في النفس والمجتمع

بقلم
عادل دمّق
بين الغزالي و فرويد 

 - الشغف المعرفي

 
الغزالي : وكان التعطّش إلى درك حقائـــق الأمـــور دأبـي وديدنـــي  من أول أمري وريعان عمري حتى انحطّت عنّي رابطة التقليد وانكسرت  العقائد الموروثة على قرب عهـــد ســن الصّبــا ” المنقذ من الضلال “ ص 181.
فرويد : وما كنت أشعـــر في تلك السنوات بميل خاص إلى مهنة الطب ومشاغله وما شعرت قط بميل كهذا فيما بعد ، بل كنت مدفوعــــا  بضرب من التعطش إلى  المعرفة، لكنه كان ينّصـب  على ما يتّصل بالعلاقات الإنسانية أكثر منه بموضوعات العلـــوم الطبيعيـة . ” حياتي والتحليل النفسي“ - ص 10.
 
2- الأزمة  النفسية
 
الغزالي :  وفي هذا الشهر  ( رجب 486هـ) جاوز الأمر حد الاختيار إلى  الاضطرار إذ أقفل الله على لساني  حتى إعتقل عن  التدريس فكنت أجاهد نفسي أن  أدرّس يوما واحدا تطييبا لقلوب المختلفة إلي  فكان  لا ينطق لسانـي بكلمــــة واحــدة .- ”المنقذ من الضلال“ ص 136.
فرويد: إن استحالة الكتابة التي أعاني منها تبدو و كأنها  تريد تعكير صفو صداقتنا ..هنالك شيء ما يأتي من أعماقي وهو  يتصدى ويتعارض مع قيامي  بأي عمل ... لم أصب أبدا  يمثل هذا الشلل الذهني. ”رسالة إلى صديقه فليسFliess" "“ (1897).
 
3- اللاشعور
 
الغزالي : وفي الطباع أمر عجيب ،وهو حب جمع الأموال وادخار الدخائر وراء جميع الحاجات ...كذلك يحب اتساع الجاه وانتشار الصيت ، فإنه يلتذ به غاية الإلتذاذ و حب ذلك  ثابت في الطبع و يكاد يُظن أن ذلك جهل ...هذا الحب لا تنفك عنه القلوب وله سببان أحدهما جلي تدركه الكافة و الآخر خفي وهو أعظم السببين ولكنه  أدقهما وأخفاهما وأبعدهما عن الأفهــام وذلك  لاستمــداده من عرق خفي في  النفس و طبيعة مستكنة في الطبع لا يكاد  يقف عليها إلا الغواصون .
أمّا السبب الأول فهو دفع ألم الخوف... أمّا  السبب الثاني : نعلم أن للقلب ميلا إلى صفات بهيمية كالأكل  والوقاع وإلى صفات سبعية كالضرب والإيذاء والقتل وإلى  صفات شيطانية كالمكر والخديعة وإلى صفات ربانية كالكبر والكمال  . وكل إنسان في باطنه ما صرّح به فرعون من قوله أنا ربكم الأعلى ولكنه ليس يجد له مجالا... ولكن لما عجزت النفس عن درك منتهى الكمال لم تسقط شهوتها فهي محبة للكمال مشتهية له وملتذة به... وإنما الكمال في الاستيلاء على كل الموجودات فصار الاستيلاء محبوب بالطبع . ”أحياء علوم الدين“ - ص 1837.
فرويد: والتحليـــل النفســـي أداة يفتـــرض بهــا أن نمكــن الأنـــا من السيطرة  التدريجيّـــة علـــى  الهـــذا ...أعلمنا التحليل النفسي أن ماهية  الكبت  لا تكمن في إلغاء تمثـــل  ممثل الدفــاع الغريــزي أو في إبادته بل في الحؤول دون صيرورته واعيا ... هو موجود في  حالة لا شعوريّـــة وفـــي مستطاعنــــا أن نقــدّم أدلّـة  قويّة على أنه قادر - على كونـه  لا شعوريـــا- أن يأتـــي  بمفاعيــل. ”علم ما وراء النفس“ ص 51.
 
