مواقف وآراء

بقلم
عادل دمّق
خلط بين الدين والسياسة !!

 طالعت باهتمام شديد مقالا كتبه رائف بن حميدة بجريدة الصباح ليوم 26 فيفري 2013 جاء فيه : ”الفرق بين الدين والسياسة كبير.. كبير، كالفرق بين الغريزة والروح!!..وأوضح دليل هو أنّ كبار العلماء لم يقرَبوها، وفيهم من لعنها بصريح العبارة(محمد عبده)، ولو كانت السياسة حقا من" فرائض الدّين "كما يزعم أصحاب الأهواء لكان أخيار العلماء هم السباقين اليها.. أما الآن وخلال ما أسموه "الربيع العربي" وما أتى به من كوارث دمرت باسم الهرطقة الدينية، كل ما بناه العرب والمسلمون تبيّنَ لكل ذي عقل وذي أدب الفرق بين الإثنين!.الدين ثوابت مقدسة، بينما السياسة متغيرات جدلية. فأي جمعٍ يجمع بين النقيضين!؟“ ولأن موضوع ”الدين والسياسة“ ذو أهميّة أردت أن أكتب فيه من خلال نقد ما جاء في الفقرة المذكورة أعلاه.

لم ينطلق الكاتب من مفاهيم محددة ولا من وقائع دالة وإنما تداعيات حرة تجلّي تحيز فكري يحرف الإدراك ويضلل التحليل ويبهم الخطاب - ما دلالة تأكيده :" الفرق بين الدين والسياسة كبير.. كبير كالـــفرق بين الغريزة والرّوح ''. المقارنة منطقيّا لا تصحّ ، ولكن أقف أمامها موقف المحلل النفسي ، نتبيّن من القولة المذكورة تهافت النظر. أليست الغريزة في حاجة إلى الروح لتسمو بالإنسان كما بيّن ذلك ”سقموند فرويد“ في نظرية الغرائز: « لا نستطيع أن نتخيل سمة أكثر تمييزا للحضارة من القيمة المعلقة على النشاطـــــات النفسية العليـا من انتاجات فكرية وعلمية وفنية ولا مؤشرا ثقافيّا كالدور القيادي المنسوب إلى الأفكار في حياة البشر وبين هذه الأفكار، تحتل الأنظمة الدينية أرفع مكانة . فسواء أحاولنا أن نرى فيها مجرد هذيان، فإننا مضطرّون في الأحوال جميعا إلى الإقرار بأن وجودها وعلى الأخصّ رجحان كفتها وتفوقها يدل على مستوى رفيع من الثقافة والحضارة ».
أليس روح الدين الإسلامي السمـــوّ بالغرائــــز : ((هُوَ الَّذِي بَعَــــثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)) سورة الجمعة آية 2 
 
