كلمات

بقلم
عبدالنّبي العوني
إعلامنا مستقل ... !!! إعلامنا نزيه.... !!!

 هذا ،صدر وعجز، لبيت شعري مدحي، من عشاق ، لفائـــض زاد عن الحد لأداء إعلامي في وطني بعد 14 جانفي، من إعلاميين انتقلوا  توا من اللون البنفسجي الفاقع إلى الألوان المتعاقبة والمتتالية  التــــــي يحتملهــــا  طيف اللـــون الأبيض إثــــر تشتتــه بعد أن يعترضـــه  منشور قائـــــم، و توزُعِه من الفوق بنفسجـــي إلى ما تحت الأحمر،  و التي نراها بارزة للعيان على المسارح التراجيديـــة السرياليـــة للمؤسســـات  الإعلاميـــة ذات الأهــــــداف الربحية .

هل حقا إعلامنــــا مستقـــل كمـــا يـــروج....؟ و إن كـــان كذلـــــك، فممن و عمّن. وهل يوجد في العالم الآن مثل هكــــذا إعلام ؟ 
 الذي أحسبه أن الاستقلالية والاستقالة، مفهومين مختلفي المعنى والسياق، لكنهما في الميدان الإعلامـــي يؤديـــان لنفـــس الهــدف. أي بمعنى ما، أن من يدعي الاستقلالية فهو من حيث لا يدري يؤسس للاستقالة، وهذا لا يمكن أن ينطبق على المشهـــد العــام لهذه المؤسسات، مرئية كانت أو مسموعة أو مكتوبة أو افتراضية، إذ أن من ابرز  خصوصياتها الارتباط ، بجهة ما ،بمشروع متخيل ما، بمنظومـــة ما ، و الارتباط هــــذا، يمنع عنهــــــا الاستقلاليـــــة ولا يدفعها للاستقالة ، و يحول بينها وبين ما تشهره أمامنا ليلا ونهارا ، وعن طريق  حبالها السرية والعلنية تتم تغذية الرصيد المفترض للمؤسســـــــة الإعلاميـــــة ،ماليــــــا ،بنيويــــا ، وبشريا وهيكليــــا وعـــن طريقهـــــــا يتم التحكم عن بعــــد في الخط التحريري والنسق الإعلامــــي والسلـــم الوظيفـــي والتوظيفـــي، وتصبــح الاستقلاليــــة مصطلـــح مـــا بعــــدي وفوقــــي يُتنـــاول ويُستحضر عند اللزوم والحاجة ، وأكذوبة يداري بها الإعلامي، سوءاته التي لم يستطع سترها رغم التغيرات المتسارعة التي تحدث حولــه وتحيــط بـــــه، وإعلامنا الذي لم يمسح بعد عن جسمه، فضلات وقاذورات الحبـــر الأحمــــر ثم البنفسجي ،يتحفنا صباحا مساءا و بالأخص مع بداية الساعة التاسعة، بنظريات الوفاء لاستقلاليات جوفاء متداخلة، مستنسخة و مشوهة، وحسب ما يطلبه الراعي الرسمي المالي ، السياسي، أو الأيديولوجي، و بعملية تصويرية، يزيح لغويا الكائن والقائم و البديهي و يستبدله تموجيا بمتمن و متخيل ومتصور، لم نره واقعا إلا على الشاشة أو الورق أو سماعا، حتى وان فتشنا عنه لم نجده كما لم يجد سي الباجي قناصه.
أما الإعلام النزيه ،فلقد درت الأسواق والشوارع والمدن الإعلامية، فلـــم ألحــــظ حانوتـــا إعلاميــــا يمــــارس ولــــو علـــى استحياء، أو حتى سريـــــا،عـــــادة النزاهــــة، لان متطلباتهـــــا كبيــــرة وصعبـــة المنال، إذ من أساسياتها التجرد ،من كل التأثيرات والمؤثـــرات الداخليــــة والخارجيـــة، وانتساب إعلامنا  للنزاهة دون معرفة الأب الحقيقي، مع الاستعمال المفرط للانحياز،  والانزياحات المتعددة لنوافذ نشر الفوضى، على مدى سنتي التأسيس، المغالي هو أيضا والمرتبك ،لا يكسبه هذا الشرف الرفيع ولا ينتسب له.
و من كل هذه المنطلقات المذكورة آنفا، نجد أن الاستقلالية والنزاهة، التي يدعيها إعلامنا، قيم كبرى لن تستطيع مؤسساتنا الخوض فيها واللعب عليها، ولم يحصــل يومـــا أن غرفـــت منهــــا و لو ما تيسر ،إذ هما بعيدي المنال و المناولة وفقا للبنية والهيكلة والتصورات والمنطلقات و المبادئ والأداء والصور و ليس الادعاء مما ليس فيه.