4- قوى النفس
 
الغزالي :  طينة الإنسان عجنت من أخلاط مختلفة فاقتضى كل واحد مــــن الأخــــلاط فـــي المعجــــون منـــه أثـــرا مـــن الآثــــار: 
أخلاط ربوبية : الكبر ، الفخر ، حب المدح ، البقاء، الخلود ...
أخلاط شيطانيّة : الحسد ، الحيلة  و الخداع ...
أخلاط بهيميه : الشره ، الشهوات...
أخلاط سبعية : الغضب ، الحقد ،التهجم ، القتل ...
وهذه الصفات لها تدريج في الفطرة ، فالصفة البهيمية تغلب أولا ، ثم الصفة  السبعية ثم إذا  اجتمعا استعملا العقل في الخداع و المكر والحيلة وهي الصفات الشيطانية ثم تغلـــب الصفــت الرّبوبيّـــة وهي الفخر والعز والعلو وقصد الاستيلاء على جميـــع مـــا خلـــق. ”أحياء علوم الدين“ ص 2093.
فرويد :  انطلاقا من بعض التأمّلات خلصت إلى استنتاج أنه يوجد إلى جانب غريزة  المحافظة على المادة  الحية ، غريزة أخرى تنزع إلى حلّ تلك الوحدات...  إلى جانب الغريزة الايروسية توجد إذن غريزة الموت تلك ...- ”حياتي التحليل النفسي“ ص 82.
إن أرواء غليلها يقترن بلذة نرجسية سافرة وذلك حيث تظهر للأنا  رغائبه القديمة في كلية القدرة والقوة . – دروس تمهيدية. 
لقد كون الإنسان لنفسه منذ سحيق العصور مثلا أعلا  لكلية القدرة و كلية العلم ثم جسده في آلهة ، و ما دام   الآن قد اقترب غاية الاقتراب من هذا المثــــل الأعلـــى فقـــد أمســـى هـــو نفسه إلاها... إن الإنسان المعاصر لا يشعر بأنه سعيد مهما قارب أن يكون إلاها... ”قلق في الحضارة“ ص 45.
 
5- صراع الدوافع
 
الغزالي :  والقتال قائم بين باعث الدين وباعث الهوى والحرب بينهما سجال فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدّين في مقابلة باعث الشهوة  وكلّ متصارعين أردنا أن يغلب أحدهما الآخر فلا طريق لنا فيه إلاّ تقوية من أردنا أن تكون  له اليد العليا وتضعيف الآخر فلزمنا  تقوية باعث الدين  وتضعيف باعث الشهوة .
أما باعث الشهوة فسبيل تضعيفه 3 أمور:
◄ أن ننظر إلى مادة قوتها وهي الأغذية الطيبــــة المحركـــة للشهــوة من حيث نوعها و كثرتها فلا بد من قطعها بالصوم.
◄ قطع أسبابه المهيجة في الحال فإنه أنما يهيج بالنظر إلى مظان الشهوة إذ النظر يحرك القلب والقلب يحرك الشهوة وهذا  يحصل بالاحتراز عن مظان  وقوع البصر على الصور المشتهاة .
◄ تسلية النفس بالمباح من الجنس الذي تشتهيه. وأما تقويه باعث الدّين فإنما يكون بطريقتين :
(*) إطعامه من فوائد المجاهدة و ثمراتها  في الدّين و الدنيا ...وذلك بأن يكثر فكره في الأخبار الواردة في فضل الصبر.
(*) أن يعوّد هذا الباعث  مصارعه باعث الهوى تدريجيا قليـــلا حتى يدرك لذة الظفر بها فتستجري عليها فإن الاعتياد والممارسة للأعمال الشاقة  تؤكد القوة التي تصدر منهـا تلك الأعمـــال .”أحياء علوم الدين“  ص 2173-2191.
فرويد : إن الحياة النفسية  ميدان حرب و ساحة صراع  يقوم فيها الكفاح بين نزعات متعارضة .فقيام  شاهد على وجود نزعة معينـــة لا يتنافى  بأية حال مع وجود نزعة مضادة لها ...- ”محاضرات تمهيدية“ ص 70.
الصراع  النفسي يسلك مســارا  يتـــاح فيـــه لقوتيـــن ديناميتيــــن ( الغريزة والمقاومة) إن تصارع واحدتهما الأخرى ردحا من الزمن صراعا  يقع بتمامه في دائرة الوعي...- ”حياتي والتحليل النفسـي“ ص 40.
 
