في الإصلاح التربوي

بقلم
حسن الجمني
البكالوريا التونسية تفقد دلالتها

    نفى السيد وزير التربية في الحكومة المؤقتة عبد اللطيف عبيد إمكانية التخلي عن احتساب نسبة 25 بالمائة من المعدل السنوي للتلميذ في امتحان الباكلوريا خلال هذه السنة  2013/2012    .

   وأوضح الوزير (1) أن الموضوع مطروح للدرس مؤكدا تواصل احتساب هذه النسبة للعام الدراسي الحالي.
    ويتعارض هذا التصريح مع ما  أوردته وكالات الأنباء وراديو (شمس أف أم ..الخميس 30 أوت 2012 ) من «إلغاء نسبة 25%  المعتمدة في مناظرة البكالوريا بدءا من العام الدراسي 2012-2013 . وقال وزير التربية في تصريحات سابقة أن نسبة الـ25% المستخدمة في مناظرة الباكالوريا تقلل من مصداقية هذا الامتحان الوطني للتلاميذ للمرور إلى المرحلة الجامعية، مضيفا أنه تم ملاحظة نتائج ضعيفة للطلبة بعد التحاقهم  بالجامعة بسبب اعتماد هذه النسبة، بحسب تعبيره» (2). ودعا الوزير(يومها) إلى اتخاذ اجراءات "عاجلة" و"شجاعة" لمراجعة مناهج التعليم في تونس، مؤكدا على أن نسبة الـ25% سيتم الغاءها بداية من بكالوريا 2013.
   والباكالوريا لفظ لاتيني (bachalariatus) كان يطلق في البداية على المبتدئ في الفروسية. ثمّ أصبح  يطلق على شهادة علميّة. هي شهادة ختم التعليم الثانوي في بلدان المغرب العربي  تونس والجزائر  والمغرب وموريتانيا، كما في سوريا ولبنان والعراق، وتفتح للحاصلين عليها باب التعليم العالي.
  وأحدثت هذه الشهادة في  بلدان المغرب العربي تحت الاحتلال الفرنسي، وكانت امتحاناتها تجرى على سنتين، بحيث يحصل التلميذ المعهد الثانوي في نهاية دراسته على الجزء الأول ثم الجزء الثاني. وكان عدد المحرزين عليها ضئيلا جدا : ففي تونس مثلا «لم يتعد عدد الناجحين سنة1891 الستة من بين التلاميذ المسلمين، وبلغ مجموع الناجحين منهم إلى سنة 1918: 123 تلميذا. وفي سنة 1927 لم ينجح إلا 27 تلميذا مسلما وفي سنة 1938، بلغ عدد الناجحين58.»(3)
أمّا بعد الاستقلال، وفي سنة 1974 أصبحت امتحاناتها تجرى على دورة واحدة، ومن ينجح في الكتابي يجري امتحانا شفويا، واستمر ذلك إلى أواسط السبعينات من القرن الماضي.
   وشهد عهد حكم بن علي تراجعا كبيرا في مستوى نتائج التعليم من الناحية النوعية مقابل ارتفاع في عدد الناجحين. ويعود ذلك خاصة إلى حذف الكثير من المحطّات التقويمية الوطنية التي تشجّع المتعلّمين وأوليائهم على الاعتناء بالتحصيل المعرفي. فقد تمّ التخلّي تدريجيا عن مناظرة الدخول إلى المرحلة الإعدادية بدعوى مقاومة الرسوب الغير دال، دون تعويض ذلك الامتحان الوطني بامتحان يفضي إلى توجيه المترشحين الناجحين إلى شعب مختلفة في المرحلة الإعدادية مثلا.
   وبداية من 2003 تقرّر احتساب 25 بالمائة من المعدل السنوي للتلميذ في امتحان الباكلوريا لكي يرتفع عدد الناجحين. (4) 
   والتخلي عن احتساب نسبة 25 بالمائة من المعدل السنوي للتلميذ في امتحان الباكلوريا قد يكون أول خطوة في إصلاح التعليم بتونس. لأنّه قد يساهم في تحسين مردود الجامعة التونسية، التي نرفض أن تكون مفتوحة لكل من هب ودب. فلا نقبل أن يرتادها  إلاّ  الطالب الذي أثبت أنه مؤهل كي يدرس فيها ولنا في مستوى طلّابنا فيها خير دليل، حيث نجد طالب سنة ثانية لا يستطيع تحرير مطلب ...وهو أمر غريب لكنه واقع نعيشه أمام تردّي المستوى التعليمي .
  ونقرأ تصريحا للسيد وزير التربية يشير إلى كثرة الشكاوى من قبل الجامعات والمعاهد العليا ومن قبل الاطارات الجامعية والباحثين من ضعف وتدني المستوى التعليمي للطلبة الناجحين في الباكالوريا، بسبب احتساب نسبة 25 بالمائة من المعدل السنوي في امتحان الباكالوريا. وبدوره، قال المدير العام للشؤون الطالبية «إنّ مسألة اعتماد نسبة 25 بالمائة من المعدل السنوي كعنصر من عناصر الارتقاء في الباكالوريا "تقلص من مصداقية" هذه المناظرة الوطنية المصيرية في مستقبل الطلبة والبلاد ككل».
