وثائق تاريخيّة

بقلم
د.سالم العيادي
البيان التأسيسي لمنتدى الفارابي للدراسات والبدائل ﴿هويّة مبدعة في مدى الحرّيـّـة والكرامة﴾

 توطئة

 
ليس هذا البيانُ التّأسيسيُّ نصًّا مغلقًا ونهائيًّا، وإنّما هو مقاربة أوّليّة مفتوحة نعلن بها عن وجود المنتدى خيارًا فكريًّا ثقافيًّا منتظمًا وفق مقتضيات العمل المدنيّ الجمعيّاتيّ. 
ولمّا كان المنتدى مشروعًا جماعيًّا - فيما يشبه مشاريع فرق البحث والجماعات العلميّة - فإنّ من شأن هذا البيان التّأسيسيّ أن يكون معنيًّا بالجوانب الإجرائيّة التّرتيبيّة بقدر اهتمامه بالقضايا المنهجيّة والنّظريّة. غير أنّ هــــذا الأمــر لا يلغي حرّيّة كلّ عضو من أعضاء المنتدى في الإبداع الفكريّ والثّقافيّ والفنّيّ خارج الإطار النّظريّ والترتيبيّ للمنتدى. بل إنّ تلك الحرّيّة - بما هي مسافة ذاتيّة فارقيّة - مطلوبةٌ حتّى لا يتحوّل المنتدى إلى إطار مذهبـــيّ مغلــــق أو حلقة مدرسيّة منضبطة فتتعطّل بذلك شروط التّفرّد الملهم وتتقلّص القدرةُ على اكتشاف مدارات للتّفكير جديدة وآفاق للإبداع مغايرة. ونحن نسعى – باعتبارنا جماعةً فكريّةً - من وراء المساهمة في البناء الفكريّ والثّقافيّ العامّ إلى:
◄تعزيز شروط الإبداع الإنسانيّ في جميع ميادينه وفتح آفاق جديدة للتواصل والحوار. 
◄تعميق الوعي الجمعيّ بمعنى الانتساب إلى العروبة والإسلام وإيجاد التّعبيرات الثّقافيّة الكفيلة بتجسيد هذا الانتساب في المستويات المختلفة للإنتاج والتّبادل المادّيّ والرّمزيّ.
◄الانخراط في المشروع الوطنيّ- الثّوريّ بما هو مشروع إصلاح جذريّ للفكر والدّولة والمجتمع. 
والمنتدى معنيٌّ بالكشف عن: 
◄أسس البناء”العقلانيّ- النّقديّ“ للمشروعيّات، معرفيّةً كانت أو تربويّةً أو حقوقيّـــةً أو تاريخيّــةً أو سياسيّةً... 
◄أسس البناء”العقلانيّ- التّواصليّ“ للتّدبير العمليّ لحياتنا ”المدنيًّة“ و”الملّيًّة“ و”المعموريّة“. 
ونحن لا نرى الممارسات الفنّيّةَ والمنظورَ الجمـــاليَّ للحيـــاة والوجــــود خارج ذلك البحث في الأسس، وإنّما نراهما في صميم المباحث الفكريّة والثّقافيّة الجوهريّة. والمنتدى ملتزمٌ في كلّ مراميه بقضايا التّحرّر والكرامة والعدالة.
هويّة المنتدى
◄يستند المنتدى من حيث الأسس النّظريّة العامّة إلى خيارات ثلاث تنبني على ضوئها علاقته بالفكر والواقع والتّاريخ هي:
● نحن”نتوجّه في التّفكير“ من أجل توليد المعنى والتشريع للقيم. ولا يتسنّى لنا ذلك ما لمْ نراجع جذريًّا مقولات الفكر ونستشكل أسئلته الكبرى من منظور المقام الرّوحيّ والإيتيقيّ لكينونتنــــــا الحضاريّة كأمّة من ناحيـــة، ومن منظور السّياق الثّوريّ الرّاهن من ناحية أخرى. 
● لا تَمَانُعَ عندنا بين صداقة المفهوم (الصّرامة المعرفيّة) وصداقة العموم (الانخراط في الشّأن العام). بل لا خيــــر في فكر لا ينخرط في التدبير المدنيّ للحياة. ونحن نعمل على تشكيل الفضاءات المختلفة لالتقاء الصّداقتين، وذلك لأجل تعميم المعارف والفضائل الفكريّة والخُلُقيّة و تهذيب الأذواق وتقاسُم السّعادة.   
