رسالة الجزائر

بقلم
غزالي بلعيد
اشكالية تحديد مبدأ المواطنة

 المواطنة  ترجمة للعلاقة القانونية بين الفرد والدولة إلى علاقة الولاء، التي ترسّخ مجموعة الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية التي يشترك فيها الأفراد المنتمون إلى نفس الوطن بصورة متساوية، وبنفس الدرجة التي يلتزمــــون بهــــا بجملـــة من الواجبات .

كما أن مفهوم المواطنة في القرن الحادي والعشرين شهد تطورا وأبعادا جديدة تتجه نحو المواطنة العالمية، والشعور الإنساني المشترك، بضرورة الاعتراف الصريح بوجود الثقافات المتباينــــة و المختلفة واحترام حقوق الآخرين و حرياتهم من شعوب أخرى، و الاحترام المتبادل للديانات المختلفة التي يعتقد بها الآخرين، الاهتمام بالشؤون الدولية و فهم اقتصاديــــات  العالـــــم، إضافة إلى المشاركة الفعالة في تشجيع السلام العالمي وإدارة الصراعات و النزاعات في العالم بطرق سلمية، وتلك هي مواصفات المواطن العالمي في القرن الواحد والعشرين التي يمكن فهمها بشكل أفضل بصورة كفاءات تنمّيها مؤسسات المجتمع المدني لتزيد فاعلية الارتباط بين الأفراد على مستوى الفرد والمجتمع والدولة والإقليم والعالم. ويكون ذلك بتطوير قدرات عالية من التفكيــــر، تهــــدف إلى احتواء التباينات الثقافية ومواجهة التحديات التي تعيق الوحدة الإنسانية للمجتمع الدولي. 
    
قيم المواطنة
 
لقد أدى تزايد المشكلات العرقية و الدينيــــة فــــي أقطار كثيــــرة من العالم، وتفجر العنف والصراعات الدموية وجرائم الإبادة الجماعية عبر التاريخ، إلى ظهـــــور فكــــرة العولمـــة التي ظهرت على أساس التوسّع الرأسمالي.  كل  هذا أدى إلى ضرورة إعادة النظر في مفهوم المواطنة التي قام أساسا على تصور الحدود الإقليمية للوطن و الجماعة السياسية و السيادة القومية، ممّا  أدّى إلى بعث مفهوم المواطنة من جديد من أجل المحافظة على المصالح الخاصــــة للجماعــــة  داخل إقليم الدولة، و بذلك برزت مجموعة من القيم تشكل أساس مبدأ المواطنة .
 
(1) قيمة المساواة
 
 هذه القيمة ذات ارتباط وثيق بالحقوق الفردية و الجماعية للإنسان في المجتمعات البشرية، كحق التعليم والعمل ومساواة الأفراد أمام القانون والحق في الحصول على المعلومــــات بصورة متساوية بين جميع أفراد الوطن وتحقيق سيادة القانـــون في الدولة والحق في المعرفة . كل هذه الترتيبات تعكس قدرة الأذهان والمؤسسات على تفعيل مبدأ المواطنة في الوطن الواحد.
 
(2) قيمة الحرية 
 
تندرج ضمن هذه القيمة مجموعة من الحقوق أيضا، كحق الاعتقاد وممارسة الطقوس الدينية وحرية التنقل داخل الوطن وحق إبداء الرأي والتعبير وكسر الطابوهات الفكرية والسلطوية وحرية التأييد والاحتجــــاج علــــى موقف أو سياسة  أو حكومة وتحرير العقل من المعوقات السياسية  والإيديولوجية والمصلحيّة لتفعيل الشعور المشترك  بالانتماء للأمة والوطن الواحد.
          
