افكار

بقلم
محمد الشّيخ
أي تصور للعدالة الاجتماعية في مرحلة الانتقال الديمقراطي

 يختلف مفهوم العدالة الاجتماعية باختلاف المنابع الفكرية و التوجهات السياسية و لكن هذا المفهوم مرتبط أساسا بتوزيع الثروة في معناه المباشر و هو على علاقة وطيدة بمفاهيم المواطنة و العدل و العدالة و الإنسانية. فأسمى تعبير لحقوق الإنسان و تكريس و تفعيل الكرامة الإنسانية كل ذلك يمر عبر تأسيس سياسة تحقق العدالة الاجتماعية و هو مطلب تختلف السياسات في كيفية الإجابة عليه ، فاللبراليون يعتبرون العدالة الاجتماعية نتيجة طبيعية لتنشيط الدورة الاقتصادية التي تعود بالخير على العموم و أن النمو و التنمية لا يتحققان إلا بتوفر الاستثمار الذي يستدعي تشجيع المبادرة الفردية للقيام بهذا الدور. ومن جهة أخرى ينظر الاجتماعيون إلى أن تحقيق العدالة الاجتماعية يكون بالتوزيع العادل للثروة التي يختص  بها دائما أقلية دونا عن أغلبية  ، هذه الأغلبية التي يفترض أن يكون لها نصيبا من الثروة الوطنية تضمن لها كرامتها و إنسانيتها و أن دور الدولة هو تحقيق هذا التوازن من بهدف العدالة. ولقد كان مقصد العدالة الاجتماعية وراء جل الثورات تقريبا و لا تشذ الثورة التونسية على هذا حين كانت المطالب المعبر عنها هي الشغل و الكرامة و الحرية ثم انتقلنا إلى تأسيس النظام السياسي بانتخاب السلطة التأسيسية لتجيب عن سؤال أي دستور نريد؟

 لنبدأ أولا بتشخيص واقعنا ومميزاته : تشخيص الواقع الذي أدى إلى الانفجار. إن التهميش الذي اشتكت منه كل الجهات دون استثناء يعني أن لا أحد و لا جهة استفادت حقا من النظام القديم ما قبل 14 جانفي وقد يكون هذا غريبا منطقيا ولكن جوهر الإشكال يتمثل في استبداد المركز بتنظيم الحياة الاقتصادية و كذا التحكم في آليات توزيع الثروة فلم يكن النظام رأسماليا ولا لبراليا متوحشا أو رحيما و إنما هو نظام أشبه بالنظام الإقطاعي تتولى فيه جهة أو فرد الجمع بين السلطة والثروة والسيطرة على الثروة بواسطة السلطة و أن كل نماء يذهب لتعزيز السلطة. إما توزيع الثروة، فيتم بواسطة الإقطاع حيث تقطع السلطة حسب رغبتها وتقديرها جزءا بسيطا ضروريا من الثروة حسب رغبتها وتقديرها لفائدة خدمها وإن كان الإقطاع عرف قديما باعتماده على ريع الأرض فان الإقطاع في هذه الحال يضيف الصفقات والأملاك العمومية. والآن ونحن نطلب العدالة الاجتماعية ثم نقرأ القوانين بما فيها قانون المالية وقانون المالية التكميلي وبرنامج الحكومة، فنخرج بملاحظات دون الدخول في التأييد أو المعارضة :
◄ أن المركز لا يزال يحدد الاحتياجات وهو من يتحكم بتوزيع الثروة وأن موجبات الديمقراطية والعدالة مجتمعة تقتضي تركيز وترسيخ المؤسسات اللامركزية وتدعيم سلطة قرارها.
◄ أن كل الآليات التنظيمية والقانونية تعبّر عن تواصل النهج الاقتصادي و الاجتماعي للنظام الذي عاشته تونس قبل الثورة و هذا يجعلنا نسال سؤالا بسيطا: هل أن توزع عبء المساهمة في مداخيل الدولة يقابله عدالة في توزيع التمتع بالثروة الوطنية ؟
فبقطع النظر عن الفقر والبطالة هناك جهة أثقل كاهلها منذ خمسين سنة على الأقل في تحمل الأعباء أوقات الرخاء أو أوقات الأزمات وهي أصحاب الرواتب الذين يساهمون ب 75 % من الدخل الضريبي  وليست هناك نية أو تمشي في تغيير هذا الأمر فيما أن عديد أنواع الشركات والاستثمارات ذات المداخيل المرتفعة يسمح لها القانون بالخضوع للتقدير الجزافي. كما أن تشجيع الاستثمار بالامتيازات الضريبية لتشجيع التنمية الجهوية  أو التشغيل قد يكون في تطبيقاته على حساب العملة  أو قد يخفي عدة أوجه للاحتيال القانوني و مدخلا للاستغلال و الفساد و من اجل ذلك فان دور النقابات و تشريكها هو صمام الأمان للعدالة الاجتماعية .
◄إن تحقيق العدالة الاجتماعية بما هي التوازن في توزيع الثروة و المساواة في الحقوق و الواجبات  لها ثلاث مداخل أساسيّة :
 
    * المدخل الضريبي : ضرورة تغيير النظام الضريبي ليصبح أكثر عدالة والشفافية لان الشفافية تضمن أمرين، ثقة المستثمر الوطني و الأجنبي خاصة عند دراسة مشروعه و تمكنّه من معطيات ذات مصداقية تمكنه من اتخاذ القرار من جهة واستقرار الوضع الاقتصادي والقدرة على التخطيط بأقل ما يمكن من المفاجئات من جهة أخرى
 
   * المدخل السياسي: دعم اللامركزية حيث تكون الهيئات الجهوية المنتخبة شريكا سياسيا فاعلا و حقيقيا و حينها لن يحتاج المركز إلى بذل جهد لإقناع أيا كان  بعدالة توجهاته لان سياساته لم تكن من صنعته وحده.
 
  *  المدخل الثقافي : يمكن للثقافة الوطنية و الاعتزاز بالانتماء أن تغنينا عن بذل جهد كبير في السياسة الأمنية من جانبها الردعي لان هذه الثقافة ستغلب الجانب الحضاري من ناحية  و من ناحية أخرى ترجع الثقة و الإيمان بان الملك العمومي إنما هو لفائدة العموم كما نحن بحاجة لاسترجاع قيمة العمل و تقديسه وهي القيمة التي تنبني عليه كل حضارة.