● ونحن بقدر ما نرى أنفسَنا امتدادًا لماض وأثرًا لتراث، فمن معينه ننهل ومن مشكاته نقتبس، نرى أنفسَنا منتسبين إلى المستقبل فَعَلَيْه نُقبل مجتهدين وإليه نسعى مجدّدين. وتحرّرُ الأمّة ورقيُّها مشروطان بهذا الإدراك المستقبليّ لمعنى الهويّة والتّمثّل الإستشرافيّ  لرهاناتها الحضاريّة الكبرى.
◄والمنتدى من جهة المرجعيّة الفكريّة الحضاريّة عربيٌّ إسلاميٌّ وهــو من حيث الأفق إنسانيٌّ. ونحن نذهب إلى أنّ:
● المرجعيّةَ العربيّةَ الإسلاميّةَ أوسعُ دلالة من التّعيّنات الإيديولوجيّة والسّياسيّة للفكرة القوميّة والإسلاميّة.
● قيامَ الإسلام بالعروبة (أرضًا ولغةً وشيَمًا) أمّا المدى فكونيٌّ. والإسلامُ - من زاوية نظر إنسانيّة تاريخيّة صرفة -مشروعٌ مفتوحٌ. فهويّتُنا تَتَقدَّمُنا (أمامنا) بقدر ما هي متقدّمةٌ علينا (خلفنا).
● الخصوصيّةَ الثّقافيّةَ لمجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة لا تتعارض مع كونيّة القيم المعرفيّة والجماليّة والأخلاقيّة والحقوقيّة. بل إنّ النّواة الحيّة للثّقافـــات على اختلافهـــا نـــواةٌ كونيّةٌ. ولا تنغلق الثقافةُ على ذاتها إلاّ متى أجدبت تربتُها الرّوحيّة - الرّمزيّة وتلاشت فيها تلك النّواة التّوليديّة. ونحن لا نرى تربتَنا الرّوحيّة - الرّمزيّة مجدبةً، وهي لن تُجدب ما دمنا نستصلحها جيلاً بعد جيل لأجل النّاس جميعًا. 
● الأقدرَ على إيجاد الحلول لمشاكله المحلّيّة هو الأقدرُ على التّفكير في مشاكل الإنسانيّة عامّةً والأثبتُ على النّضال لأجل الإنسان من حيث هو إنسان (ذاتٌ حرّةٌ مكرّمةٌ).
◄والمنتدى من جهة الشّخصيّة المعنويّة جمعيّةٌ فكريّةٌ ثقافيّةٌ مستقلّة تنشط كفريق بحث متعدّد المشارب متضافر الاختصاصات. وهو يشتغل على قضايا الفكر والثّقافة والتّربية والفنون، واهتماماته مزدوجة. فهو مهتمٌّ: 
● بدراسة واقع الإنتاج الفكريّ والتّربويّ والثقافيّ والفنّيّ محلّيّا ودوليّا وذلك من جهة المشاريع والمؤسّسات والسّياسات.
● بالتفكير في البدائل الكفيلة بالدّفع نحو إبداع فكريّ وتربويّ وثقافيّ وفنّيّ متجذّر في انتمائه العربيّ الإسلاميّ ومنفتح على الكونيّة في أبعادها المختلفة. 
● الخصوصيّةَ الثّقافيّةَ لمجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة لا تتعارض مع كونيّة القيم المعرفيّة والجماليّة والأخلاقيّة والحقوقيّة. بل إنّ النّواة الحيّة للثّقافات على اختلافها نواةٌ كونيّةٌ. ولا تنغلـق الثقافـةُ على ذاتها إلاّ متى أجدبت تربتُها الرّوحيّة - الرّمزيّة وتلاشت فيها تلك النّواة التّوليديّة. ونحن لا نرى تربتَنا الرّوحيّة - الرّمزيّة مجدبةً، وهي لن تُجدب ما دمنا نستصلحها جيلاً بعد جيل لأجل النّاس جميعًا. 
