون التواء : العلماء بناموس التعدد وقانون الاختلاف. ذلك هو رأس العلم وذلك هــو الرســـوخ في العلم وتلك هي ذؤابة العلم. فمن جهل ذلك فلا أمل له في أي علم نافع ومن فقه ذلك فقد استدرج العلم من بين جنبيه.
الخطاب الإسلامي إذن يمتلك قابلية التبدّل في وجه من وجوهـــه وهو وجه الظنيّات التي لا يتحرّر فيها الحق واحــــــدا أوحـــد أبلج لا مساق فيه للتعدّد.
 
هل لنا سابقات تبدل فيها الخطاب الإسلامي.؟
 
أجل. والأمثلة على ذلك لا تكاد تحصى لكثرتها. من تلك الأمثلة : إصدار الفاروق عمر عليه الرضوان ـ وهو خليفة المسلمين يومها ـ لما يشبه المرسوم الحكومي بتعبيرنا المعاصر لمنع نكاح الكتابيات حيلولة دون بــــوار المسلمـــــات. وجـــه التبـــــــدل هو أن الخطاب القرآني صحيح صريح في إباحة ذلك ولكن طرأت في المجتمع طارئات اجتهد لها الفاروق فبدّل الخطاب وقد يرتقي الأمر في أصول الفقه إلى حدّ إلزامية مثل تلك المرسومات الحكومية واعتبارها تشريعات فقهية وإدارية صارمة بما لمؤسسة الدولة في الإسلام من سلطان على المباحات تقييدا رعاية لمصلحة أو درء لفساد. والحقيقة أن المتتبع للتحديثات الفاروقية في المجـــــال الفقهـــــي والإداري والمالـــي لا يعتريه أي ريب في أن تبدّلات الخطاب الإسلامــــي في المساحة التي تتأهـــــل لذلـــــك لا إنكــــار عليهــــا بل هي حائزة لأعلى مشروعية أصولية بسبب إجماع الصحابة عليها وأي إجماع أرقى من إجماع الصحابة وأي مصدرية تشريعية أرقى من الإجماع من بعد الوحي المعصوم. من ذلك مثلا : تعليقه لحد السرقة عام المجاعة وتأجيله لفـــــرض المؤلفــــة قلوبهـــم من المصارف الثمانية للزكاة وعدم تخميسه لأرض العراق المفتوحة عنوة و قبوله من نصارى تغلب مسمى الجزية بغير اسمها وتثليثه لآذان صلاة الجمعة فيما ينسب ذلك إلى ذي النورين عثمان عليه الرضوان ولا يعنينا المجتهد ولكن يعنينا الاجتهاد ودليله (6). وأمثلة أخرى كثيرة جدّا لم تقتصر على المرحلة الراشدية ولكنها ظلت تترى ولكن بفتور كبيـــر بسبب ما خيم على الأمّة من شاغبات الانحطاط ثم تعرّضت الأمة إلى الغزو فكريّا وعسكريّا فاندحرت وحدتها السياسية السياديّة لأول مرة في التاريخ بمناسبة انهيار الخلافة العثمانية عام 1924ميلادية. تلك تبدّلات للخطاب الإسلامي فيما يظن اليوم من أكثر المسلمين أنها المساحة التي لا تقبل التبدل وهناك أمثلة أعلـــى من ذلك لا شك في أنها تثير سوء فهم أو وجوما شديدا. أما التبدّلات في المستويات الدنيا من الفروع والذيول والجزئيات فإنها تغلب غلبة توحي إلى غير الراسخين في العلم بأنه لم يبــــق شيء في الإســـــلام إلا وهو حمّال أوجه.
 