6المقاومةالنفسية   
  
الغزالي : العجب بالبدعة هو استحسان ما يسوق إليه الهوى والشهوة مع ظن كونه حقا ، وعلاج هذا العجب أشد من علاج غيره لأن صاحب الرأي الخطأ جاهل بخطئه ولو عرفه لتركه ولا يعالج الداء الذي  لا يعرف والجهل داء لا يعرف فتعسر مداواتـــه جــــدا لأن العارف يقدر على أن  يبيّن للجاهــــل جهلـــه ويزيلــــه عنـــه إلا إذا  كان معجبا  برأيه فإنه لا يصغي  إلى العارف ويتّهمه. فكيف يمكن  علاجه؟ وكيف يطلـــب الهـــرب ممــا هـــو سبب سعادتــــه في اعتقاده؟ 
و إنما علاجه أن يكون متّهما لرأيه أبدا لا يغترّ به  إلا أن يشهد له  قطع من كتاب أو سنة أو دليل عقلي صحيح جامع لشروط الأدلة، ولن  يعرف الإنسان  أدلة  الشرع  والعقل وشروطها ومكامن الغلط فيها إلا بقريحة تامّة وعقل ثابت ومجالسه وممارسة و لا أمان ...
فرويد :  ليس لنا أن نبخع أنفسنــا علـــى أمثـــال هذه المقاومات فهي تحتوي على كثير من المواد الهامّة جدا في حياة المريضة، هذه المواد تخدم  غرض  المقاومة دائما أول الأمر فلا يبدوا منهــــا إلا مظهرها  المناصب للعلاج ...ومع هذا فلا يذهبـــن بكـــم الظــن إلى أن  ظهور هذه المقاومات من شأنه أن ينال من جدوى العلاج التحليلي وصلاحيته فنحن نعرفها ونتوقـــــع ظهورهــــا ولا نبتئس إلا حيـــن نعجز عن استثارتها استثارة واضحة و حين نعجز عن  أن نجعل المريض يفطن إليها من حيث هي . وهكذا يتاح لنا  أن نفهم أن التغلب على هذه المقاومات هو المهمة الأساسية للتحليل -”محاضرات تمهيدية“ ص 312.
وأول أثر للعلاج غالبا ما يكون إنكارا عريضا من جانب المريض.  ثَمَّ إذن أكثر من نوع من الجهل بالأمور وإن  الإحاطة بما بين هذه الأنواع  من فوارق لتقتضي درجة رفيعة من الاستبصار ومع هذا فالمبدأ الذي جئنا به من  انقشاع الأعراض عند  العلم بمعانيها  لا يزال صحيحا على  شرط أن يكون  أساس المعرفة تغييرا داخليا في نفس المريض لا يحدث إلا بمجهود عقلي موصول موجه إلى هذه الغاية-  ”محاضرات تمهيدية“ ص -321.
 
7- سياسة الشهوات
 
الغزالي :  علـــى المؤمـــن أن يقتـــدي برســـول الله وأصحابـــه وهو أن لا يترك الدنيا بالكليـــة ولا يقمـــع الشهـــوات بالكليـــة... أما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع والعقل ولا يتبع كل شهـــوة ولا يترك كل شهـــــوة بل يتبع العــــدل... يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا ويحفظه على حدّ مقصوده ويبقى ملازما لسياسة الشهوات- ”أحياء علوم الدين“ ص  1752.
فرويد:  من أين نشأة هذه الفكرة الباطلة عن التحليل ؟ إن نصح الفرد بـأن يُمعن في إشباع شهواته الجنسية نصح لا صلة له بالعلاج التحليلي ... إن المريـــض يكايد صراعـــا عنيفــــا بين رغباتــــه اللبيدية  وبين الكبت الجنسي ..بين نزعاته الشهوانيّة ونزعاته المتزهدة. فهل السبيل إلى حلّ الصّراع أن نعين أحـــد الخصمين حتى يتغلـــب علـــــى الآخـــــر؟ نحـــن نرى أن الجانـــب الزاهـــد هو الغالب  السائد عند  العصابيين و وجدت النزعات الجنسية المكبوتة لنفسها في الأعراض  متنفسا ومنصرفا فلو  أننا عملنا على أن ينتصر  الجانب الشهواني لقام  الجانب الزاهد المنبوذ بتعويـــض  مـــــا يصيبــه مـــن الكبـــت عن طريق الأعراض، فليـــس  في أي  مـــن هذيـن الإجرائين حسم للصراع الداخلي... نحن نعوّد العليل عدم  التطرف في الشؤون الجنسية و في غيرها على حد سواء ،فإذا ما انتهى العلاج فأصبح بنعمته حرا مستقلا واختار طريقا وسطا بين الإباحة المطلقة  و التزهد المطلق كنا راضين. و الرأي عندنا أن من جاهد و أفلح في معرفة حقيقة نفسه كان بمنجاة من أخطار الفساد... – ”دروس تمهيدية“ ص 478. 
 
