الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد الخامس

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله...

 أن نعيش في مجتمع يحكمه مفهوم ”التعاقد“ بدل مفهوم ”الغلبة“ ويُكرس فيه مبدأ الحرية ويتساوى فيه المواطنون.. ذلك هو  ”مجتمع المواطنة“ الذي لا أمل في بنائه إلاّ » بتسهيل دخول المواطن معترك الحياة العامة والارتقاء به إلى مستوى المواطنة بما تحمله من حقوق وواجبات والتعبير عن رأيه والمشاركة الفاعلة في صياغة القرار ونقاشه «  هذا ما أراد الأستاذ محمد القوماني أن يبرزه في مقاله بعنوان ”هل تفتح الثورات العربية عصر المواطنة في ربوعنا؟“ معتبرا أن »المواطنة كامنة في النصوص القانونية التي تنظم الدولة والمجتمع، وحاضرة في الخطابات المتداولة، ولكن المشكلة تظل في ضمور هذه المواطنة وإفراغها من محتوياتها.    « 

أمّا الباحث  مصباح الشيباني فيرى في مقاله ”الثّورات العربيّة الرّاهنة وتحدّيات بناء المواطنة“ أن »الانطلاق من التّراث السياسي والثقافي العربي لتجديد الرؤى والممارسات السياسية والثقافية وتمكين الشعب العربي من إرادة حرّة ومستقلة في اختيار مرجعياّته الدينية والقيمية والأيديولوجية التي تعبّر عن هويته الحضارية الفعلية العربية والإسلامية بالإضافة إلى مقاومة الفقر والجهل السياسي لدى المواطن العربي«، كفيل بحلّ أزمة المواطنة في العالم العربي المتجلّية  في غياب ثقافة الاختلاف والديمقراطية وغياب المواطن عن المشاركة السياسية و فشل مؤسّسات المجتمع المدني في تأطيره.

وفي نفس الموضوع يرى الدكتور مصدق الجليدي أن»  إنتصار مجتمع الفقهاء المتشددين والأنساق الفكرية الدينية المغلقة على مجتمع الفلاسفة والعلماء وأصحابِ العقل خلال تاريخ أمتنا  هو الذي أورثنا اليوم عقلية الإقصاء والرأي الواحد  واستبعد ، إلى يومنا الحاضر، الفكر الحر والعلوم العقلية من مجال الفضاء التداولي العمومي«  لهذا بحث في مقاله ”المفكر والفقيه وحاجة المجتمع إليهما“ عن مخرج لازدواجية المرجعيّة لدى المواطن العربي الإسلامي حيث يحتكم في نفس الوقت إلى المرجعية القانونية السائدة بصفته مواطن وإلى المرجعية الدينية بصفته كائن ثقافي ،  ليستخلص أنه لا مناص  من الحدّ من هيمنة الفقهاء واعتماد نمط التفكير العقلاني وولادة مفهوم الفرد (المواطن)  الذي يفكر باستقلالية ويمارس حقّه في الحكم عبر انتخابه لمن ينوبه ومن يثق فــــــي إمكانيـــة تحقيقـــه لطموحاته وحاجاته وقناعاته، ويحاسبه إذا ما أخلف وعوده وأخل بقوانين البلاد.

وغير بعيد عن موضوع المواطنة ، يقدّم الأستاذ محمد بوقرين قراءة نقدية لوثيقة "الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة النهضة" كمثال»  لتطوير خط فكري يزيل الصورة النمطية المشوهة والراسخة في أذهان الكثير من أن المواطن المتديّن الذي من حقه أن ينشط سياسيا ويؤسس هذا النشاط على قراءة دينية قد يهدد الصفة التي يحملها وهي المواطنة «. ليخلص إلى ضرورة تعديل الرؤية الفكرية في مستوى التوجه بالخطاب ليصبح إلى التونسي بوصفه مواطنا لأن صفة المواطنة تشمل كل التونسيين المسلمين منهم ( وهم أغلبية ) وغير المسلمين ( وهم أقلية ) فجميعهم ينتمي إلى الوطن تونس ويترتب على إحساسهم بالانتماء تحملهم مسؤولية الحفاظ عليه وعلى وحدته والارتقاء به .

وحيث أن ”النخبة والمثقفين“ طرف رئيسي في بناء مجتمع المواطنة  بقيامهم بنشر ثقافة المواطنة بين الناس ومساعدتهم على الولوج إلى عالمها فإن الباحث محرز الدريسي  في مقاله ”الإطلالات النقدية للنخبة المثقفة وانزلاقات خطابها“ يرى أن »  النخبة ، منذ استقلال البلاد، كانت مفتتة وصامتة في أغلبها، ولم تمتلك الخصال الأخلاقية اللازمة للإحراج وتعرية السلطة وكشف الاستبداد ولم تكن نخبة اقتراح أو نخبة مشروع بل الأكثر من ذلك أنها أهدرت علاقتها مع الجميع لأنها خاطبت الجمهور المتعلم وعامة الناس بمنطق "المعلم" و" العارف" لا "المحاور" و"المناقش"«  .

هكذا شكّل موضوع ”المواطنة“ محور العدد الخامس من مجلة "الإصلاح"  فتطرقت إليه أغلب مقالات العدد من زوايا مختلفة. نرجو أن يلقى المحتوى القبول الحسن لدى قرائنا الأعزاء ونأمل أن تصلنا منهم تفاعلات واقتراحات، فلا يمكن أن تتطور مجلّة ”الاصلاح“ إلاّ بالتفاعل بين قرائها والقائمين عليها .