أي مشروعية للثورة تجعلها تساهم في تبدل الخطاب الإسلامي؟
 
الثورة العربية المنداحة اليوم من الغرب الإسلامي ( تونــــس ) إلى الشـــــرق الإسلامي ( سوريـــــا ) هي في قراءتي المتواضعة وجه من وجوه التجديد الإسلامي الذي أمر به الإسلام وبشر به نبيه الأكرم ـ عليه الصلاة والسلام ـ في آن واحد. الحديث صحيح صريح ومقصده الكلي أمر بمعانقة التجديد وليس مجرد تبشير به ولا مجرد تنبئ به. ”إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها“. تمحّل المتمحّلون كثيرا لتزوير المتن وإضافة كلمة ( أمر دينها ) بدلا عن دينها لعلهم يفلحون في تعويق التجديد الذي لم يستوعبوا حقيقته أو هالتهم مزاولة أعداء المشروع الإسلامي له فطفقوا يقاومون التجديد نفسه وليس ما قد يطرأ عليه من تزوير ولم تعيهم الحيلة الفقهية فهي دوما هنا سيف مسلط : سدّ الذريعة. وما سمعنا يوما لذريعة فتحت لتفتح أبواب الخير أمامها وكأن الذريعة لا تفضي إلا إلى الشرّ وكأن ما يصدر عن الإنسان كله شرّ. تسرّبات شديدة من الفلسفة اليونانيــــــة ( العقيدة المنويـــة ) التي قاومها العباسيون يوما بــــدار الحكمــــة لترجمــــة الإنتـــاج في الاتجاهين. أما عندما نقاوم الشرّ بسد الذريعة فحسب، فإننا نحكم على أنفسنا بالسجن المؤبد ومن يملك اليوم غلق نوافذ بيته؟ الثورات التكنولوجية حطمت كل القيود وسيثبت الإسلام أنه يطوّعها لخدمة مقاصده لأن الإسلام يسعى إلى الناس ببراهينه ولا يخاف الناس فيندحر عنهم.
الثورة هي عندي إذن وجه من وجوه التجديد الإسلامي المطلوب. لنقل هي إذن بذلك أو تأشيرة عبور إليه وذلك بسبب أن الاجتهاد الحر قبل الثورة لم يكن متاحا إلا في اتجاه واحد هو اتجاه ”تمسيح“ الإسلام و”تكنيس“ مؤسساته لتكون الأمة خادما أمينا مطيعا للدولـــة أي لتتحقق مقالة : شعب الدولة على حد تعبير الشيخ راشد الغنوشي بدل تحقق دولة الشعب. 
الثورة إذن فرصة متاحة لتقويم خطابنا الديني الإسلامي ومعالجة الضربات المؤلمة التي رزح تحتها طويلا في زمن ما قبل الثورة. الثورة تأشيرة لمراجعة خطابنا الديني الإسلامي التي هي بدروها خدمة لأهداف الثورة. وخدمة أهداف الثورة هي الطريق الصحيح إلى التجديد والتحديث والاجتهاد والبحث لتأمين الثــــورة من جانب أن تنقلب عليها ماكرات الليل والنهار ومن جانب آخر لبلوغ المقصد الأسمى الذي من أجلــــه جعلــــت الأمـــــة خير أمة أخرجت للناس أي: الشهادة على البشريـــــة جمعــــاء قاطبـــة. لا تكون الشهادة إلا بشروط منها : التزام الوسطية بين الأمم والتزام العدل في حمل العلم بمثل ما ورد في الحديث الصحيح : ”يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله : ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين“ . وشروط أخرى من مثل : الوحدة والتنوع والقوة والخير والحق والمرحمة وغير ذلك مما لا يجدر تفصيله هنا.
 