8- أصول العلاج
 
الغزالي : ولا ينقمع المرض إلا بقمع المادة ...فإن لم تقمع المــادة لم يحصل بما ذكرناه إلاّ تسكين و تطفئة و لا يزال يعود مرّة بعد أخرى و يطول الجهد في تسكينه مع بقاء مواده. – ”أحياء علوم الدين“ ص 1698.
ينبغي أن يكون  العالم كالطبيب الحاذق فسيتدلّ أولاً بالنبض والسخنة ووجود الحركات على العلل الباطنة ... فليستدل بقرائن الأحوال على  خفايا الصفات . فعلى كل ناصــح أن تكــون عنايتــه إلى تفرس الصفات الخفية و توسّم الأحوال اللائقة إقتداء برسول الله حيث قال له واحد أوصني، فقال: "لا تغضب ". و قال له آخر أوصني ،فقال :" عليك باليأس مما في أيدي الناس". فكـأنه صلى الله عليه وسلم توسم في السائل الأول مخايل الغضب وفي الثاني بوادر الطمع . ”أحياء علوم الدين“ 2158.
فرويد : هل تعرفون ماذا يقصد بالعلاج العلي؟ هذا  اصطلاح يطلق على طرق العلاج التي تعمل على إزالة أسباب المرض بدل أن تهاجم مظاهره و أعراضه- ”محاضرات تمهيديّة“ - ص 482.
 
9- معنى الهفوات و خطرها
 
الغزالي :  فحكم الله على كل إنسان أن يراقب نفسه عند همّه بالفعل وسعيه بالجارحة فيتوقف عن الهم والسعي حتى ينكشف له بنور العلم أنه لله  فيمضيه أو هو لهوى النفس فيتقيه وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم لمعاذ :" إن الرّجل ليسأل عن كحل عينيه وعن فته الطين بأصبعيه وعن لمسه ثوب أخيه...".
ولا يخلص من هذا إلاّّ العلم المتين والمعرفة الحقيقية بأسرار الأعمال وأغوار النفس ومكايد الشيطان –" أحياء علوم الدين".. كتاب المراقبة و المحاسبة ص 276.
فرويد :  للهفوات دلالة و معنى... و ثم مجموعة أخرى من الظواهر تشبه الهفوات شبها كبيرا، سنسميها الأفعال العارضية "accidental " أو العرضية "Symptomatique " ويندرج في هذا الصنف من الأفعال كل ما نقوم به من أفعال لا هــدف لهــا في الظاهر ، كعبث الإنسان بملابسه أو بأجزاء من جسمه أو بأشياء في متناول أصابعه أو تك الألحان  التي يٌغنيهـــا الإنســـان لنفســه إلى غير  ذلك  من الأفعال التي نبدؤها أو نكف  عنها دون  سبب ظاهري و لا أتردد في أن أؤكد لكم أن لهذه الظواهر معنى  كما أنها علائم صغيرة تشر إلى عمليات نفسية أخرى أهم منها ، فهي أفعال نفسية بالمعنى الكامـــل لهـــذا الاصطـــلاح.-" 5 دروس تمهيديّة في التحليل النفسي"- ص 32.. –المحاضرات الجديدة ص 477.
 
10- منهج التعليم (1)
 
الغزالي : وأنا أرى أن  أكل هذا إلي  فهمـــك لتستنبطــه بنفســك على قياس ما نبهت عليه في أمثاله فعساك تقف على  وجهه، فالنشاط والتنبيه من نفسك أعظم من  الفرح  بالتنبيه من غيرك والتنبّه  يزيد في النشاط أكثر من التنبيه-”جواهر القرآن“ ص148.
ومن مارس العلوم يحصل له على طريق الحدس والاعتبار قضايا  كثيرة لا يمكنه إقامة البرهان عليها ولا يمكنه أن يشك فيها ولا يمكنه أن يشرك فيها غيره بالتعليم إلاّ أن يدلّ الطالب على  الطريق الذي استنهجه حتى إذا تولى السلوك بنفسه أفضاه ذلك السلوك إلى ذلك الاعتقاد  و إن كان  ذهنه في القوة والصفاء على رتبة الكمال.-  ”معيار العلم“ ص 141.
فرويد : وأعرف أنكم تريدون أن تعرفوا الكيفية التي يؤثر بها العلاج التحليلي على الأجمال  والنتائج التي يصل إليها هذا العلاج على التقريب و لكم حق لا يماري في معرفة هذا غير أني لن أذكر لكم  منه شيئا، بل أوثر أن أدعكم تقعون عليه بأنفسكم ”المحاضرات الجديدة“ ص 27 . 
 وثم  طائفة  من الظواهر النفسية المألوفة الذائعة ويمكن أن تتخذ مادة لممارسة التحليل فعلى هذا  النحو قد يظفر  الإنسان بما يرجو من اقتناع بحقيقة العمليات التي يصفها التحليل و يصدّق أراءه.
 