أما إن تحدثنا ،عن المهنية والحرفية وامتلاك الرؤية الإعلامية الإستراتيجية أو المؤقتة "مثل الحكومة المؤقتة" ،فهذا كمٌ ممكن الأخذ منه والعطاء، وهذه الثلاثية، هي مفاهيم يمكن إجادتها والوصـــول بالمبتغـــى إلــــى أقصـــى حـــد مـــن درجاتها والابتعاد بضعف القدر عن أدنى دركاتهــــا، ويحصـــــل هـــذا، ليس بالتمني والتبنـــي ومتـــــى ما يعن ، وإنما متى ما تم الإيمان بهم كقيم، يدخلون أليا في عصـــب العمــــل الإعلامي ومتى ما توفرت الإرادة والإجـــادة والدرايــــة، وفـــي حالنـــا الوطنـــي، وإن أرجعنا النظر وأرسلناه ،مرة ومرتين أو أكثر، للنفاذ إلى أعمق أعماق نواتات خلايانا الإعلاميــــة، القديمــــة ذوات السبـــع أجنحـــة أو المتجددة أو الجديـــدة ، ينقلـــب البصــــر إلينــــا خاسئــــا وهــــو حسيــــــر، لان التصلب الطرفي والتكلس المعرفي والأجندا السياسيوية الممجوجة، الملوثة بكم هائل من فضلات الايدولوجيـــــا العادمـــة، تحول بين هذه الكائنات الهشة بنيويــــا  وبيـــن المهنيــــة والحرفية و الأداء الفاعـــل والجيـــد، قد نرى هذه القيـــم وبمقدار على منابر المؤسســـات الإعلاميـــــة العالميــــة أو العربيـة ، أما بين ظهرانينا و في  حوانيتنا الإعلامية المحلية، فقد أصبحت نوافذ و"برمقلي"، لنخب سياسية أصابتها العطالة الأيديولوجية بخصوماتها القبلية لسنوات الجمر الثمانيني والتسعيني و رهنت  خصوبتها التي حررها الشعب بعربة خضار في مثاني العقم المستفحل لأباطرة المنكهات السياسية والأيديولوجية  التي أخفقــت،  و مجاميعهــــا المختلفــــة، في أدائها المتناسب عكسيا  مع تطلعات شعب ،حررهم وحرر طاقته من الكبت العابر للذاكرة و التواريخ ،و عوض أن تطهر نفسها وتتطهر على عتبات الحلم المقدس بالتحرر والحرية، سجنت نفسها وسجنتنا فــــي معتقلاتهــــا الأيديولوجيـــة الرثــــة، وأخرجت لنا من مقدماتها أبخرة   نووية ملوثة و مدجنة، "فما بالك بمؤخراتها" تساهم في نشر العقم المعرفي والجهل السياسي ، ومنحازة لأقطاب بعينهــــا، خبرتنـــا وخبرناهـــا ،وتقدم أحلامنا وتطلعاتنا ،كقربان لها و تحت الحساب ، أما يافطات المهنية والحرفية، فيستنجد بها فقـــط عنـــد المغانــــم والمكــــاره وعصبويـــا، ومتى ما عن لبعض المؤسسات أن تخوض معارك سياسية أو أيديولوجيــــة  بالوكالـــة ،عبر نوافذها أو أبوابها المصفحة، عوضا عن أطـــراف سياسيـــة أو أيديولوجيـــــة تقزمت  وقُصـــــت أجنحتهــــا بتفاعلاتهــــا الداخليـــة والخارجية، لما دخلت أبواب و ساحات معتركات الشأن العام ، و كبديل للإخفاقات المنهجية في تقديــــم البرامـــج والـــرؤى و التصورات و المقاربات للمشكلات العويصة والمركبة التي تغوص في أوحالها طاقات الوطن و أبنـــاؤه ، استبدلـــوا الذي هو خير بالذي هو أدنى، و استُعيض عن الفعل، بالتنابز والتنافر والسب والشتم والرقص على الأحلام، بالاستعانة بالحبال السرية لإعلامِ سجين لم يتحرر بعد ولم يبرأ من تشوهاتـــه وعاهاتـــه و لم يستطع أن يلفظ منتجاته النتنة التي كان يعرضهـــا علينــــا و في أسواقنـــا، و لم يجدد دماءه و لم ينقي هواءه الذي ازكم أنوفنا بأبخرته الملوثة والسامة التي كان يقذفها على وجوهنا . 
و لأننا لم نرى المهنيـــة و لا الحرفيـــة، لا  في النشــــرات الجوية أو الفنية، فان البصيص الوحيد الذي يومض فجأة و بعد لآي، نلحظه في البرامج الوثائقية المدبلجة التي تتناول البيئة والحيوان والنبات والجغرافيا"وفي كل حال ليست الجغرافيا السياسية لمكونات الوطن"علما وأنها منتجات ليست من إبداع أناملنا الإعلامية .
مع كل هــــذا، فإعلامنـــا الـــرديء، المنحنـــي طوعــــا أمام جحافل الايدولوجيا الخاسرة والأجنــــدا السياسيويـــــة الضيقـــــة والمحنطــــة، يتحفنـــــا وبكـــل رعونــــة ، شـــرب حليبهـــا سابقا، بأنــــه مهنــــي ومحتـــــرف و مستقـــــل و نزيــــه و نسي انه شبه منحرف. 
 وان كان هذا كما يقولون، فاخبرونا بحق ألهتكم وبحق إعلامنــــا، عن التحريــــر والتركيـــب والتوظيـــف والتوجيـــه والبروبغانــــدا والغوبلزيـــة ، وأنــــا، و لانــــي مواطـــن مشاكـــس ومناكــــف استنشق الهــــواء الإعلامـــي، بالهــــوى، حتــــى ضـــاق صـــدره، بالرغم  مما يقتطـــع مـــن جيبـــه عبـــر فاتــورة الكهرباء كي يبرأ، و إذا به من دوائها يمرض و من جراء إخبارها  ينزف ، ويعلنها، أن بين إعلامنا وهذه القيم، مسافــــات، تعـــدل سنـــوات ضوئيــة من فوتونات أجهزة بثها التقليديـــة أو الرقميـــة من بقايا الألعاب المتوسطية .
 وإننا،،،،، اسمعنا لو نادينا حيا....!
                                            و دمتم سالمين......