مواقف وآراء

بقلم
اسماعيل بوسروال
اذا اردنا ان نعرف ما يحدث في تونس فعلينا ان نعرف ما حدث في الارجنتين

 مقدمة

يتذكر من هم في عمري أو من هم أكبر مني سنا ذلك المسلسل التلفزيوني السوري الرائع – في بداية الثمانينيات - والذي يحمل عنوان ”صح النوم“ ويوحي من خلال عنوانه إلى السبات الطويل للأمة العربية ويدعوها بشكل خفي وذكي إلى أن تستفيق من النوم الطويل الذي تغط فيه .... وقد  أخرج المسلسل  خلدون المالح ولعب أهم الأدوار فيه دريد لحام ( غوار الطواشي ) ونهاد قلعي ( حسني البرزان ) وياسين باقوش(ياسينو) ونجاح حفيظ ( فطوم حيص بيص )... 
في ذلك المسلسل ظهر في الحلقة الأولى الصحفي  ”حسني البرزان“ يحاول كتابة مقال صحفي بدأه بالجملة الأولى التالية ”إذا أردنا أن نعرف ما يدور في ايطاليا فعلينا أن نعرف ما يدور بالبرازيل“... وظل هذا الصحفي الفذّ يحاول كتابة المقال خلال 13 حلقة كاملة ولكنه إلى أن انتهى المسلسل كان في  كل حلقة يستعرض مقاله أمام أصدقائه ويتوقف عند الجملة الاولى  والوحيدة ... ظلّ ”حسني البرزان“ يعيش معاناة الابداع التي لم تمكّنه من تجاوز الجملة الوحيدة للمقال الصحفي ”إذا أردنا أن نعرف ما يدور في ايطاليا فعلينا أن نعرف ما يدور بالبرازيل“...فكان لهذه الجملة تأثيرها الساحر على ذهني إلى هذا اليوم ومنها استعرت عنوان هذا المقال الذي لا يقف عند جملة واحدة كما فعل صحفي مسلسل ”صح النوم“.
ما علاقة الوضع في تونس بالأرجنتين ؟
إن الحديث عن الأرجنتين قد يثير في ذهن التونسيين مسائل علقت بذاكرتنا الشعبية كمباريات المنتخب التونسي في كأس العالم التي دارت في الأرجنتين (بلاد الفضة) سنة 1978 والتي أبدع فيها اللاعبون التونسيون في ذلك العهد الذهبي للكرة التونسية  ...
كما قد يتبادر إلى ذهن التونسيين عند ذكر الأرجنتين ما علق بالذاكرة الشعبية من حكايات وإشاعات - لم نعرف الى حد الآن مدى صحتها  - حول امتلاك عائلة الرئيس السابق قصرا هناك في ”وادا لا خارا“، لا ندري نصيب الحقيقة فيه من الخيال... 
إلاّ أنّ ما أردت التطرق إليه في هذا المقال لا علاقة له بما تثيره الأرجنتين في الذاكرة الشعبية ...بل هو تأمل في الأحداث التي عاشتها الأرجنتين بعد الحرب العالمية الثانية إلى نهاية القرن الماضي.
 تميزت  هذه الفترة بـحكم الرئيس ”خوان بيرون“ من 1946 الى 1955 ... وهو رئيس منتخب ديمقراطيا سنة 1946 ...وقد كان وزيرا للعمل في الحكومة قبل الانتخابات وزعيما لحزب اشتراكي النزعة هو ”حزب العدالة الاجتماعية“...أطاح انقلاب عسكري بالرئيس ”خوان بيرون“ بسبب مواقفه الوطنية الرافضة لهيمنة الشركات الأمريكية على اقتصاد بلاده ....  استمرت سلسلة من الانقلابات العسكرية والاضطرابات الاجتماعية دامت عقودا...فشلت الحكومات المتعاقبة التي شكلها العسكر في ايجاد الحلول للمشاكل المتفاقمة التي يتخبط فيها الشعب الأرجنتيني ... اضطر النظام العسكري بعد عقدين من الزمن إلى ”العودة إلى الحياة البرلمانية“ حيث فاز ”حزب العدالة الاجتماعية“ كما فاز ”خوان بيرون“ بالانتخابات الرئاسية سنة 1973 ...انتهت الاوضاع  بعودة بيرون من المنفى وتسلم رئاسة الجمهورية الأرجنتينية من جديد في مشهد نادر في بلدان العالم الثالث.
