موقف سياسي

بقلم
يسري بوعوينة
نداء تونس أو النسخة الثانية من حزب المؤتمر

 يحتلّ حزب نداء تونس منذ تأسيسه مكانا متميّزا في الساحة السياسية التونسية كما أن الأضواء الإعلامية مسلّطة عليه بشكل لافت بين من يعتبره منقذا لتونس من براثن الإسلاميين ومن حالة التخبط التي تعيشها البلاد ومـــــن يعتبــــره استنساخـــا للتجمع الــــذي انتقلــــت روحـــه وكــــوادره إلى هذا الحزب الجديد. بعيدا عن هذا الرأي الممجّد و الآخر المشيطن، يبدو لي حزب نداء تونس استنساخا لتجربة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتشابه معه في عديد النقاط التي سنستعرضها لاحقا وهو ما يدعونا للتساؤل حول مستقبل هذا الحزب الجديد القديم.

أولا : المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أراد باعثه المنصف المرزوقي أن يكون جامعا لشمل التونسيين على إختلاف أطيافهم وانتماءاتهم الإيديولوجية فشل بامتياز في أن يحافظ على وحدته وانسجامه وتبعثرت إطاراته و كـــوادره بيــــن مختلـــف الأحــــزاب بل إن عبد الرؤوف العيادي الوجـــه التاريخــــــي للحزب انسحب من المؤتمر ليؤسّس حركة وفاء. قــــد تكـــون المرتبـــة الثالثـــة في انتخابات 23 أكتوبر 2011 هي أول وآخر إنجاز لحزب المؤتمر فهو يشهد منذ ذلك التاريخ انسحابات و غلق مقرات وليست له صحيفة ناطقة باسمه إلى حد الساعة (نداء تونس أيضا ليست له صحيفة خاصة به ولكن عديد وسائل الإعلام مجنّدة لخدمته والتعريف ببرامجه والدفاع عنه) إضافة إلى تراجع شعبيته بصورة كبيرة تنبأ بفشل ذريع مرتقب في الانتخابات القادمة. هذه التجربة ”المؤتمرية“ تعاد الآن تحت اسم جديد هو ”نداء تونس“ فبين هذين الحزبين عديد نقاط التشابه التي يمكن أن نوجزها كما يلي:
◄(1) جمع حزب المؤتمر منذ انطلاقته مختلف أصناف الطيف السياسي في تونس من إسلاميين ويساريين وعلمانيين وغيرهم وكان هذا الشمل الملتئم يوجّه سهامه لنظام الاستبداد "الزفت-مبري" في حين أن الباجي قايد السبسي حاول أن يجمع مختلف الفاعلين السياسيين في تونس ضد طرف معيّن هو حركة النهضة الإسلامية ولذلك رأينا محمد الكيلاني مع محسن مرزوق مع خميس كسيلة مع إبراهيم القصاص مع الطيّب البكوش وغيرها من الأسماء التي كنا نخال أنها لن تجتمع إلا في يوم الحشر. لا فائدة أن نعيد استعراض مآل حزب المؤتمر وكيف تمزّق إربا إربا وذهب دمه هدرا بين القبائل السياسية وهذا الغياب للإيديولوجيا أو للرابط الجامع هو نفس ما يهدّد نداء تونس وإرهاصات انعدام الانسجام بدأ تبرز منذ الآن في صفوف هذا الحزب.
◄(2) يعوّل نداء تونس كثيرا على شخصيـــة الباجي قايد السبسي و على كاريزما الرجل ليجذب الأنصار والناخبين وهذا تقريبا ما فعله المؤتمر من قبل ذلك حينما جعل المرزوقي هو المؤتمر والمؤتمر هو المرزوقي، بل إننا سجّلنا من يقول في الانتخابات الفارطة "صوتت للمرزوقي" معتبرا الرجل كحزب فـــي حد ذاتـــه. لا فائدة أن نسرد هنا آثار الغياب الفجئي للقائد الرمــز أو الأسطـــورة بموت أو عجز وما يستتبع ذلك من آثار كارثية على الحزب.