ما هي أهم جراحات خطابنا الإسلامي؟
 
ذلك يحتاج لسفر طويل ولكن لا بد من تعريج سريع تشخيصا للداء قبل وصفة الدواء. أهم تلك الجراحات هي : الإغراق في الماضي سواء بأمجاده ثناء أو ببكائياته رثاء من جانب أول. ومن جانب ثان العكوف على وصف الحالة المثالية وإبرازها وإظهارها على أنها الحالة المعيشة في تلك القرون الذهبية الأولى. ومن جانب ثالث عدم التوازن بين الغيب والشهادة إذ يحضر الغيب بكثافة بينما تغيب الشهادة في الأعم الأغلب. ومن جانب رابع التعويل على المنقولات من الأقوال والآثار كثيرا وخاصة في تقرير الأحكام ووعظ النفوس وما في الصحيح يغني وزيادة. ومن جانب خامس التزام التقليــــد إلى حد الببغاوية والقرودية والنفور من التجديد والتحديث والاجتهاد. ومن جانب سادس غياب المقاصدية في الخطاب وحضور التلقين الأعمى وغياب التحريرات العقلية والمصلحية التي ترغب في التدين وتنمي الفقه وتخصب الفهم. ومن جانب سابع غياب المقارنة والحال أن الخطاب الإسلامي قائم على المقارنة بصورة فريدة ممتعة. ومن جانب ثامن إختيار أسوإ الاجتهادات فيما يتصل بالمرأة والفن والدولة والمعاملات المالية بمــــا يضيق الخنــــاق على الحركة الإسلامية ـ بمعنى حركة الناس اليومية في الحرث وليس بالمعنى السائد اليوم ـ فتشلّ حركة الاقتصاد ويخيّم السكون وتعمّ البطالة أو ينحرف الناس نحو المحرمـــات غيـــر آبهيـــن. ومن جانب تاسع جهل بالواقع مريع جدا بما يبث في الوعي الشعبي العام بأن العلم بالواقع لا علاقة له بالدين ولا بالإسلام بـل هو حديث المسامرات والمقاهي أو حديث الإعلاميين والسياسيين دون غيرهم. ومن جانب عاشر انتهاك صارخ للغة العربية التي تزين الوحي الكريم المعصوم حتى ليصل الانتهاك إلى حد اعتلاء المنابر الفضائية غلمان لا حظ لهم مــــن اللغـــة العربيـــة حتى بما يقيمون به أودهم ليقرأ أحدهم الكتاب العزيز قـــــراءة صحيحـــة أو حديثا أو نصا أو ليعبر تعبيرا سليما. تلك هي أمثلة فحسب ولكـــن الجراحات أكثر من ذلك بكثير وثخوناتها أعمــــق مــــن ذلـــك بكثير. فإذا أردت تكثيف تلك الجراحات في عنوان واحد يجمع إليه كل ذلك فما عليــك إلا أن تقـــول : غربة موحشة من لدن بعض جوانب الخطاب الإسلامي عن النص الإسلامي متنا ومقصدا وأيلولة وغربة أخرى أشد إيحاشا من لدن بعض جوانب الخطـــاب الإسلامــــي عن محاله التي يتنزل فيها ويراد منه إصلاحها به. أي : انفصال الخطاب عن واقع الناس أو انفصال الخطاب عن أصله الديني.
 
أبرز معالم خطابنا الديني في عصر الثورة.
 