11- منهج التعليم (2) 
 
الغزالي :  لا يقف على فساد نوع من العلوم من لا يقف على منتهى ذلك العلم حتى يساوي أعلمهم ثم يزيد عليه و يجاوز درجته. – ”المنقذ من الضلال“ ص 194.
فرويد : أليس هذا الافتراض أبسط و أكثر إرضاء للنفس من تلك النتائج الفظيعة...إنه في الحق أكثر و أكثر إرضاء للنفس غير أن هذا لا يستتبع بالضرورة أن يكون أكثر صحة و صدقا، فلنصبر... فالمسألة لم تتّضح بعد للحكم عليها وتعالوا بنا قبل كل شيء نجعل أوجه النقد أكثر قوة مما هي عليه.- ”المحاضرات الجديدة“ 149.
 
12-  العقل و الأهواء
 
الغزالي : إنّ إقدام الخلق وإحجامهم في أقوالهم وعقائدهـــم وأفعالهم تبع للأوهام، وأمّا إتباع العقل الصرف فلا يقـــوى عليــه إلا أولياء الله تعالى الذين أراهم الموحدون... فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة و الأفعال المستقيمة و الدالّ على مصالح الدنيا و الآخرة ومن عدل عنه فقد ضل سواء السبيلّ.- ”الحقيقة في نظر الغزالي“ ص 281.
فرويد : يمكننا أن نؤكد بلا ارتياب أن العقل البشري ضعيف وعاجز بالمقارنة مع الغرائز البشرية غير أن ثمة خاصية.. .إن صوت العقل ليس قويا لكنه لا ينطق حتى يصغى إليه – ”مستقبل وهم“ ص 77 ... إن قلة محدودة من الناس هم الذين يستطيعون أن يحيوا حياة العقل و لكن أغلب الناس يعيشون بالخرافات والأوهــــام أفضـــل من أن يعيشوا في الحقيقة - ”أصول التحليل النفسي“ ص 23-
  
13- من العقلاني ؟
 
الغزالي :  قالت المحسوسات بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليّات كثقتك بالمحسوسات ... فقد كنت واثق بي فجاء حاكم العقلـــي فكذّبنــي ولو لا حاكم العقل لكنت تستمرّ على تصديقي...فلعلّ وراء العقل حاكم آخر إذا تجلّى كذّب العقل في حكمه وعدم تجلّــي ذلــك الإدراك لا يدلّ على استحالته..فتوقّفت النفس في جواب ذلك قليلا وأيّدت إشكالها بالمنام . ”المنقذ من الضلال“ ص 83 و 87.
فرويد :  يعاب علــى العلـــم أنـــه يعلّمنا شيء ويخفي عنا أشياء وقد حاول بعضهم أن ينفي عن العلـــم مصداقيّتــــه قائــلا إن العلــم لا يمكنه بحكم ارتباطه بشروط تكويننا أن يعطينا إلاّ نتائج ذاتيّة فتبقى حقائق الأشياء الموجودة خارجنا مغلقة دونه ...كلاّ ليس علمنا وهما وإنّما الوهم أن نعتقد أنّـــه بإمكاننـــا أن نجد خارجـــه ما لا يستطيع هو أن يهبنا .- ”مستقبل وهم“ ص 78و 80.
 
14- حسن الظن بالعقل :
 
الغزالي : فإن قلـــت نرى العقلاء يغلطـــون فــــي أنظارهــــم فاعلم أن خيالتهم وأوهامهم قد تحكم باعتقادات  يضنون أنها أحكام العقل فالغلط منصوب إليها، فأم العقل إذا تجرد عن غشاوة الوهم والخيال لم يتصور أن يغلب بل يرى الأشياء على ما هي عليه وفي تجريده عسر عظيم – ”مشكاة الأنوار“ –
فرويد : هدف التحليل النفســي مساعـــدة الإنســــان علــــى التحكم في رغباته ونوازعه بواسطة العقل، وانتصار العقل ما هو إلاّ تتويج لجهود التحليل النفسي ومما لا شك فيه أن الزمن الذي ستقوم فيه سلطة العقل لا يزال نائيا عنا للغاية – ”مستقبل وهم“ ص 77.
 
