كلمة وكفى

بقلم
نعيم الظاهري
ثقافة المقاومة

 الثقافة الدّينية للمقاومة المبنيّة علــــى الموروثـــات الدينيّـــة لن تخلق إلاّ ثقافة التكليـــف الدّينـــي .المجتمعـــات الّتي تعانـــــي عدم الاستقلال في قرارهــــا السياســـــي والاقتصـــــادي تعاني التبعية السياسية والاقتصادية، وأيضا الاحتلال بأشكاله والحروب بأشكالهــــا واحتكـــــار مواردهـــــا وثرواتهــــــا وتدخلا في قضاياها وسيادتها وغير ذلك، وهناك مجتمعات تعانــــي أيضـــا من نظــــم عاجــــزة عن فـــرض خياراتهـــا السياسيــــة والإقتصاديّــــة، وفي تلك المجتمعات تشكل ثقافة المقاومة والمجابهة الرّوح التي تبقيها على قيــــد الحيــــاة وبفقدانهــــــا تهرم وتموت.

لا نعني بتلك الثقافة الرّغبة والشعــــور والعاطفــــة الّتي تتولّـــد تجـــــاه القضايـــــا العربيّة والإسلاميّة عند الأزمـات والحـروب فتلك حالة إنسانيـــة تشتــــرك المجتمعــــات البشريّـــة فيهـا، وإنمـا نعنــــي بثقافــــة المقاومــــة الوعــــي السياســــي الّذي يستوعــــب الخارطــــــة الدوليّـــــة وتحركاتها والخطط والحقوق والمستقبل السياسي للمنطقـــــة والــــــــدور المنوط بتلك المجتمعات في الحفاظ علــــى موقعهــــا وثقافتها وحقوقها وخصوصياتها التاريخيّـــة، فالــــــدول تبحث عن مصالحها والقويّة منها تستخدم كل الطرق لتحقيق تلك المصالح من الدول الضعيفة، وهذه الأخيرة لابد لها وأن تدافع وتقاوم تلك الأطماع، فلابد من ثقافة المقاومة.
هذه الثقافة أهملتها الحركــــة الإسلاميّــــة عمومـــــا وإن كانت تحجز أول المقاعد في المهرجانـــــات والمظاهـــــرات المنــــددة بالاحتـــــلال والانتهاكــــات والأطمــــاع. واليوم تصعد الحركة الإسلاميّــــة إلــــى البرلمانــــات العربيّـــة.فهي اكتفت بالموروث الدّينـــــي والذاكـــرة التاريخيّـــة لخلـــق تلك الثقافـــــة، فالأخــــوة الإسلاميّـــة والنصرة والحفاظ على المقدّسات الدينيّة هي مكونات تلك الثّقافة، لهذا فهي لا تتعدى كونها جملة من المشاعر والعواطف وليس وعيا سياسيا مترجمـــا في أجنداتها السياسيّة.
لهذا لابد أن نؤكّد على أن الثّقافـــة الدينيّـــة للمقاومــــة المبنيّــــة على تلك الموروثات الدينيّة لن تخلق إلا ثقافة التكليـــــف الدّينـــي، أي النظر لقضايا الصّراع أو قضايا الأمة بعيــــن الواجــــب الدّيني وهو فضاء رحب للتأويل فالتكليف الشّرعـــــي لجماعـــــة يعني الجهاد بأي شكل ونـــــوع، والتكليف الشّرعــــي لجماعة أخرى يعني مؤازرة ولي الأمر دون تدخل، والتكليف الشرعي يعني الدعم المالي والمعنوي، وتكليـــف آخــــر يشخـــص مقاطعــــة البضائــــع وعدم التطبيع.
إنّ ثقافة المقاومــــة المبنيّــــة علـــى التكليـــف الدّينــــي الشرعي تؤسّس لعقليّة تبحث عن أسرع الطرق لتلبية الواجب، فإما الجهاد السريع وإما المظاهرات والإحتجاجــــات الوقتيّــــة، فهي تؤسّــــس عقليّة غير واعية أي تبعيّة إمّــا للعواطــــف وإمــــا لرجــــال الدّين، لهذا فهي عقليّة عاجزة عن بنــــاء مشــــروع وأجنـــــدة مقاومة. أن نعطي حقّ النّاس قبل أن نطالبهـــــم بواجباتهـــم ، هذا هو مسار الشريعة و المقاومة.