وقال السيد المدير العام :«وصلنا في امتحان الباكالوريا إلى فارق 10 نقاط كاملة بين نتائج السنة ونتائج الامتحان النهائي للباكالوريا"، موضحا أنّ هناك طلبة يتحصلون في وسط السنة الدراسية على معدلات في بعض المواد تصل إلى 17 على 20 نقطة، بينما معدلاتهم لا تفوق 7 على 20 في الامتحان النهائي للباكالوريا». (5) 
كما تفيد معطيات وزارة التربية بأن نحو 15 بالمائة من الناجحين في امتحانات الباكالوريا يدينون في ذلك للـ 25بالمائة. وسجلت الدورة الأولى من باكالوريا 2012 نجاح حوالي 8 بالمائة من مجموع عدد الناجحين بفضل احتساب النسبة المضافة وهو ليس بالأمر الهيّن باعتباره يعادل تقريبا خمس الناجحين.(6) 
كما ينتسب معظم المستفيدين بالإجراء إلى التعليم الخاص فيما لا تحتاج نسبة 80 بالمائة من تلاميذ العمومي لهذا الإجراء معولين على النجاح باستحقاق.
وإذا أضفنا إلى أسباب الضعف المذكورة آنفا كثرة الغش وما جدّ من تقنيات جديدة فيه، زادت نسبة النّاجحين في البكالوريا دون استحقاق.
ومن يطلع على ترتيب الجامعات Ranking Web of Universities الصادر يوم 7 فيفري 2013 والذي تحتل فيه أول جامعة تونسية وهي جامعة تونس الافتراضية المرتبة 4316 على مستوى العالم والمرتبة 77 على المستوى الإفريقي والمرتبة 72 على المستوى العربي(7) يتأكد من تدني ترتيب الجامعات التونسية عالميا.
ويحرم تدني ترتيب الجامعات التونسية عالميا الكثير من خريجي  جامعتنا من فرص العمل بنجاح  في بلدنا وفي  البلــــدان الأجنبيــــة ويجعـــل مواصلـــة التعلّم في اختصاصات علمية متطورة بجامعات أجنبية صعبا.
ونرى ضـــــرورة مواصلــــة الحــــوار والاستمــاع إلى المقترحات والتوجهات البديلة المطروحة للتخلّي عن الـ 25 بالمائة قصد الوصول إلى تمش مرحلي وتدرجي في الإلغاء ، يرمي إلى ضبط سقف فارق بين المعدل السنوي ومعدل امتحان الباكالوريا لا مجال للنزول تحته. فحصر احتساب هذه النسبة في من تحصل على معدل يفوق 8 من 20 خلال دورة بكالوريا 2014 على سبيل المثال، والترفيع في السقف إلى 9من20في البكالوريا لسنة 2015، وصولا إلى التخلّي النهائي بداية من 2020 عن هذه الآلية قد يكون حلاّ توفيقيا ملائما بشرط العودة إلى امتحانات وطنية مرحلية تسبق امتحان البكالوريا تهيئ التلاميذ له نفسيا ومعرفيا واجتماعيا.
   وهو حلّ لا  ينفي ضرورة مراجعة منظومية شاملة للنظام التربوي التونسي بما يعنيه من تطوير لمنظومة التقييم ومنظومة التعليم والتوجيه والزمن المدرسي على أن لا تتمّ تلك المراجعة في قاعات ضيقة بوزارة التربية بل يجب أن يشمل  الحوار الفاعلين التربويين في مختلف جهات البلاد وفي مختلف المؤسّسات التربوية. 
    فهذا القرار بتأجيل النظر في التخلي عن احتساب نسبة 25 بالمائة من المعدل السنوي للتلميذ في امتحان الباكلوريا وإن بدا نابعا من خوف الحكومة من ردة فعل التلاميذ الذين لن يفوّتوا فرصة لتعطيل الدروس ، أو خوفا من استغلال منافس سياسي لذلك في تأزيم الوضع. وحتّى إن بقي التقرب من الشعب هو أصل قرارات الحكومة حتّى عندما يكون في غير  مصلحته ، سأجنح إلى التفاؤل لأقول: لعلّه يكون في هذا التأجيل خير وفرصة لمزيد التفكير في البدائل.
 
الإحالات
 
(1) في تصريح لموزاييك اليوم الخميس 14 فيفري 2013 
(2)   - http://www.africanmanager.com/site_ar/detail_article.php?art_id=10800
 (3) موسوعة "ويكيبيديا " 
 على الأنترنتhttp://ar.wikipedia.org/wiki/بكالوريا.
(4) بلغ عدد الناجحين في الدورة الرئيسية وفي دورة المراقبة لامتحان البكالوريا في جوان 2011 :79 الف و425 ناجحا وناجحة اي بنسبة 63 فاصل 90 بالمائة (قرابة64℅ أي ثلثي المترشحين)من مجموع المترشحين لهذا الامتحان الوطني.
(5) -http://www.tunisia-mix.com/vb/showthread.php?p=239697
(6) - http://www.lesagendas.tn/news/160.html
(7) - http://www.webometrics.info
———————