كلمات

بقلم
عبدالنّبي العوني
أوهام السلطان الخائب— المتأبط حمق

 غالبا ما تنطلق الثورات من حيث لا يحتسب السلطان. في قرارة نفسه، يؤمن أن الأرض، تحت أقدامه، متهيئة دائما للفوران. لكنه بسذاجته المتأصلة فيه، و بالغبــاء الـــذي استوطنــه مذ وطئت قدماه قصور أسلافـــه ( فالغبـــاء عنـــدهم متـــوارث كابر عن كابر من اللحظة التي ينتقلــون فيهــا مــن مواطــن عــادي يحكمه سلطان إلى سلطان يركب رقاب مواطنيه  يرى بعض مخرج، لتنفيس احتقان، أو لإخراج مسرحية. و إن لم يجد بدا فلفتح بطون معتقلاته. وعندها يحس بزهو ظاهـــر، وغطرســـة لا حــــدود لهــا، ونشوة قصوى، تعقبها مرارة تلف كيانه كله، وهي نذير شؤم له، وبداية حتفه. وساعتهـــا، يبـــدأ رصيــده الموهـــــوم عند مواطنيه في التقلص، ورصيــــده البنكـــي فـــي التضخــم، وفي كل صولـــة من صولاته، يأكل شيئا من أطرافه، و أبواقه، و حواريه، و يستحمر و لا يتذكر شيئا عمـــــن سبقـــه. ينســى نفســه، و ينســى شعبـــه، و ينسى وطنـــــه، و لا يستحضـــر إلا قرابيــــن لنزواتــه، و نزوات من التصق به، تزلفا وخداعا. و لكـــن خوفـــه ظاهــر على ملامحــه و على من أتمنه على ثرواته.

يستهلك كل ما تراه عينيه، عله ينسى أمراضه و خرفه و قلة حياءه. يستورد الحيل التي يمارسها السحرة، عله يجد فيها بعض حل لتجاهل شعبه له.  ينفق بسخاء، مما لا يملك، على مغنيه و شعراءه و كتبته المحلي منهم و المستورد و حواريه، رجاء استمتاع ببعض تزلف و كثير نفاق، لكنه لا يجد سكينة و لا طمأنينة.
 يـــــزداد شراهــــة لكــــل شــيء، و يزداد نزقـــا مـــن كـــل شيء، حتى من خديعته.ولن يجد مهربا من الحقن و الغياب مع الغياب.
يمتلئ بطنه، سنة بعد سنة، بكل ما يجده أمامه ( طاقات شعبه، أحلامه و أمواله).  و يصبح حلمه، إفراغ بطنه مما احتواه،ليملئه بما يجنيــــه. و عندمــــا تبلــــغ بـــه نشـــوة الانتصــاب، والتوريث، و الاستحواذ، مبلغا يظن نفسه فيه ملك السلاطين الأولين والآخرين. يخرج له من رحم المعاناة، و وميض برق، من أرض رخـــوة علـــى عربـــة خضــــــار، لم يحتسب لهـــا، و لـــم يألفهـــا حواريــه. و يوما بعد يوم، وعدها ثمان وعشرون، تحترق أعصابه، و فؤاده، و كل أحلامه. و يصبح عندها جيفة ومن معه، يبحث عن مأوى لجسده عند خوادم الحرم. والاغتسال عن بعد بماء يشبه زمزم.