(3) قيمة المشاركة 
 
 بوصفها حق الأفراد في التسيير الجزئي أو الكلي للشؤون الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية. يعتبر هذا الحق قيمة ذات دلالة مهمة في توسيع فكرة المواطنة من خلال جملة من الحقوق الواجب توفرها كحق تنظيم حملات الضغط السلمــــي على السلطة و الحق في مناقشة القوانين والبرامج والسياسات والقرارات والحق المحفوظ في التعبير عن الاحتياج والرفض من خلال الإضرابات والتظاهرات السلمية كما يقرها القانون والتصويت والحق في حماية صوت الناخب من التزوير وحق تأسيس الأحزاب والجمعيات والتنظيمات التي تعمل لخدمة المجتمع والحق في منع تدخل الأجهزة الحكومية في عمل هذه المنظمات وحق الترّشح في الانتخابات. فهذه الحقوق السياسية تضمن إلى حد ما إحساس المواطن بمواطنته والدفاع عنها والإيمان بالوجه الثاني لعلاقته بالوطن من الالتزامات والواجبات.
 
(4) قيمة المسؤولية الاجتماعية 
 
تشكل هذه القيمة المعرفة الجيّدة والفعّالة لواجبات الفرد تجاه بلده وتجاه أبناء الوطن من احترام لهم وللقانون ولخصوصيات التركيبة الاجتماعية والثفافية و الإيديولوجية للمجتمع.  
                 
مظاهر ومقتضيات المواطنة
 
إن المواطنـــــة هي عبــــــارة عن ممارسة لمجموعة من القيم تظهر على إشكال مظاهر مختلفة أهمها: 
◄ المشاركة الطوعية والاختيارية في نشاطات اجتماعية مفيدة وهادفة.
◄ التشبث بالقيم التي تتميز بإجماع المجتمع كالأعراف المحلية والدولية.
◄ تحسين السلوك الفردي والمدني والاجتماعي حسب المعايير الوطنية والعالمية لترقية الحياة البشرية .  
◄ النهوض بالأخلاقيات الاجتماعية المختلفة التي تعزز التماسك الاجتماعي بداية من الشعور بالهوية والبحث عن الحقيقة، مرورا بالحس المدني الرفيع واحترام مكانة المرأة، وصولا إلى قبول الآخر والتنازل والتعايش معه .
◄ حماية الأملاك الخاصة والعامة 
◄ احترام القوانين السارية المفعول والإيمان بسيادة القانون 
◄ احترام الديانات والحضارات والآراء الأخرى 
◄ عدم تجاوز حقوق وحريات الآخرين 
◄ خدمة الوطن والإخلاص والتفاني في محاربة الفساد والمشاركة في الواجبات التضامنية 
◄ أداء الالتزامات والأعباء المالية والواجبات الضريبية 
◄ المشاركة في عمليات التصويت والاقتناع بها كحق وواجب
 
أما عن الشروط الواجب توفرها لتحقيق مبدأ المواطنة فيما يعرف بمقتضيات المواطنة، فيمكن حصرها فيما يلي :
◄ تقرير الحقوق والواجبات بشكل واضح في إطار القانون 
◄ الالتزام بالواجبات 
◄ الحفاظ على الهوية الوطنية المشتركة ,وأكثر من ذالك الذاكرة الجماعية للأمة .
◄ ضرورة المساواة بين جميع المواطنين من دون أي تمييز تجاه اللون أو اللغة أو الجهة أو الدين أو العرق أو الثقافة , أمام الثوابت الأمة.
◄ استلزام المشاركة الفعالة في جميع مناحي الحياة المدنية والسياسية.
◄ ضرورة توفير الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية .
◄ ضرورة المساواة أمام العدالة وأمام تأدية الأدوارالاجتماعية وتولي    الوظائف .
◄ احترام الذات واحترام الكرامة الإنسانية .
◄ الاعتراف بالتعددية .
 
ونقطة الفصل في مفهوم المواطنة كممارسة ، يتوجب على القانون أن يعامل ويعزز معاملة كل الذين يعتبرون بحكم الواقع أعضاء في المجتمع على قدم المساواة، بصرف النظر على انتمائهم القومي أو مستواهم الاجتماعي أو أصولهم العرقية أو الثقافية التي ينتمون إليها أو أي مظهر من مظاهر التنوع بين الأفراد والجماعات. ويجب على القانون أن يحمي كرامة الأفراد وأن يقدّم ضمانات كافية ضد أي تعدّي واختراق للحقوق المدنية والسياسيّة.