من وحي الحدث

بقلم
فتحي الزغل
بعد الاعتداء على الرّئيسين ... هل راح ثلثا هيبة الدولة و بقي الثلث؟

 لا أنكر الصّدمة التي انتابتني عندما شاهدتُ حادثة اعتداء مضيّفي الرّئيس علــــى ضيفهم منذ أسبــــوع. وأقصد رشــــق مجموعـــة من الشّباب - أحسبهم مؤطَّرين ومُدرَّبين جيّدا لتلك الفعلة - لمنصّة الاحتفال بذكرى اندلاع الثّورة يوم 17 ديسمبر 2010 بمدينة سيدي بوزيد. و التي يعتلـــيها ساعتَها رئيس الجمهوريّة و رئيس المجلس التّأسيســــي ومرافقيهـــم مـــــن الـوزراء والمسؤولين الوطنييّـــن والجهويّين. صدمـةٌ أضنّها لـــن تمّحـــي من ذاكرتـي ومن ذاكــرة كلّ مشارك في الثّورة أيّام الجمر، من الذين كانوا يتمنّون لو أتيحت فرصةٌ سانحةٌ مماثلة وقتها لرشق المخلوع الدّيكتاتـــور بالحجــارة قبل هروبه، و من الذين لا يتخيّلون أبدا أن يُرشَق بالحجارة الرّئيس الذي تولّى منصبه بانتخابات بعد إسقاط ذلك الطّاغية، وأين؟ في مهد الثّورة... الجهة التي انطلقت منها شرارتها.

لكنّ تلك الحادثة أثبتت فيما أثبتت أنّ الدّولة لم يعد لها هيبتها اللّازمة لعملها، إذ لم يكن يتجاسر من رشــــق رئيس الجمهوريّـــة ورئيس المجلس الوطني التّأسيسي فـــي تلك الحادثـــة بحجـــارةٍ، أن يرشق عمدة أم معتمدا عيّنَهُ الطّاغية أيّام الدّيكتاتورية بكلمةٍ حتّى...و ذلك ما أقصده بهيبة الدولة.
فالدّولة بكلّ مفاصـــل مكوّناتها السّياسية والإدارية والاجتماعية والتّرتيبية لا يكون عملها العام ناجعا بغياب قدرٍ من الهيبـــة تُلزِم كلّ تلك المكوّنات على احترام المكوّنات الأخرى. وأصلُ ذاك الإلزام إنّما هو سلُوكٌ نتيجة اتّقاء عقوبة أو ضياع مصلحة فرديّة بالأسـاس، وهو ما يُعبَّرُ عنه بعنف الدّولـــة الشّرعيِّ. لأنّ التّاريــخ والطّبيعة البشريّة أعلمتنا بأنّ هناك في كلّ مجتمعٍ أشخاص مستعدّون للتّضحية بالجماعة في سبيل أنانيّتهم و جهلهم.
ولأنّ السّلطة القائمة بتونس منذ انتخابـــات 23 أكتوبر 2011 هي تحالف ثلاثيٌّ بين ثلاثة أحزاب ممثّلة في الرّؤســــاء الثّلاثــــة. وأقصد رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي، فإنّ الاعتداء على اثنين من هؤلاء الرّؤســـاء الثلاثــة، هو بمثابة قضم لثلثي الهيبة التي لم تكن موجودة أساسًا كما يجب أن تكون. ولعلّ غياب رئيس الحكومة عن موكب الاحتفال هو رحمةٌ من ربّي للإبقاء على ثلث الهيبة التي أظنّها في الميزان هي الأخرى.
إلاّ أنّي وأمــام هذه الصورة القاتمة في بلدي، سأتشبّه بالطبيب الذي يُوصي بحبّةٍ تُرمَى في البطن لعلاج صــــــداع فــــي الــرّأس. حيث أنّي أرى و عبّرتُ عن ذلك مرارا أنّ انحسار هيبة الدّولةِ مردُّه عدم تطهير الإعلام - و أقصدُ تماما ما تعنيه كلمة تطهيرٍ التي أصبح يتحاشاها العديد ممّن كان يستعملُها في الأيّام الأولــــى للثّـــورة -  وانبطاح هؤلاء المسؤولين الشّرعيين أمام قضايا الفساد والإفساد الإعلامي الذي يَعلمه القاصي والدّانـــي فـــي بلدنـــا، ولم يتحلّوا عند بداية عملهم بالشّجاعة الكافية لمحاربتهم... فكَان أن كوَاهم تخاذُلهم... و رشَقَهم تساهُلهم... بالتي كانت هي الدّاءُ.