همسات

بقلم
بهيجة المصمودي
تساؤلات امرأة حائرة

 -1-

 
﴿ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَـــنْ أَمَــــرَ بِصَدَقَـــةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴾  - ﴿  ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  ﴾ .اللين والحوار هما لغتا التفاهم. فالله سبحانه وتعالى يُفتِنُ بعضنا ببعض ويُرينا بأس بعضنا البعض وما علينا الاّ أن نصبر على الأذى ولا ننفعل ولا نتفوه البتة بكلمة خبيثة . ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْـــرُفَ الْقَــــوْلِ غُـــرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ َ﴾- ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَــــن يَضِـــلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾.نحن في وطن يجمع بين من هم على هدى الله ومحبته ومنهم من في التيه سابحون وعلى أعينيهم غشاوة. يعيشون كما تعيش الأنعام.ومنهم الظالمون الأشداء القاسية قلوبهم والذين يلحقون الأذى بالبشرية ويحرقون الأخضر واليابس ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ. ﴾
 والسؤال الذي يطرح نفسه كيف التصدي لهذه الفرقة التي نجدها في كل مفاصل الدولة ومنظماتها وجمعياتها وحتى مساجدها؟ هل بالقوة والسلاح أم بالتسامح والحوار؟ ويأتي الجواب في كتابنا الكريم ﴿ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ وهو التسامح والحوار والصبر على أذاهم إلى أن ينبت الله جيلا آخر يولد من رحم هذه الثورة وتكثر البذور الطيبة في كل مكان وتنقص النفوس الضالّة والتي على أعينهم غشاوة شيئا فشيئا . غير أن هذا التسامح لا يترك الظالم حرا طليقا يعيث فسادا في الارض، بل يجب القصاص منه اذا ثبتت إدانته عبر المؤسسات القضائيّة ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ 
 
-2-
 
إن حلّ أزمة مجتمعنا والرقي به في سلّم التطور والازدهار، ينطلق من عالم النفوس ويمتد في عالم المجتمع ثم ينتشر في عالم الثقافة وبعدها يدخل إلى عالم التاريخ ليتحول فيما بعد إلى منهج للسير في الأرض من أجل الاهتداء إلى السنن الإلهية.
في اعتقادي، أرى أن هذا المسار الصعب والمضني لا يمكن تحقيقه في أيام معدودات ولا في سنة أو سنوات بل هو مسار تأتي نتائجه بإذن الله بعد صبر دعاة تحقيقه عبر بثّ ثقافة العمل التطوعي وثقافة المقاومة لدى الأفراد الذين هم على بصيرة ويسعون إلى الإصلاح ولا ينقصهم إلا التأطير من قبل أناس أكفاء ومتعلمين يوجهونهم في إطار جمعيات مدنية اجتماعية وفكرية وثقافية تتركّز في كل ركن من أركان هذا الوطن العزيز. وبذلك تصلح النفوس وتتآلف في ما بينها فتتأسس أنماط سلوكية جديدة داخل المجتمع تتحول إلى ثقافة وطريقة عيش تقوم على أسمى المبادئ الإنسانية التي فطرنا الله عليها وبذلك يصلح المجتمع.  
والسؤال الذي أطرحه في هذا المجال : هل ثمّة العدد الكاف من رجال ونساء يحملون هذا الهاجس ومستعدّون للتضحية بالوقت والمال ، ينزلون إلى الميدان ويحتكون بالناس البسطاء يبسطون لهم الأمور ويساعدونهم على معرفة طريق الصلاح؟ 
 
-3-
 
قام الشعب التونسي بثورة تمكن بها من الإطاحة برأس النظام وهي ثورة سلمية مقارنة بما حصل بالشقيقة ليبيا.
وبالرغم من أن الحقائق لم تكشف كلّها إلى حدّ الآن فإن المهم تحررنا من نظام مستبد .وحتى وإن كان هذا التحرر نسبيا، فإنه مكننا من التخلص من عقدة الخوف التي كانت تلجم ألسنتنا وتكبّل أيدينا وأصبحت لنا مساحات نعبر فيها عن آراءنا ومواقفنا وفضاءات تتحاور فيها النخب بعد أن كانت مثل هذه الفضاءات معدة للتعريف بمزايا النظام وتلميع صورته للحاضرين . ومن إنجازات الثورة تعدد الأحزاب وتحرّر وسائل الإعلام وتعددها وأصبح المواطن التونسي يعرف المفسدين من سياسيين وصحافيين وحقوقيين ورجال قانون  وإداريين وكذلك بعض المسائل والأوضاع التي كانت مخفيّة ولم نكتشفها إلاّ بعد الثورة.
لكن الإيجابيات التي تحققت لا تشفي غليل التونسيين وما يحصل من تناطح وصراع قد يؤدي إلى الانحراف بالثورة.. ولهذا أطرح السؤال التالي : متى سنرتقي بالثورة إلى المستوى الذي يحلم به كل حر شريف وعلى من تقع مسؤولية ذلك ؟
 
-4-
 
أدعو الله أن يسامحني ويغفر لي ما رسب في داخلي من جهالة وضعف . فأنا لا أرى في نفسي إلاّ مسلمة بالتوارث ولم أحاول حتى هذه الساعة الشروع في البحث عن ما ينفعني في دنياي وآخرتي واعتقد أن سبب جهلي وقلة معرفتي عزوفي عن القراءة فأنا من أمّة لا تحبّ القراءة وإذا قرأت فإنها لا تقرأ إلا القليل.. غير أنني كثيرا ما أتابع التلفاز وأبحر عبر الشبكة العنكبوتية للتعرف عن آراء العلماء والأيمّة المتصدرين ساحة الدعوة والإرشاد . ولأنني لا أريد أن أجرح من هيبتهم وأنتقد أقوالهم وآراءهم ومواقفهم فإنني سأكتفي بطرح السؤال التالي : متى نرى أئمة مثقفين يعلمون الناس الدين الصحيح ويبعدوهم عن الخرافات والتقاليد ؟ متى يرتقي على منبر رسول الله من يعمل على نشر ثقافة التسامح ونبذ العنف والكراهية و يقنع المسلمين بأنه لا يوجد عدو للإنسان غير الشيطان أو ذلك المحتل الغاصب للأرض، أما بقية الناس من نصارى ويهود ومجوس ووثنين فهم ليسوا بأعداء وهم عباد الله يحكم الله بيننا يوم القيامة إلا إذا احتلوا أرضنا واستباحوا حرماتنا وعرضنا؟ متى يكفّ بعضهم من تقسيم المجتمع التونسي إلى مسلمين وكفار والدعوة إلى محاربة بعض التونسيين إخواننا في الوطن ونعتهم بالكفار واليساريين وما شابه ذلك من الألفاظ التي لا تمت بديننا الحنيف بشي؟