ثانيا: لا يملك نداء تونس برنامجـــا واضحـــا ومميـــّزا عن غيره من الأحزاب فبعد ديباجة تمجّد الحرية والكرامة والدولة الديمقراطية والمدنية يأتي البرنامج الاقتصادي والاجتماعي وهو العمود الفقري لأي حزب بشكل يكتنفه الغموض والضبابية ولا يحمل سوى عبارات فضفاضة لا تختلف عن برامج بقية الأحزاب بما فيها حركة النهضة الحاكمة حاليا مع كلمات مفاتيح مثل توفير مواطن شغل ودعم البنية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار وإعادة رسم الخريطة الاقتصادية بشكل يضمن توازنا أكثر بين الجهات.نفس الأمر تعرّض له المؤتمر الذي جعل برنامجه الوحيد الانتصار على الاستبداد وإزالة النظام النوفمبري لتأسيس دولة الكرامة فيها للمواطن والسيادة للشعب ونسي في خضمّ ذلك أن يستعدّ لمرحلة ما بعد بن علي فوجد نفسه يلوك هو الآخر برامج اقتصادية واجتماعية جاهزة معدة للاستهلاك الإعلامي وليس للواقع المعيش وقد حاول تجاوز ذلك من خلال تضخيم قضية المحاسبة ومقاومة الفساد والتركيز عليها دون غيرها من القضايا.
ثالثا : نداء تونس جعل حركة النهضة شغله الشاغل تماما كما كان يفعل المؤتمر مع نظام بن علي وهذا خطأ فادح لأن المهم بالنسبة لحزب ما ليس أن يزيح حزبا آخر عن السلطة ولكن أن يعدّ نفسه لخلافته وأخذ مكانه باقتدار ونجاح ويكون ذلك بعرض برنامج كامل ومتكامل وليس فقط التعويل على أخطاء حركة النهضة مثلا والتركيز عليهــــا دون غيرهـــا فالناخـــب لـــن ينتخب حزبا يقتصر برنامجه على معادة حزب آخر.
رابعا: كثرة "الرؤوس الكبيرة" أو القطط السمينة في حزب الباجي وهـــي وإن كانـــت إيجابيـــة من ناحية استقطاب الأنصار والترفيع في أسهم الحـــزب في بورصـــة الانتخابـــات. فهي أيضا ستتسبّب في صراعات زعاماتية (عدم دخول كمال مرجان لنداء تونس والرغبـــة الجامحة في المناصب التي يبديها الطيب البكوش مثـــلا). هذا الأمر سبق أن عاينـــــاه فـــي المؤتمـــر وخاصـــة في الصراع على منصب الأمانة العامة بين الطاهر هميلة وعبد الرؤوف العيادي وخروج عديد القيادات التي شكّلت أعمدة الحزب في السابق.
كل نقاط التشابه هذه لا تعني أن نداء تونس سيواجه نفس مصير المؤتمر، فكل حزب له طابعه ومميزاته وظروفه ولكن من المشروع أن نتساءل عن بقاء ائتلاف هذه الاطياف وتجانسها داخل نداء تونس في حال هزيمة الحزب في الانتخابات المقبلة خاصة وأن بعض الأطراف دخلت الحزب مع سبق الإصرار والترصّد لاقتسام الغنيمة وليست مستعدة لاقتسام الفشـــل وتحمّلـــه. نفـــس الســـؤال يطـــرح في صورة أجبرت الانتخابـــــات القادمــــة حزب النهضـــة والنداء على الدخول في تحالف وحينها قد نشهد انقساما داخل صفوف الحزب بين مؤيــــد للتحالــــف مـــع النهضة ورافض له ومنسحب من الحزب أصلا.
أخيرا، في صـــورة الفــــوز الكاسح لنداء تونس في الانتخابات القادمة قد نشهـــد صراعــــا على التعيينات في المناصب قد تكشف عن صراعات خفية في حزب أسال كثيرا من الحبر مثلما أسال ملهمه وسلفه الدستوري (بشقّيه البورقيبي والتجمعي) كثيرا من الدم قبل أن ينقشع لترى تونس أنوار الحرية .