● الأقدرَ على إيجاد الحلول لمشاكله المحلّيّة هو الأقدرُ على التّفكير في مشاكل الإنسانيّة عامّةً والأثبتُ على النّضال لأجل الإنسان من حيث هو إنسان (ذاتٌ حرّةٌ مكرّمةٌ).
◄والمنتدى من جهة الشّخصيّة المعنويّة جمعيّةٌ فكريّةٌ ثقافيّةٌ مستقلّة تنشط كفريق بحث متعدّد المشارب متضافر الاختصاصات. وهو يشتغل على قضايا الفكر والثّقافة والتّربية والفنون، واهتماماته مزدوجة. فهو مهتمٌّ: 
● بدراسة واقع الإنتاج الفكريّ والتّربويّ والثقافيّ والفنّيّ محلّيّا ودوليّا وذلك من جهة المشاريع والمؤسّسات والسّياسات.
● بالتفكير في البدائل الكفيلة بالدّفع نحو إبداع فكريّ وتربويّ وثقافيّ وفنّيّ متجذّر في انتمائه العربيّ الإسلاميّ ومنفتح على الكونيّة في أبعادها المختلفة. 
المبادئ العامّة
المبادئ العامّة هي الأسس الّتي ينبني عليها المنتـــدى باعتبـــاره خيـــارًا فكريًّــا وحضاريّـــًا، وهي الّتي توجّه اهتماماته ومشاريعـــه المختلفـة. ولمّا كـــان المنتـــدى مهتمّا بالدّراسات والبدائل فإنّ من شأن المبادئ العامّة أن تؤطّر هذا الاهتمام المزدوج حتّى لا يتشتّت المجهود في مسائل هامشيّة أو ظرفيّة قد تستدرجنا إليها المتغيّـــرات السّطحيّـــة فنفـــوّت علـــى أنفسنــــا فرصةَ الحفر في البنى العميقة للاستبداد والفساد وفي أسباب العطالة الثّقافيّة. 
ومبادئ المنتدى ثلاثةٌ يتّصل بعضُها ببعض اتّصالاً وثيقًا، وهي: 
◄مبدأ التّأصيل: اعتبارُ الإسلام (وحيًا وتجربة تاريخيّــة وأفقًـــا حضاريًّا) مرجعيّةً مفتوحةً تتجـــذّر فيهـــا البدائـــــل على سبيل التّأصيل المبدع فكرًا وتربيةً وثقافة وفنونًا، وذلك في إطار رؤية تحديثيّة تجمع بين قيم الإسلام  ومقاصده الكونيّة وبين التّطوّر الحاصل في معارف الإنسان (النّظريّة والعمليّة) وأوضاعه (الاجتماعيّة والسّياسيّة). 
إنَّ الإقرارَ بشموليّة الإسلام يدفعنا نحو بناء رؤى فكريّـــة وثقافيّـــة وممارســـات فنّيّــــة وتصوّرات تربويّة تهدف إلى تثوير العقليّات وتجويد الأذواق وتهذيب الأخلاق فتُطلَق طاقات المجتمع وتُحرَّر فيه روحُ الإبداع العلميّ والفكريّ والفنّيّ. فالفكر لا يكون أصيلا ما لم يعزّز الوعيَ بكرامة الإنسان ويحفّز بواعثَ التحرّر فيه. ولا يكون البديلُ الفكريُّ والثقافيُّ إسلاميَّ المرجــع إلا بقدر مـــا يتولّـــد عنه من إمكانات لإحياء العقل معرفةً وتذكية الذوق تجمّلاً وتعميق الوجدان تخلّقًا. 
◄مبدأ التّفاعل: اعتبارُ الإفادة ممّا يتيحه العصر من إمكانات علميّة وتقنيّة ومــا يبسطُه من مشاريع فكريّة وتربويّة وما يقتحمه من دروب ثقافيّة وفنّيّة أمرًا ضروريًّا لا مناص عنه. غير أنّ الإفـــادةَ من الغير تقتضي الوعيَ بواجب إفادة الغير بما يتيحه المنظورُ العربيُّ الإسلاميُّ من بدائل إنسانيّة تثري الحقول المختلفة للتّثاقف الخلاّق والحوار البنّاء بين الشعوب والأمم. فتوليد البدائل الإسلاميّة لا يحتمل الانغلاقَ على الذّات كما لا يحتمـل إهـــدارَ ما تيسّر للإنسانيّــة من مكاســـب، وإنّما التّوليد تفعيلٌ حيٌّ للبدائل إفادةً واستفادةً. وفي ذلك يتجلّى المقتضى الإيتيقيّ لمقامنــا الحضـــاريّ كأمّــة، ألا وهو المقام الرّساليّ - الشّهوديّ. 