إن ما يدعوني إلى تأمل مسار الأحداث في الأرجنتين وعودة البيرونية ...هو ما نراه في تونس من استحضار للبورقيبية ومحاولة اعادتها من جديد في شكل عملية انقاذ للبلاد ...
أوجه التشابه بين "خوان بيرون"الارجنتيني
والحبيب بورقيبة" التونسي  .
لقد كان ”خوان بيرون“ زعيما سياسيا قبل أن يصبح رئيسا للأرجنتين ...فقد أسس حزب العدالة الاجتماعية  ذي النزعة الاشتراكية وشغل منصب وزير العمل بفضل علاقاته الجيدة مع النقابات ...وكانت له نزعة استقلالية تجاه الولايات المتحدة وسياستها الامبريالية  دون القطع معها ...تزوج ”ايفا بيرون“ التي صارت حليفة وصديقة للجماهير الشعبية ...
ولقد كان الحبيب بورقيبة أيضا زعيما سياسيا قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية ...لقد أسس الحزب الحرّ الدستوري الجديد ذي التوجه الحداثي. وكانت له نزعة استقلالية تجاه فرنسا دون القطع معها...تزوج وسيلة بورقيبة ليصنع تمازجا بين سهول الساحل وهضاب المرسى ...
حكم ”خوان بيرون“ الأرجنتين كرئيس للجمهورية من 1946 إلى 1955 ولكن انقلابا عسكريا وضع حدا لحكمه فاضطر الى مغادرة البلاد إلى منفاه في اسبانيا. لقد انقلب عليه العسكر نتيجة نزعة بيرون الاستقلالية وسعيه لبناء اقتصاد وطني وحماية الثروات الطبيعية لبلاده من نهب الشركات الأجنبية ... وتسلم الجنرالات المدعومون من الولايات المتحدة السلطة. وعمدوا إلى فتح القصر الجمهوري في بوانس ايرس أمام الجماهير ليشهّروا بما كان يملك الزوجان الرئاسيان ”خوان“ وزوجته ”ايفا“ من سيارات فاخرة وأثاث أنيق يدل على بذخ العيش ...ولكن الجماهير الشعبية والكادحة رفضت تصديق ذلك لأنها عرفت ”خوان بيرون“ مناضلا سياسيا اشتراكيا ووزيرا للعمل مضى بعيدا في التوافق مع النقابات، حيث ساعد على تحسين الأجور وتعميم التغطية الاجتماعية قبل أن يصل إلى الرئاسة ... وعرفت الجماهير  الشعبية الكادحة والأحياء الفقيرة ”ايفا بيرون“  من خلال الحفلات الخيرية للفئات المهمشة في المجتمع قبل أن تسكن القصر الرئاسي. إن تلك الجماهير أجابت حملات التشويه بشعارات بسيطة وحاسمة: ”نحن نحب خوان..نحن نحب ايفا“ ...                  
ازداد تعلق الطبقات المهمّشة والفقيرة وكذلك العمال والفلاحون بحقبة حكم ”خوان بيرون وايفا“ كلما تقدمت بهم الأيام وذاقوا بطش الحكام القادمين على ظهور الدبابات والمدعومين من القوى الخارجية فتعمقت معاناة الشعب الأرجنتيني وضعفت القدرة الشرائية للمواطنين وارتفعت الجريمة وتدنى مستوى العيش فتتالت الانقلابات العسكرية ...
بقي الجيش في السلطة وتتالى الرؤساء على الحكم ...لكن ساءت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بسبب غياب رؤية شاملة للأوضاع فاضطر الانقلابيون إلى التخلي عن السلطة تحت الضغط الشعبي وإجراء انتخابات أعادت ”خوان بيرون“ إلى دفّة الرئاسة من جديد بعد 17 عاما من الابعاد والنفي ...عاد كمنقذ تعلقت الجماهير الشعبية به بعد أن قارنت فترة حكمه بما جاء بعدها ... فبدت فترة حكم بيرون كالعصر الذهبي مقارنة بالأوضاع التي تلتها...فكان الحنين إلى الماضي السعيد في ظل واقع اجتماعي بائس ...