كيف يتواصل الديني مـع الاجتماعي ؟
 
يميّز الاسلام بين مجالين متباينين :
1-مجال التشريع
2 –مجال الإدارة ( التدبير)
اختص الله بالتشريع حتى يجنّب الفاني قهر الأهواء والقصور والكبر ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) سورة يوسف آية 40.
 أما الإدارة فقد أوكلها لعموم المؤمنين ((وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ )) سورة الشورى آية 38. وهو بذلك يسلك طريقا وسطا بين النظام الكهنوتي والنظام الوضعي:
◄النظام الكهنوتي يرجع كلا من التشريع والادارة للإرادة الالاهية 
النظام الوضعي يرجع كلا من التشريع والإدارة للإرادة البشرية 
◄النظام الاسلامي يرجع التشريع لله والادارة للارادة البشرية: ((وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ )) سورة الشورى آية 38
شرّع الله للبشر لأن الفاني لا يحيط بالعلــم ولا الحكمـــــة ولا العـــدل ولا الاحسان – بين ماركس بحق أن القوانين والأعـــراف السائــــدة في أي مجتمع هي قوانين وأعراف الطبقة الحاكمة المالكة، فمن رحمة الرحمان الرحيم أن سلب البشر الحاكميّة :(( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) سورة المائدة آية 50. 
نموذج النظام الاسلامي هو منتهى طموح عقلاء الفلاسفة والمفكرين في الشق والغرب :
◄يعلّق الأستاذ زكرياء إبراهيم على كتابات روسو: « المثل الأعلى في نظر روسو، لما كان القانون هـــو تعبير عـــن الإرادة العامــــة فإن من الواضح أنه لا سبيل إلى تمثيل الشعب في مجال السلطة التشريعية، بل إنما يكون التمثيل فـــي مجـــال السلطـــة التنفيذيـــة التي هي عبارة عن القوة مطبقة على القانون». مشكلة الحرية–ص 252
◄بين الشيخ محمد رشيد رضا ، معلّقا على الآية 37 من سورة الشورى (( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)):
 ” ليس بين القانون الأساســـي الذي قررتـــــه هذه الآيـة وأمثالها على إيجازها وبين القوانين الأساسية لأرقى حكومات الأرض في هذا الزمان إلا فرق يسير ، نحن فيه أقرب إلى الصواب منهم إذا نحن عملنا بما هدانا إليه ربنا. هم يقولون أن مصدر القوانين الأمـّة ونحن نقول بذلك فـي غير المنصوص عليه في الكتاب والسنة“. ويضيف: ”أكد الإمام أن الشورى الإسلامية أقرب إلى الصواب من الديمقراطية، ذلك أن هذه الحكومات توجب العمل برأي الأكثرية عند الاختلاف، أما المسلمون فإن ما يختلفون فيه يردّوه إلى الكتاب والسنة ويعرضونه على أصولها وقواعدها. فالأكثرية لا تصيب دائما الحق ولا يطمئن مجموع الأمـة بالتالي إلى رأيها“. تفسير المنار –ج5 –ص189 
◄يقول كانـــط: ”من المهيـــن للعقل البشـــري أن لا يصل إلى شيء في استعماله المحض – بل يكون بحاجة أكيدة إلى الانضباط لقمع انحرافاته ووقايته من الأوهام الناجمة عنها ...للعقل البشري هذا القدر الخاص : أيكون محاصرا بأسئلة لا يمكنه ردّها -لأنها مفروضة عليه بطبيعة العقل نفسه و لا يمكنه أيضا أن يجيب عنها لأنها تتجاوز كليّا قدرة العقل البشري ..من أين لنا أن نولي عقلنا الثقة حين لا يتخلى عنا في ناحية من أهم نواحي فضولنا المعرفي فحسب بل أيضا حين يجعلنا نتلهّى بسراب ليخذلنا ويخدعنا في النهاية ...“  نقد العقل المجرّد -صفحات 34 و381و358 .
◄ ”يسعى الكائن بلا كلل وراء المطلق - الضروري ويري نفسه مضطرا للتسليم بوجوده - دون أن يكون لديه مسلك يمكنه من تفهم طبيعته. وما أشد ما تكون سعادته لو وفق الى العثور على التصور الذي يتفق مع هذا الافتراض وعلى ذلك فالإرادة الحرّة والإرادة الخاضعة للقانون الكلي الشامل شيء واحد بالذات“-
كتاب تأسيس متافزيقا الاخلاق - صفحات 104 و 133 من النسخة العربية -ترجمة د . عبد الغفار مكاوي.
◄يقول هيجل : ”إن التحديد الذاتي يستلزم سمة أخرى هي الإكتشاف الذاتي، ومن ثمّ يحتاج إلى التربية“ هيجل و الديمقراطية –ص 381 .
◄ ويقول أيضا ”و تولد مثل هذه التجربة رغبة وشوقا للنظام الاخلاقي الموضوعي الذي يرتقي ( ينحدر ) إليه المرء بنفسه طواعية وبسعادة الى مرتبة العبوديـــة والخضوع الكامــــل إذا أراد أن يفلت من عذاب الخواء والسلب“  العقل في التاريخ ص23