وسبيلنا في هذا الأمر تكامليٌّ: فبقدر ما نحن مطالبون بمعرفة الآخــــــر، نحن مسؤولــــون عن تعريف الآخر بنــــا. ولا تكون المساحاتُ البين- ثقافيّة مساحـــات تعــــاون مـــا لَمْ تكن أيضًا مساحات تعارف. ونحن نرى أنّ التّعاون على أساس التّعارف يمكّننا من إنجاز مهمّتين تاريخيّتين أساسيّتين هما: 
أ- اكتساب الوسائل لتجاوز حالة التّخلّف واقتحام الدورة العالميّة للإنتاج المادّي وذلك هــــو الشّـــرط الضّروريّ لكي تتحوّل مجتمعاتُنا من مجتمعات خاملة مستهلكة إلى مجتمعات عاملة منتجة. 
ب- تفكيك الأوهام واكتشاف ما نجهله من أنفسنــا، وذلـك لأنّ المحكّ الحقيقيّ لمعرفـــة الذّات هو القدرة على تعريف الآخر بها. وليس الاستبدادُ السّياسيُّ في تقديرنا إلاّ أثرًا من آثار الاستبداد الأعظم: الوهم والاستلاب. وإنّ في تفكيك الأوهام وتجاوز الاستلاب الحضاريّ يكمن الشّرطُ الضّروريُّ لاقتحام الدورة العالميّة للإنتاج الرّمزيّ.     
◄مبدأ التّحرّر: لا يكون تفعيل البدائل الفكريّة والثّقافيّة ممكنًا ما لم يتنزّل في سياق اللحظة التّاريخيّة الرّاهنة فيستجيب لمقتضياتها ويتمثّل رهاناتها. ولمّا كانت اللحظة التّاريخيّة الرّاهنة لحظة ثوريّة فإنّ الدّراسات والبدائل لا تكون مستجيبة لمقتضيات الواقع ورهاناته ما لم تتنزّل في سياق الحفر في بنى الاستبداد قصد تفكيكها والتعمّق في فهم الثورة قصد تحقيقها. فتفعيل البدائل يقتضي تعميق الدّراسات دعمًا لمسار الثورة والتّحرّر الفرديّ والجماعيّ.
وفي هذا السّياق نحن نقرّ بمبدأ حرّيّة الإبداع الفكريّ والثّقافيّ ونثمّن التّجاربَ الطّموحةَ المتفرّدة ونعلي من قيمة الاختلاف وندعم استقلاليّة المفكّر والمثقّف والفنّان ولكن دون استهتار بالمقدّسات أو استخفاف بالعقائد. والأصل في الفكر الحرّ أن يكون باعثًا لمشاعر العزّة موقدًا لروح المقاومة ناصرًا لقضايا الحقّ والعدالة. والحرّيّة دون التزام محضُ عبث لا يليق بالمفكّر والمبدع أن يدّعيه لنفسه. كما أنّ " الّذي يشرّع لنفسه شيئًا فإنّما يشرّعه للإنسانيّة قاطبة ". ونحن نجعل من حرّيّة الشعب والأمّة هدفًا للتحرّر الطّليعيّ.
الأهداف الكبرى
◄ينطلق منتدى الفارابي للدراسات والبدائل من مقدّمة، هي: للمواطن القدرة على تحصيل الوعي بأهمّيته فاعلاً اجتماعيًّا مساهمًا في تحقيق المشروع الوطنيّ - الثّوريّ ومؤثّرًا في المشهد الثقافيّ والسياسيّ العامّ. وللمواطن القدرةُ أيضًا على اكتساب أدوات البناء والتأسيس الحضاريّ. وتحصيل الوعي المواطنيّ واكتساب أدوات الفعل الاجتماعيّ - الحضاريّ هما الشّرط الكفيل بسدّ المنافذ أمام عودة الاستبداد السياسيّ والثقافيّ والتربويّ... 