1 ـ معاودة الاتصال بالأصل النصي الصحيح الصريح وفيه ما يغني وزيادة عن إيراد المنخولات الساقطات والمرسلات المتروكات وخاصة فيما تعم به البلوى على حد التعبير التراثي القديم أي فيما يعدّ في المنهاج الإسلامي الراسخ قطعيّات متعلقة بالضرورات العظمى من مثل أولويات الدين والإنسان والعقل والمال والأسرة ووحدة الأمة ورعاية التعدد وإغاثة المكلوم المقاوم دون عرضه أو ماله أو بلاده وفتح المجال رحبا أمام الدعوة الإسلامية بحسب منهاجها المرسوم في الكتاب العزيز لم يفوت فيه حتى لنبـــي مرســـــل أي الكلمة الصحيحة الصادقة المعززة بالعلم الكفيلة بالإقناع.
2 ـ معاودة الاتصال بالوعاء الوفي والثوب القشيب الذي حمل الإسلام إلى العالمين نقيّا رقراقا صافيا زلالا فما عيي يوما أن يعرب ولا تلجلج يوما تلعثما أو ترددا حتى تعربت أمم وشعوب وقبائل ومجتمعات كثيفة بأسرها والتونسيون جزء من تلك الأمم المتعربـــــة. أي معاودة الاتصال باللغة العربية إذ في حفظها حفظ للإسلام نفسه والعكس دوما صحيح.
3 ـ مراجعة مساحات كثيفة من التراث السياسي والمالي والإداري وفي حقول أخرى من مثل المرأة والأسرة والفنون والإبداعات وذلك ابتغاء اجتهاد انتقائي ينتخب أقرب الاجتهادات إلى الإسلام في البداية ريثما يعد فرسان التحديث الإسلامي أنفسهم لمعركة فكرية واسعة تعيد التأسيس لفقه سياسي إسلامي أرشد وأنسب وأوفى إلى نصـــــوص الوحـــــي ومقاصـــده. أما التمادي على درب التقليد الأعمى بببغاوية مريبة وقرودية مفضوحة فإنه لا يؤسس لثورة ولكن يجهض الثورة قطعا. 
4 ـ معاودة الاتصال مع التشييد المتكامـــــل للخطـــاب الإسلامـــي أي إنبناء على النص من جهة وعلى مقصـــده مـــــن جهة أخرى وعلى أيلولته من جهة ثالثة وإخراج ذلك الخطاب في نسق معاصر مفهوم يراعي الإمكانيات اللغوية المدحوضة جدّا للشباب المعاصر من الذكور والإناث. أي تجنب التلقينات والتجريدات من جهة وتجنب التحشيات والتشريحات والمتون المقفلة من جانب آخر.
5 ـ اعتماد التأليف والترجمة في الاتجاهين سبيلا يعزر الخطابة المرتجلة وإعداد دعاة معاصرين وسطيين مؤهلين لذلك أصلا وعصرا ومظهرا ولسانا متعددا إحاطة بأكثر ما يمكن من الناس وعدم الاقتصار على رواد المساجد والمتدينين. 
6 ـ اقتحام المجالات الفنية الإبداعية من مثل التمثيل والسينما والتصوير والرسم والإخراج والأداء والغناء والموسيقى وتطويع ثمرات الثورات التكنولوجية لذلك ابتغاء تطوير الكلمة ـ التي هي مخ الرسالة الإسلامية والدعوة الإسلامية ـ  لتعانق أبعادهــــا الفنيـــــة التي لأجلها كانت. أما الحفاظ على الصــــورة الوحيــــدة للكلمـــة التي عدت من لدن الوحي الكريم ( أفضل الجهاد : كلمة حق عند سلطان جائر ) فذلك الجمود عينه والجمــــود لا يصنــــع حضـــارة ولا حداثة ولا ثقافة ولكن يصنع الإجترار.
