متابعات

بقلم
غازي شقرون
من أجل تكافؤ فرص التربيّة والتعليم

 تنظّم الجمعيّة المتوسّطيّة للتربية المقارنة ”Mediterranean Society of Comparative Education“ ملتقاها الدولي السادس حول التربية والتغيير الاجتماعي  : نحو نموّ بشريّ حقيقيّ وذلك بمدينة الحمامات من 1 إلى 3 أكتوبر 2012 بمشاركة العديد من المختصين في مجالات متعددة تجمع بينها التربية المقارنة للعديد من التجارب في مجالي التربية والتعليم بالعديد من دول ضفتي المتوسط وخصوصا تونس والجزائر من الجنوب وفرنسا من الشمال.  ويستضيف المؤتمر العالم والمفكّر أدقار موران ”Edgar MORIN“ كما سيشارك العديد من المختصين في التربية والعلوم الانسانية والقانونية والسياسية حيث أن موضوع المؤتمر لا يتناول مسائل بيداغوجية بشكل مباشر ( مثلما تعارفت عليها المؤتمرات التربويّة سابقا) بل يؤسس لتنشئة أجيال من الأطفال والتلاميذ لا كمتعلمين فقط بل كمواطنين يحققون نموّهم البشري في مختلف أبعاده بحيث يستطيعون أن يختاروا ويتحملوا مسؤوليات اختياراتهم في نفس الوقت كي يحافظوا وساهموا في تنمية محيطهم البشري والطبيعي. والتربية من شأنها أن تساهم في تغيير المجتمعات لا على المدى القريب فقط ولكن أيضا على المدى المتوسط والبعيد وخصوصا مع جيل الناشئين.

وفي هذا الإطار وضمن محوري المؤتمر الخاصّين بالتربية والتغيير الموجود والتربية والتغيير المنشود ، نساهم بمداخلة تحت عنوان ”نحو تكافؤ فرص تربية الأطفال منذ سنّ ما قبل الدّراسة“. ومن أهمّ المسائل والمقترحات التي تتضمنها الدّراسة :
استفادة أكبر للأطفال المتفوقين من الأنشطة المقترحة عليهم بروضة الأطفال عندما يتواجدون في نفس القسم ( وخصوصا التحضيري ما بين 5 و6 سنوات) مع أطفال من مستويات النمو الأخرى ( ”العاديون“ والمتأخرون دراسيّا)
خطورة تعميم  دخول الأطفال بمختلف مستويات نموهم للسنة الأولى من التعليم الأساسي منذ سن الخامسة حيث أن التعليم في قسم جماعي في هذه السنّ لا يستطيع أن يحترم الفوارق النمائيّة والمعرفية بينهم مما يصعب عمليّة التنقيص منها منذ سن ما قبل الدراسة. فالمساواة بين الاطفال حسب أعمارهم هو تضليل لعملية تكافؤ فرص التعليم والتربية ( منذ قوانين فارّي FERRY أواخر القرن التاسع عشر فإن دخول الأطفال بشكل إجباري ومجاني كان بداية من 6 سنوات ) و في العديد من الدول الغربية ، يدخل أبناءها للتعليم بداية من سن السابعة.
ضرورة إيجاد نموذج تعيين نفسي تربوي معرفي لتربية الأطفال وإعدادهم للحياة والدراسة بمكوناتها الروحية والعقلية والوجدانية والجسمية حسب طرق تدخّل تربويّة وبيداغوجيّة تستجيب لحاجاتهم النمائيّة وتخضع للمصلحة العليا للطفل تحت إشراف وزارة خاصّة بالطفولة أو إدارة عامّة خاصّة ضمن وزارة من الوزارات ( من الأحسن أن تكون وزارة المرأة أكثر من وزارة التربية والتعليم أو الشؤون الدينية) بحيث أن الطفل التونسي ولدا أوبنتا يتلقّى تقريبا نفس المعارف الدينيّة واللغويّة والعلميّة ويتدرب على سلوكيات حياتية كمواطن مهما كانت المؤسسة ما قبل الدراسة الحاضنة له  (روضة أطفال/ كتّاب / سنة تحضيريّة بمدرسة أو بحضانة ....)
أهمّية دعم التكوين المستمر لمربّي الأطفال في سن ما قبل الدراسة خصوصا في المؤسسات المهتمّة بهم والتي عادة ما تحدث تحت ضغط هاجس تشغيل أصحاب الشهائد العليا غير المختصين في مجال الطفولة المبكّرة كالكتّاب والحضانة المدرسية، حيث أثبتت الدراسات التطبيقية التي قمنا بها مع العديد من مربّي رياض الأطفال بالبلاد التونسية وبمدارس أمومة فرنسية وعلى امتداد دراسات طولية مدّة 5 سنوات ( من عمر 3 إلى 8 سنوات بالنسبة للأطفال عند انتقالهم من مرحلة ما قبل الدراسة إلى الدراسة ) استفادة الاطفال المتاخرين الدراسيين والعاديين من الأنشطة  المختصّة المقترحة عليهم أكثر من الأطفال المتفوّقين الذين يعيشون في وضعيات تربوية وحياتية أكثر ثراءا بأسرهم ومحيطهم . وهذه النتائج تشرّع لضرورة تدخّل الدّولة عبر مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية لتمكين الاطفال من نفس تكافؤ فرص الاستعداد للدراسة الابتدائيّة كلّ حسب نسق وسرعة نموّه الذي تحدّده عوامل نضج جسم الطفل وكذلك عوامل خارجيّة وأهمّها الاسرة والمؤسسة التربوية المختصّة بالتربية ما قبل الدراسة وإن وجدت في مدرسة ابتدائيّة. فالنموذج التربوي في سن ما قبل الدّراسة هو بالأساس نموذج تعلّم ذاتي فردي أكثر من نموذج التعلم الجماعي المعتمد رسميّا بداية من السنة الأولى من التعليم الابتدائي. كما أن البرامج الدراسية التي تعتمدها وزارة التربية والتكوين في تعليم التلاميذ منذ دخولهم للمدرسة الابتدائيّة يجب أن تكون نفسها بالنسبة لكل أبناء تونس بالريف وبالمدينة ومن مختلف الفئات الاجتماعية بمختلف جهات البلاد . ونثمّن القرار الأخير لوزارة التربية والتكوين في رفض منح رخصة لمدرسة ابتدائيّة زيتونيّة خاصة بمنطقة رادس بتونس بسبب سعيها  لاعتماد برامج غير البرامج الرسميّة . فإن رفض المجتمع التونسي صفة اللائكيّة في المدرسة الوطنية التونسية واختصر على صفتتي المجانية والاجبارية ( كقوانين  من قوانين فاري FERRY) فإنه يرفض صفة المدرسة الدينية الموازية للمدرسة العمومية التي تمثل بها التربية الدينية الاسلامية أحد الركائز باعتبار الاتفاق العام في المجتمع التونسي على هويته العربية الاسلامية من خلال دستور الجمهورية الأول بعد الاستقلال وكذلك عند صياغة الدستور الحالي بعد ثورة جانفي المجيدة.