غير أنّ الانخراط الفعليّ في المشروع الوطنيّ - الثّوريّ يقتضي الحفرَ في البنى العميقة للاستلاب والاستبداد والفساد ومنظوماته المختلفة، والتّشخيصَ الدّقيقَ لوسائل إنتاجه في العقليّات والمؤسّسات والممارسات. وهذه المهمّة هي مهمّة النّخب الوطنيّة المنتصرة للهويّة والثّورة. نحن في حاجة إذن إلى نخب بديلة عن النّخبة المتورّطة فكريًّا وثقافيًّا وتربويًّا وفنّيًّا في ما آل إليه وضعُنا العامّ من استلاب حضاريّ واستبداد سياسيّ وفساد في الأخلاقيّات والممارسات. 
◄يسعى المنتدى إلى ربط الصلة بين الفكر والواقع على نحو يمكّن من التوصّل إلى حلول مجتمعيّة للقضايا المطروحة. ولا يتسنّى تحقيقُ هذا الهدف ما لم تتوفّر الرّؤية الفكريّة والإستراتيجيّة المستشرفة للمستقبل والقادرة على تحديد ملامحه الأساسيّة والتّأثير فيه. ونحن مطالبون بالكشف عن إحداثيّات الإصلاح الجذريّ لحياة الفرد والمجتمع المادّيّة منها والرّوحيّة. فالوضع الراهن يحمّل المفكّرَ والمثقّفَ مسؤوليةَ مواجهة كلّ القضايا المرتبطة بالفكر والتربية والثقافة والفنون وبما يدور في الفضاء العموميّ من حوار فيها أو جدل حولها. 
ومسؤولية المفكّر نابعة - في تقديرنا - من قدرته على تغيير النّماذج الإرشاديّة وتنظيم عملية المعرفة وتحقيق الانتقال من مستوى نقد المواقف وإصلاح البرامج  إلى مستوى وضع المشاريع الحضاريّة الكبرى والبدائل الفكريّة والثّقافيّة لإصلاح جذريّ شامل. 
◄ نحن مدعوّون جميعًا إلى الكشف عن المعنى الحضاريّ والتّاريخيّ والسّياسيّ للثّورة، وذلك من منظور المشروع الإصلاحيّ الجذريّ القادر على الدّفع بمجتمعاتنا نحو تنوير عربيّ إسلاميّ تستعيد به هويّتُنا أفقَها الكونيَّ فننخرط من جديد في الفعل الحضاريّ العامّ للإنسانيّة. 
    ونحن ننطلق في ذلك من التّسليم المبدئيّ بأنّ: 
أ - الثّورة قد هيّأت الشّروط للمواطَنة الحرّة المبدعة. 
ب - أصولَ عقيدتنا السّمحة وقيمَنا الحضاريّة النّبيلة لا تتعارض مع فكرة المواطَنة وفكرة الدّولة الدّيمقراطيّة. 
ج - الهويّةَ العربيّةَ الإسلاميّةَ ليست معطى ثابتًا أو تصوّرا مرجعيًّا مغلقًا وإنما هي مشروع أو أفق حضاريّ مفتوح.
◄ يقرّ منتدى الفارابي للدراسات والبدائل بأهمية العمل الفكريّ والثقافيّ ودوره الحاسم في تعزيز شروط الإبداع والحرّيّة. فالتّحرّر العربيّ الإسلاميّ رهين التطوّر في البنية الثقافيّة والروحيّة للشّعوب بقدر ما هو رهين التّغيّر في بنية الدّول. ونحن نرى أنّ توحيدَ الشّعوب العربيّة والإسلاميّة ممكنٌ متى وُضعت البدائل الثّوريّة المدنيّة في الميدان السّياسيّ تجاوزًا للحلول الانقلابيّة والزّعاماتيّة والطائفيّة الّتي همّشت الشّعوب وأخرجتها من دائرة الفعل السّياسيّ وما يقتضيه من تغيير عميق في الوعي والسّلوك الفرديّ والجَمْعيّ.