7 ـ إيلاء التحديات الحقيقية العظمى التي تواجه الأمة الاهتمام الأكبر وذلك من مثل وحدة الأمة مع تنوعها الشديد وتحديد مقاصدها في الشهادة على الناس وتحديد شروط تلك الشهادة وتحديد الوسائل إليها. ومن مثل حق الأمة في المقاومة بتكافل وتعاون وتضامن. ومن مثل حق الأمة في استعادة أمرها الذي كلفهـــا الوحـــي بــــه أي الأمر السياسي والإداري والمالي لتقرير مصيرها تحت سقف قيادة واحدة لطي جراحات التجزئة والتبعية والانحطاط والتخلف ومن ذلك كذلك بيان الطرق الموصلة إلى ذلك من مثل الحرية والكرامة والعزة والحق في التعدد تحت سقف الوحـــدة الضابط. ومن مثل قضايا التنمية والاستثمار واستعمار الأرض لتحقيق الاكتفاء الذاتي والنزوع إلى التصنيع الفلاحي والتصدير والخروج من مربعات المديونية المخزية والمذلة ومن مثل قدسية مؤسسة الأسرة المنصوص عليها بالتفصيل في الوحي الكريم المعصوم وعمدتها المرأة الصالحة الواعية المؤمنة وتأهيل الدعاة والرواحل والعدول لبث الدعوة إلى الخير والحق والصبر والمرحمة وتحقيق التوازن الاجتماعي ومحاصرة أسباب الجريمة وتجفيف منابع الرذيلة وتعزيز الأمة بجهاز دفاعي ذاتي متين قوامه القيم الإسلامية وبث ثقافة الوسطية والاعتدال والتعارف والحوار بالتي هي أحسن وقبول التعدد الإسلامي والديني والمذهبي والفكري  وغير ذلك مما يرتقي إلى درجة واجب الوقت في الخطاب الإسلامي المعاصر.
8 ـ إنتاج خطاب إسلامي معاصر يمكنه التسلل إلى الإنسان من كل منافذه : خطاب للقلب يزكيه بالموعظة الهادئة البليغة ولكن بالنص الصحيح وليس بالمرويات المفعمة مبالغات كاذبة. وخطاب للعقل يعلمه على أسس المقارنة والمقاصدية والسننية والسببية والعلمية وغير ذلك. وخطاب للفرد ينمي فيه الثقة في النفس دون غرور ويخصب فيه الانتماء إلــــى الجماعــــة دون ذوبــــان. وخطـــاب إلى الجماعة يعزّز فيها التكافل دون سحق التعدديات الفردية. وخطــــاب إلــــى المـــرأة عنوانــــه : إنما النساء شقائق الرجال. لهن ما عليهـــن بالمعــــروف فـــي الأسرة وفي المجتمع. وخطاب إلى غير المتدينين وغير المسلمين قوامه : الناس سواسية كأسنان المشط. خطاب جامع متعدد يراعي الضرورات والحاجات والواقعيات والنوازل وواجبات الوقت كما يراعي المكان والحال والأعذار. خطاب يوازن بين الواجب وبين الممكـــن ويــــــوازن بين الفوري وبين المؤجل ويوازن بين الكفائي وبين العيني ويوازن بين العزيمة وبين الرخصة. خطاب قوامــــه التبشيـــر لا التنفير والائتلاف لا الشقاق واليسر لا العسر ويقدم عمل القلب على عمل الجارحة تقديم أولوية فحسب. خطاب قوامه غرس اليقين في النفوس والأمل والرجاء فـــي الله وفي عباد الله وليس الجدل العقدي الكلامي الفــــارغ ولا اليأس والقنوط لا في الله ولا في الناس. خطاب يجمع ولا يفرق مهما بدت الاختلافات كبيرة وعميقة. إنتاج خطاب إسلامي معاصر يؤسس لحياة فوق الأرض حقيقية تترجم فيها تلك المعاني والقيم قدر الإمكان إذ لا يصنع الخطاب وحده أي شيء ولكن تعزره التجربة الناجحة.
 