أما الحبيب بورقيبة فقد غادر الحكم اثر انقلاب طبي أخرجه ”الجنرال بن علي“ وفق مقتضيات الدستور التونسي وذلك سنة 1987...وبقي ”الزعيم التاريخي“ و”المجاهد الاكبر“ - كما كان يفضّل  هو أن ينادوه - تحت الإقامة الجبرية بقيّة حياته إلى أن وافاه الأجل سنة 2000 ..حرمت السلطة الحاكمة في تونس الحبيب بورقيبة من ”جنازة تاريخية“ كان جديرا بها وكان يمكن أن تكون في اطار ”احترام الدولة لقادتها“ كما في البلدان المتقدمة ....ورغم أن السلطة التي كانت قائمة في تونس سنة 2000 لم تكن تخشى من ”ثورة“ يقوم بها أنصار بورقيبة ولكن كانت تحت تأثير مفعول الرغبة في ”التفرّد بالمجد“ على حد عبارة ابن خلدون .
قامت السلطة الجديدة في تونس على أنقاض ما أنجزه بورقيبة ولكنها سلبته حقوقه في التنقل بحرية واستقبال زائريه ... بل حرمته أيضا من  تنظيم جنازة كان يمكن أن تكون عالمية ... وقد قادتني الظروف إلى أن أقطن لمدة سنوات  قريبا  من المنفى الاجباري لبورقيبة( على بعد مئات الأمتار ) وأن أعيش مشاعر الضيق التى انتابت أهل المنستير من سوء تقدير السلطة القائمة لـــ ”الزعيم“ وأسلوب النظام المتعمد في الحد من حركته وكذلك نسيانه وإهماله وتغييبه في وسائل الإعلام وعدم ذكره في المناسبات الوطنية إلا نادرا... وظن أناس آخرون أن  بورقيبة ”ذهب مع الريح“  قياسا على الرواية الأدبية لــ”مارغريت ميتشل“... 
عودة البيرونية الى الارجنتين
 وعودة البورقيبية الى تونس 
وحدثت في تونس ثورة سنة 2011 اطاحت بالنظام النوفمبري الذي أعقب الحكم البورقيبي ...ونشأت أحزاب وعادت للنشاط أحزاب أخرى كانت ممنوعة أو مقموعة ....وتدريجيا ظهر على سطح الأحداث حزب استدعى الافكار البورقيبية والإرث البورقيبي وهو حزب ”نداء تونس“ فبدأنا نلاحظ عودة ”البورقيبية“ من خلاله ومن خلال استحضار انجازات الفترة البورقيبية ...فهل تمثل هذه العودة رغبة شعبية عارمة وحنينا الى ما انجز في تلك الفترة ؟ أم أنها حركية الجهاز السياسي الذي ظل يمسك بالدولة في الحقبتين البورقيبية والنوفمبرية وهو”الحزب الدستوري – حزب التجمع“؟ 
إن ما عاشته الأرجنتين من 1955 الى 1971 مثّل خيبة أمل للطبقات العاملة والمتوسطة والمهمشة والتي كانت قد وجدت في ”خوان وايفا بيرون“ زوجا رئاسيا قريبا منهم وخدمهم بصدق ولم تفلح محاولات التشويه أبدا في ابعادهما من الذاكرة الشعبية ...بل أن ”ازبيلا بيرون“عادت إلى الأرجنتين سنة 1966 بعد  10 سنوات من الانقلاب العسكري وعملت على توحيد الحركة البيروبية لمقاومة النظام بأساليب ديمقراطية ونجحت في ذلك في 1971 عندما فازت في انتخابات البرلمان   .
 ان ما يقودني الى اجراء المقارنة بين ”عودة بيرون“- بعد عقدين - الى حكم الأرجنتين هو مظاهر”الحنين الى عودة البورقيبية“ من أحزاب تتبنى المرجعية الدستورية ومن قيادات نقابية ذات تاريخ نضالي في المجال الاجتماعي بغض النظر عن مرجعيتها الماركسية أو القومية  ...وكذلك من أحزاب ليبرالية واشتراكية ...
عادت ”البيرونية“ الى الأرجنتين بعد فشل الأنظمة العسكرية المتعاقبة في تحقيق ما تصبو إليه شعوب العالم الثالث من ”تحسين مستوى العيش“ و”ضمان الأمن الاجتماعي“ حيث تسبق ”الديمقراطية الاجتماعية“ الحاجة إلى”الديمقراطية السياسية“ التي تبقى مطمحا ثابتا ...
إن الذين يرغبون في أن ينسى الناس”البورقيبية“ وفي أن يهجروا الاحزاب الدستورية  ويأملون في القطع مع العهدين السابقين، لهم في ما حدث في الأرجنتين عبرة  ....عليهم بإبراز مشروع وطني يستجيب لحاجات المواطنين التونسيين إلى الأمن وإلى الشغل وإلى  الحرية ...لقد عاد الشعب الأرجنتيني إلى ”العهد البيروني“ بعد 17 سنة من الحكم العسكري الذي فشل في تحقيق انجازات تقنع المواطنين الأرجنتينيين بأنهم افضل من ”خوان بيرون“ و”ايفا بيرون“... 