15- الأمل المنشود
 
الغزالي:  إن التحـــرّر مـــــن ربـــق  الأوهــــام إلــــى حرّية  العقول الصريحة و الأفهام الراجحـــة أولّ مــــا طالـــب بنـــي البشـــر. ”معيار العلم“ ص 28.
* إن الحالة المثالية تكون جماعة من الناس اخضعوا حياتهم الغريزية لسيادة العقل... فلا شيء غير هذا يمكن أن يوحّد الناس بمثل هذه الدرجة من الكمال والتماسك .”أفكار لأزمنة الحرب والموت“ ص 55.
فرويد: كم يبدو رائعا وقد تخلت الإنسانية عن كل وهم وصارت قادرة على أن تحقّق لنفسها على هذه الأرض حياة طيبة بإشارة العقل . ”مستقبل وهم“ ص 73.
 
16- حدود التزكية
 
الغزالي: وظنّت طائفة أنه لا بدّ من إماتة الصفات البشرية و قطعها عن النفس بالكلية وأن السعادة في قطــع الشهـــوة  والغضـــب، ثم  أقبلوا على المجاهدة وشدّدٌوا على أنفسهم حتى هلك بعضهم بشـــدة   الرّياضـــة وبعضهـــم فســـد  عقلــه وجنّ  وبعضهم مرض وانسدّ  عليه طريق العبادة. – ”أحياء علوم الدين“ 1957.
فرويد:  في الحقيقة لا يحفل منظّرو الأخلاق  بالبنيـــة النفسيـــة فهو يصدر أوامره ولا يهتم ما إذا  كان بوسع  الإنسان أن يتقيّد به  بل يفترض على العكس  أن الإنسان قادر نفسيا على أن   يقوم بكل ما يطلب منه  وأن هذا الأنا يسيطر على ذاته سيطرة  لا حدود لها، وهو خطأ  يتردّى فيه لأن سيطرة الأنا على الـــذات لا يمكنها أن تتجاوز حدودا معينة حتى عند الإنسان الســـويّ. فالمطالبـــة بما هـــو أكثـــر مــــن طاقتــــه تستثيـــر التمـــرّد أو العصاب أو تحكم عليه  بالتعاسة و الشقاء .” قلق في الحضارة“ ص 105.
 
17-  النيّة: أية جدوى؟
 
الغزالي : لا وصول إلى السّعادة إلاّ بالعلم والعبادة والنّاس كلّهم  هلكى إلاّ العالمون والعالمون كلّهم هلكى إلاّ العاملون والعاملون كلّهم هلكى إلاّ المخلصون والمخلصون على خطر عظيم
قال الله تعالى ”للّه الدّين الخالص“ وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّما الأعمال بالنيّات“ إحياء علوم الدّين كتاب النيّة والإخلاص والصّدق.
فرويد: ويعتبر منظرو الأخلاق الأفعال خيّرة فقط إذا كانت تعبيـــرا عن ميول خيّرة ..  ولكن المجتمع لا يسير إلاّ وفق اعتبارات عمليّة ولا يهتمّ مطلقا بهذا التمييز.. لا يهتمّ بالدوافع. ” أفكار لأزمنة الحرب والموت“ ص 16
 
18- مرايا الأحلام
 
الغزالي: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مما يكثر أن يقول لأصحابــه هـــل رأى أحـــد منكم من رؤيا فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ ...كان الرّجل في حياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى رؤيا قصّها على رسول الله ”إحياء علوم الدّين“.
فرويد: نظريّة الكبت هي الركيزة التّي تشدّ هيكل التحليل النفسي ...تفسير الأحلام هو المعبر الملكي لمعرفة الا شعور. ”دروس تمهيديّة“.
 
همزة الوصل
 
كنت حينا من الدهر أبحث عمَا يمكن أن يكون همزة وصل بين العلمـين حتى اطلعت على جغرافية نشر مؤلفات الغزالي و كانت المفاجئة: بعض مؤلفات الغزالي طبعت (سنة 1857 ) في مدينة ليبزيغ Leipzig  الألمانيــة وهـــــي مدينـــة جامعيـــة تأسســت سنة 1409، في هذه المدينة نشـــر فرويـــد أولــــى مؤلفاتـــه. (سنة 1900) .