خلاصة مركزة
 
1 ـ الخطاب الإسلامي أسّه الأول المسؤول هو الوحي الصحيح الصريح المعصوم وعليه ينشأ الخطاب الإسلامي التفسيري والتأويلي والعلمـــي والدعـــوي أي ما أنجزه التراث ومازال ينجزه ولا عصمة لما ينشأ عن الخطاب الإسلامي المؤسس الأول إلا بما يشهد له ذلك الخطاب.
2 ـ الخطاب الإسلامي الأساس الأول فيه مساحتان : قطعية وظنية. أما القطعي منه فلا يخضع للتبدل ولكن يعمق لحسن فقهه وحسن فهمه واستنباط مقاصده ومعرفة معانيه وتحقيق أيلولاته وبلوغ محاله وتبينها وهو يستخدم مادة علمية ومادة دعوية والصراط المستقيم في العلم والدعوة إنما هو فــــي التكافــــل حول أس تلك المساحة القطعية. وأما المساحة الظنية فهي محل الاختلاف والتعدد والتنوع لخدمة الأس الأول الضابط من جهة وللحث على الاجتهاد والتحديث والتجديد وهو خاضع للتبدل بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف ومؤهلات الناس من جهة أخرى ولو ثبت على تأويل واحد لتجمدت الحياة وأسنت وتعطلت مصالح الناس.
3 ـ يمكن تقسيم الخطاب الإسلامي تقسيمـــات أخرى من مثل الخطاب العلمي والخطاب الدعوي والخطاب الحكمي والخطاب الترغيبي والخطاب الترهيبي والخطاب القصصي والخطاب التمثيلي والخطاب المباشر والخطاب غير المباشر والخطاب المناظر والخطاب الواعظ والخطاب المجادل والخطاب السياسي والخطاب الخاص والخطاب العام وأنواع أخرى كثيرة ولكن لا نلج ذلك هنا للحيولة دون الإسهاب والإطناب.
4 ـ كلمة الفصل في تبدل الخطاب الإسلامي هي : يثبت الخطاب الإسلامي القطعي في متنه وأصله وحكمه ولكن تعمق معانيه لخدمة الدعوة والعلم و يجتهـــــد في الخطاب الإسلامي الظني والغـــرض من كل ذلك هو : مراعاة الزمان والمكان والحـــــال والعــــرف وما عرف عند طلبة العلم بموجبات تغير الفتوى والأحكام الظنية أو ذات الأساس  الظني ابتغاء خدمة مصلحة الناس إذ تلك هي رسالة الإســــلام الأولى وذلك هو مقصده الأسنى وذلك وفق شروط العمل بالمصلحة من تضييقات الغزالــــــي (505هجري) إلى توسيعات المستدركين عليه من مثل الشاطبي وغيره.
5 ـ أساس ذلك هو أن الكلمة التي هي مخ الخطاب تصنع العقول وتسوق الناس وتبين لهم الطريق الأرشد بــــــل تسبــــق العمل الذي يؤسس لمحاضن مجتمعية تترجم فيها معاني تلك الكلمة وقيم ذلك الخطاب.
6 ـ إذا كان الخطاب الإسلامي في أي صورة من صوره خادما لمقاصد الإسلام ولو بصور حديثة غير مألوفة فهو خطاب إسلامي نافع ووفي لمعينه أما إذا كان الخطاب الإسلامي غريبا عن أصله النصي أو المقصدي أو غريبا عن تحقيق المناطات بالتعبير الأصولي أو غريبا عن حمل آلام الناس ونقل آمالهم فهو خطـــاب إلى التمسيح أدنى وإلى التكنيس أقرب.
 
هوامش :
 
(1 ) ـ الأنتروبولوجيا : دراسة الإنسان أو علم الإنسان.
(2 ) ـ العالمانية : بمد العين المفتوحة. هو الإختيار الذي أتبنــــاه من لدن المفكر المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري أي نسبـــة إلى العالم أو الدنيا وليس إلى العلم بكسر العين.
(3 ) ـ الآية عدد 20 من سورة الإسراء المكية.
(4 ) ـ الآية عدد 28 من سورة فاطر المكية.
(5 ) ـ الآيتان عدد 27 و 28 من سورة فاطر المكية.
(6 ) ـ أرشد تعبير عما فعله الفاروق عمر في ذلك هو ما هدي إليه المرحوم الشيخ المدني الذي قال بغياب المحل أي غياب محل التطبيق في العصر الفاروقي ولذا إرتفع الحكم فلا هو عطل بحسب تعبير المدرسة المادية ولا هو أستثني ولا أجل ولا عدل عنه. أرشد تأويل هو تعليق التنفيذ بسبب غياب المحل رغم حضور الحكم وحضور مقصده وغياب المحل يعيق حصول أيلولته.
————————-