◄ يقرّ المنتدى بضرورة الإفادة من مكاسب الحضارة الإنسانيّة في مختلف تجلّياتها الفكريّة والعلميّة والفنّيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة... ولئن كنّا متحمّسين لمنظور " العالميّة " إنتاجًا وتبادلاً، فإنّنا لا نتبنّى في مقابل ذلك مقولة " العولمة " كما استقرّ معناها اليوم: فعولمة السّوق وأنماط الحياة، والوضع القسريّ لنظام عالميّ، والتّرويج لمعنى مخاتل لمواطَنة عالميّة " حقوقيّة " لا تعترف بفكرة " الوطن " ولا بالرّوح الوطنيّة المناضلة لأجل سيادة الشّعب واستقلاليّة الدّولة، لا يخرج كلُّ ذلك في نظرنا عن القراءة النّيو- ليبرالية للتّاريخ الّتي لا تخلو من طابع إمبرياليّ يزداد توحّشًا يومًا بعد يوم.
ونحن نؤمن في هذا السّياق بأنّ بناءَ الدّولة الديمقراطيّة (دولة المواطنة والحقّ والحرية والعدالة والكرامة والتّنوّع...) يتناغم مع المنطلقات النظرية والأهداف الإستراتيجية للمنتدى. ولهذا السّبب نحن معنيّون بالبحث في مقتضيات البناء الدّيمقراطيّ للدّولة والمواطنة (فكرة المشروعيّة) ومقتضيات التّأسيس العقلانيّ للحوار (فكرة الحقيقة). فنحن ندافع عن الاختلاف، وندافع أيضًا عن الفضاء العموميّ من كلّ أشكال التّزييف والكذب والتّسطيح والابتذال ومن كلّ المغالطات الّتي امتهنها قطاعٌ كبير من نخبنا الفكريّة والسّياسيّة والإعلاميّة... فمن مسلّماتنا الأساسيّة أنّ الحقيقة هي الهدف الأسمى لكلّ مجهود فكريّ، وأنّ البحثَ عن الحقيقة مجهودٌ جماعيٌّ لا مناص فيه عن الحوار بما يقتضيه من أخلاقيّات وما يفترضه من مواضعات مفهوميّة ومنهجيّة وتداوليّة...  فاحترام الآخر تجسيمًا لثقافة الاختلاف والحوار يعني العزوف عن الجدل العقيم والمناكفات السّياسيّة الفجّة وأساليب العنف الرّمزيّ والإرهاب المعنويّ.
ويمكن إجمال الأهداف الكبرى للمنتدى في هذه النّقاط التّأليفيّة:
(1) التعمّق النظريّ في تناول القضايا من جهة المفاهيم والمناهج والإشكالات والأطروحات والدّفع نحو بعث المشاريع الإبداعيّة في المجالين الثّقافيّ والفنّيّ خارج منطق التّصنيع والتّسويق والامتهان الرّخيص. ونحن ملتزمون بالنظر في ما يُطرَح داخل الفضاء العموميّ من قضايا وما يدور فيه من حوار وجدل، وذلك على أساس تحمّل المسؤولية في ترشيد الخطاب وإرساء عقلانية نقديّة تواصليّة قادرة على  مواجهة  الرّاهن وعلى الإحاطة  بالوضع الحضاريّ التّاريخيّ ومعالجته بمفردات فكرية وثقافية واضحة نظريًّا وإجرائيًّا...
(2) العمل على إرساء مقوّمات بديل فكريّ وثقافيّ يقطع مع الأحكام المسبقة ويتعالى على التجاذبات الحزبيّة والخصومات الإيديولوجيّة والمصالح الضيّقة بوجه عام، على نحو يمكّن من حماية الرأي العام (كموضوع) والفضاء العموميّ (كمجال تداوليّ) من التزييف والتمويه والمغالطات... ونحن نعمل على تفكيك منظومات الفساد والاستبداد والاستلاب، سواءً كان ذلك في مجال الخطاب والتصوّرات أو في مجال الممارسة والمؤسّسات. ونعمل في البعد الموجب لمشروعنا على تعزيز شروط التّحرّر والتّنوير.
