رسالة من مصر

بقلم
محمد ابراهيم وسام
"مشكلات مناهج التــــاريخ المدرسية في مصر" (مشكلات تؤثر في حاضر ومستقبل أبناء مصر)

 إن التاريخ له طبيعة خاصة تختلف عن بقية العلوم الأخري، حيث أن التاريخ لا يبحث عن الظواهر الإنسانية فحسب، بل يبحث كذلك في الظواهر الماضية أيّا كان نوعها، وذلك بدراسة ماضي الطبيعة وماضي المجتمعات، لذلك فدراسة هذه الظواهر يجب أن يتم على أساسين مختلفين، أحدهما نظري والآخر تاريخي وهو الذي يحاول أن يرسم لنا صورة واضحة عن التجارب الإنسانية الماضية، مستعينا في ذلك بما تركته ورائها من آثار مادية، كالمقابر والتماثيل والأثاث والنقوش والأدوات المصنوعة، أو آثار نفسية كالقصص والأساطير وغيرها. ولابد من الدارس للتاريخ -أي كان- من أن يدرك فلسفة التفسيرات التاريخية المختلفة ويستخدمها جميعهــــا في فهم حركة التاريخ وهو في نفس الوقت غير ملتزم أو متقيد بتفسير مذهب بعينه، فعليه أن يكون ذاك المؤرخ الــــذي يهـــدف إلى خدمة البحث التاريخي وهو الذي يمكنه في النهاية أن يفسّر لنا حركة التاريخ، وعلى الدارس للتاريخ أيضا أن يبدأ باستعراض الحقائق والتأكد من صدق وقوعها، ثم يكون في نفسه فكرة عنهــا ثم يتابع دراسته البحثية جاعلا تلك الفكرة أساسا يبني عليه عمله في التعليل والإيضاح حتى إذا بدا له أن هذا الأساس لا يصلح للبناء الذي يريد أن يقيمه عليه ، عاد فنقضه، وبحث عن فكـــرة أخـــرى أو فرض آخر يقيم عليه بناء عملـــــه ، وهكذا دواليـــك ، حتى يرى أن أساسه ثابت وأن بناءه متين .

والتاريخ كمادة دراسية لا تختلف كثيرا عن التاريخ كعلم، ولعل أوجه الاختلاف تكمن في اختيار المادة الدراسية وتبسيطها وارتباط التاريخ كمادة دراسية بعدد من الأهداف التعليمية ذات المستويات العامة منها والخاصــــة، ومع ذلــــــك لا يــــزال الاتجـــاه السائـــد في مؤسساتنا التعليميـــة هو تدريس الحقائق التاريخية والتأكـــد من أن المتعلم قد تمكن من حفظها وبالتالي يكون تذكّر تلك الحقائق هي الغاية الرئيسية من تدريس مـــــادة التاريــــخ. وجدير بالذكــــر أن هذا المفهوم قد انعكس علي المختصين بتخطيط المناهج في مادة التاريخ حيث أصبحوا يحرصون على تضمين المقررات الدراسية بقدر كبير جدا من الحقائق.
وكلما نظرت لمحتوي التاريخ الوارد في مناهج الدراسات الاجتماعية (في مرحلة التعليم الأساسي) ومناهج التاريخ المدرسية  (في مرحلة التعليم الثانوي) بنظرة تحليلية نكتشف كونها:
1-- تقدم مفاهيم زمنية صعبة الادراك بالنسبة للصفوف من الرابع إلى السادس الابتدائي.
2-- لا تقدم أدني معرفة سياسية توضح معالم النظام السياسي والأدوار والأنشطة السياسية المتوقعة.
-3- افتقاد مناهج التاريخ للمرحلة الثانوية العامة لإستراتيجيات وطرق ولأنشطة تعليم وتعلم وتنمية مهـارات التفكيــــر التاريخـــي، مما يدل على قصور واضح في منهج التاريخ من حيث عدم تحقيقه لأهم أهداف تعليمه وتعلمه.
4-- غموض بعض النصوص التاريخية ونقص الاستمرارية والانتقال غير المنطقي بين حاكم وحاكم آخر .
-5- الاعتماد على طريقة كتابة التراجم والسير عند التحدث بإسهاب عن أي فرعون أو ملك وتلك الطريقة تناسب الباحثين والمؤرخين ولا تتناسب مع طلاب التعليم ما قبل الجامعي.
6-- ضعف الربط بين فصول المادة أو عناصر الدرس الواحد.
-7- لا يظهر محتواها أي مستـــــوى مـــــن مستويــــات التكامـــل بين ما هو اقتصادي وسياسي واجتماعـي وتاريخــي وجغرافــي على مستوي الوحدة أو الدرس بعكس ما يقدم في دول العالم الأول.
-8- تأتي أساليب التقويم بعيدة ومنعزلة عـــن أهــــداف تدريــس كلا  من الدراسات الاجتماعية والتاريخ وفق المرحلة التعليمية.
-9- الأحكام التاريخية تظهر في المحتوي بصـــــورة لا تقبل النقـــد أو إعمال العقل وتظهر وجهة نظــــر السلطـــة التنفيذيـــة الحالية أو السابقة فيما مضى من أحداث تاريخية.