إن تونس حاليا تعيش مرحلة تتميز بمحاولة ”منع تحقيق أي انجاز تاريخي“ في المرحلة الانتقالية وهي مسألة مدروسة من جهات داخل الحدود وخارج الحدود لكي  تصبّ المرحلة الانتقالية  وجوبا في مصلحة العهود السابقة عندما نقارن بين الاوضاع الامنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ....وقد لاحظنا اجتهاد جهات متعددة حزبية ونقابية  لتكون المقارنة لفائدة الماضي على حساب المستقبل في تحالف موضوعي  مفترض بين هذه الأطراف ... 
إن المسألة بالنسبة لي على الأقل - لا تتعلق بصراع بسيط وعراك انفعالي بين سياسيين طامحين للسلطة ( النهضة –المؤتمر – التكتل ) وبين سياسيين طامحين في استعادة السلطة ( نداء تونس - واليسار السياسي والنقابي ...)  بل أن القضية أعمق وأخطر و”وراء الاكمة ما وراءها“...
عاد ”خوان بيرون“ إلى الأرجنتين منتصرا ظافرا في انتخابات رئاسية اعترفت بنزاهتها القوى المتنافسة وسمى زوجته الثالثة  "ايزبيلا بيرون " نائبة للرئيس تولت الحكم بعد وفاته سنة 1974 إلا انها فشلت هي وحزبها البيروني  ”العدالة الاجتماعية“ في حل مشاكل البلاد المتفاقمة وتسلم الجيش الحكم من جديد ...
الدرس الارجنتيني للاوضاع التونسية 
لقد حكم "خوان بيرون الأرجنتين من 1946 الى 1955 وتميز حكمه بالترفيع في أجور العمال والموظفين والتغطية الاجتماعية وتحسين أوضاع العسكريين إلا أن ذلك لم يقترن بخلق ثروة وطنية نابعة من منوال تنموي قائم على مشروع متكامل على غرار النموذج الصيني أو الياباني أو الكوري الجنوبي ....ومن جهة أخرى قام ”خوان بيرون“ بتحوير الدستور ومنح نفسه ما يسمح له بممارسة سلطات واسعة على غرار ”قادة العالم الثالث“. ولم يبن نظاما قائما على المؤسسات يتم الفصل فيه بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ... ولذا عندما عاد الحزب البيروني إلى الحكم وانتخبه الشعب الأرجنتيني بعد فشل الحكم العسكري لم يحقق الآمال المعلقة عليه لأنه افتقر تاريخيا إلى مقومات النجاح وارتبط بالشخصية الكارزمائية لقائده الملهم ”خوان“ وزوجته الأولى المحبوبة ”ايفا“ ... كما انه لم يكن له المشروع الذي يبني نظاما ديمقراطيا حقيقيا .
لقد تميزت الحقبة البورقيبية بانجازات لا يمكن انكارها... ولكن هذه العودة الى ”البورقيبية“ تشبه عودة الأرجنتين الى ”البيرونية“
إن أكبر الأخطاء المرتكبة في العهد البورقيبي هما – حسب رأيي -:
 أولا :عدم ارساء نظام ديمقراطي تتوفر فيه للمواطن حقوقه السياسية والمدنية والاجتماعية ...نظام يتم الفصل فيه بين السلطات فصلا تاما ...سلطات متوازنة تراقب بعضها بعضا ... نظام تُحترم فيه الارادة الحرة للمواطن كي ينتخب من يشاء دون أن يتم طرده من العمل أو منعه من السفر ... وهي مظاهر تعمقت وترسّخت في ممارسات العهد النوفمبري ...
تتجسد الممارسة الحرة للمواطن في نظام ديمقراطي – حسب رأيي – في العملية الانتخابية – فإذا اردنا ان نتصوّر ”المناخ الديمقراطي السليم“ في تونس فمن السهل أن نتذكر الماضي ونخلّصه من الشوائب ... على القوى الطامحة إلى نسيان العهد البورقيبي أن توفّر للمواطن فرصة الانتخاب مع احترام ارادته الحرة في الاختيار ... اذا وصل المواطن التونسي إلى درجة الاطمئنان الكافية لكي يضع في صندوق الاقتراع بطاقة الحمامة الزرقاء أو النخلة الحمراء أو السمكة أو المطرقة والمنجل  ثم يعود إلى بيته سالما ويمارس عمله مطمئنا. وإذا تأكد أن لصوته أثر في تحديد الفائز في الانتخابات، فانه سيقتنع أنه أصبح في وضع افضل من العهد البورقيبي ( والعهد النوفمبري ) حيث يتم التصويت نيابة عنه حضر أو لم يحضر ....