(3) إعلاء منزلة المفكر والمربّي والمثقف والفنّان والعمل على التّأسيس لأخلاقيّات تضمن من حيث المبدأ والواقع ألاّ تتحوّل النخبُ مجدّدًا إلى أداة من أدوات إنتاج الاستبداد وبوقًا من أبواق الدّعاية والتّبرير. ويقتضي هذا الأمرُ - في تقديرنا - البحثَ الدقيق في الشروط التي تجعل مشروع التحرّر والتنوير العربيّ الإسلاميّ ممكنًا نظريًّا من جهة الأسس وممكنًا عمليًّا من جهة الآليّات. وهذا ما يستدعي التفكير في نقاط التقاطع التي تؤلّف - داخل التدبير المدنيّ لمشروع التنوير والتحرير - بين خصوصيّة المرجعيّة المحدّدة لهويّتنا وكونية القيم المعرفيّة والأخلاقيّة والجماليّة والسّياسيّة... ولا يكون المفكّرُ العربيُّ الإسلاميُّ مفكّرًا أصيلاً إلاّ بقدر ما يكون مفكّرًا عالميًّا تتجسّد فيه إيتيقا " التّآنس " من حيث هي بعدٌ من أبعاد مفاهيم الأخوّة والتّعارف والإحسان القرآنيّة.
الشّروط والوسائل
حريٌّ بنا وضعُ خطة عمل تأخذ بعين الاعتبار المبادئ العامّة والأهداف الكبرى وتكون مرحليّةً (على امتداد سنتين مثلا) فتتراكم بذلك التّجاربُ وتتهيّئ الأرضيّةُ لتحقيق الأهداف الإستراتيجيّة. ومن أهمّ أولويّات هذه الخطة إنجازُ دراسات علميّة في ميادين الفكر والتربية والثقافة والفنون، واقتراح بدائل تستند إلى أسس معرفيّة ومنهجيّة واضحة كفيلة بالرّقيّ بمستوى الأبحاث النّظريّة والمشاريع الإبداعيّة. ومن شروط نجاح العمل الفكريّ الأصيل أن تكون مبادئه مشروعةً نظريًّا وتاريخيًّا وأن تكون أهدافُه واضحةً وآلياته ناجعة. ولهذا السّبب يؤكّد المنتدى على أن يكون كلُّ المنتسبين إليه منتبهين إلى ضرورة:
◄ استحضار طبيعة العمل الفكريّ والمشاريع الإبداعيّة والوعي بالأسس النظرية والمقتضيات المنهجيّة النّاظمة لهما، لا من حيث هما مجرّد " مهن " تُمتهَن، وإنّما من حيث هما خيارٌ وجوديٌّ والتزامٌ أخلاقيّ بقضايا الإنسانيّة. 
◄ تعميق أواصر الأخوّة والمحبّة وروح البذل والعطاء الجماعيّ.
◄تمثّل مبادئ المنتدى وتجسيدها في مختلف الأنشطة، واستحضار الأهداف الكبرى قصد تحقيقها في مختلف المشاريع.
◄ ضبط منهجية العمل وأدواته، ورسم الآليات ومراحل الانجاز، وذلك فيما يتعلّق بكلّ الأنشطة والمشاريع المزمع إنجازها (حلقات الحوار الداخليّ / المشاريع الدراسية / الإسهامات الفكرية / المناقشات العلمية / الورشات / الندوات العلمية /  البيانات / الورقات / مشاريع الإبداع الفنّيّ...). 
◄ الالتزام بالقواعد الأساسية المهيكلة للعمل ترتيبًا وإجراءً وإنجازًا.
    وقد ارتأى المنتدى أن تكون أشغاله مهيكلةً على هذا النّحو:
(1) هيكلة تتعلّق بالمسائل المضمونيّة وهي على النّحو التّالي:
◄قسم الدراسات والنّشر ومهمتّه إنجاز الدّراسات وتجميعها ونشرها، واقتراح محاور الاهتمام الأساسيّة والعناوين الكبرى للنّدوات والسّهر على الإعداد لها وإنجازها.
◄قسم المشاريع الثّقافيّة والفنّيّة ومهمّته اقتراح المشاريع الإبداعيّة قصد إعدادها والتّرويج لها.
ويعمل القسمان بالتنسيق مع الهيئة المديرة وفق البرنامج السّنويّ المقرّر من طرف الهيئة العلميّة.
(2) الهيكلة الوظيفيّة للمنتدى:  
يتكوّن المنتدى من ثلاث هيئات هي: 
◄هيئة مجلس الشّرف 
◄الهيئة العلميّة التّقريريّة 
◄الهيئة المديرة. وينبثق عنها قسمان، هما: قسم التّواصل والعلاقات العامّة وقسم التّمويل.