ثانيا :  يعاب على الحقبة البورقيبية أنها لم تعتمد مثالا تنمويا ملائما للشعب التونسي يحقق التوازن بين الجهات والفئات، حيث لم يضمن للسكان فرص البقاء والاستقرار في مزارعهم وفي الغابات والأحراش وذلك بإنشاء المطارات وربط الجهات الأربع بالسكك الحديدية التي تسهل نقل المواد المصنعة إلى الموانئ وعدم انشاء الجامعات المتخصصة والمراكز الصحية المتكاملة في الجهات الاربع لتكوين أقاليم متوازنة، والأمثلة عديدة ....
إن تونس عند استقلالها في 1956، كانت في أوضاع اجتماعية واقتصادية شبيهة بكوريا الجنوبية وماليزيا ...ولكن عند قيام الثورة في 2010 كيف كانت تونس وكيف كانت كوريا الجنوبية وماليزيا ؟
إن 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 تاريخان مهمان في مسار الثورة التونسية ...ولكن التاريخ الحاسم الذي سيضمن تأكيد نجاح الشعب التونسي في انجاز ثورته هو الوصول إلى بناء مؤسسات البناء الديمقراطي الذي سيضمن للمواطن العادي حقوقه الكاملة وواجباته تجاه المجموعة وتجاه الوطن وتتوفر للتونسيين فرص الحياة الكريمة من خلال نمو اقتصادي من اجتهاد التونسيين وعرقهم  ...
إن هذا التحليل الذي أقدّمه حول المقارنة بين”البيرونية“ و”البورقيبية“ والذي يثبت تاريخيا فشل ”عودة البيرونية“ إلى الأرجنتين والذي يحمل تصورا حول احتمال فشل”عودة البورقيبية“ للأسباب المشتركة المتشابهة بين التجربتين فإن الواجب الاخلاقي يقتضي مني أن أقرّ لمن يتعلقون بالحبيب بورقيبة زعيما تاريخيا ورمزا لتونس بحقهم في ذلك ...لقد قال الأرجنتينيون للعسكريين الذين حاولوا تشويه الزوج الرئاسي : ”نحن نحب خوان ...نحن نحب ايفا“. وقد عشت جنازة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بجميع تفاصيلها ولاحظت – رغم التعتيم الرسمي – مدى حب التونسيين وتقديرهم لرئيسهم الاول ...لقد كان الهتاف السائد لمن حضروا في ذلك اليوم والذي تردّد في أرجاء مدينة المنستير”حي ...حي ... بورقيبة ديمة حي“. وبالتالي لا يمكن لأي كان أن ينزع حب بورقيبة من قلوب من تعلق به من التونسيين ... انها مسألة عاطفية لا تفلح معها ابراز اخطائه كإذنه باغتيال صالح بن يوسف سنة 1961 وإعدامات 1963 وسجنه للنقابيين 1978 وملاحقة اليساريين في السبعينيات واعتقال الاسلاميين في الثمانينيات...وبورقيبة أيضا من شرب الماء في  شهر رمضان في خطاب مباشر نقله التلفزيون الى الشعب التونسي داعيا إلى عدم الالتزام بفريضة الصوم لأن التونسيين في حاجة الى الجهاد الاكبر عبر العمل الجاد .....   ولكن من يحبونه يغفرون له كل  ذلك ويرون فيه مجاهدا من أجل  الاستقلال  وهو أيضا  باني تونس الجديدة ومحرر المرأة. كما يرون فيه ايضا  من نشر التعليم وحارب الفكر التقليدي وفتح العيون على الحداثة  ... ولكن ما تحتاجه البلاد التونسية هو نظام حكم مختلف عن التجربة البورقيبية ومنوال تنموي مختلف عما افرزته الحقبة البورقيبية ...
وإذا أرادت الاحزاب السياسية أن تقنع الشعب التونسي بان لا جدوى  من ”الحنين الى العهد البورقيبي“ فعليها أن تقدّم البديل الذي يحقق ما فشلت البورقيبية  في تحقيقه . 
———————