بهدوء

بقلم
طه كعنيش
أين وصلت جهود تونس في مكافحة الفساد؟

 حدد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تسمية يوم التاسع من ديسمبر، من كل عام، يوماً دولياً لمكافحة الفساد،  وارتأت تونس بعد عامين من اندلاع الثورة وعام عن  انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي أن تجعل من  يوم 9 ديسمبر، موعد  "الإعلان عن انطلاق العمل بالإستراتيجية الوطنية لمقاومة الفساد".

 لن يهدف هذا المقال إلى التعريف بالفساد وخصائصه وأنواعه وأسبابه وما جاء في الاتفاقية الدولية والقوانين المحلية حوله، وإنّما تقصّي الجهود المبذولة أو المتوقع بذلها في استئصاله لعلّ أطرفها ما صرح  به  الوزير لدى رئيس الحكومة المؤقتة المكلف بالحوكمة ومقاومة الفساد عبد الرحمان الأدغم من إقرار ”مادة إجبارية في البرامج التعليمية تتطرق إلى النزاهة والشفافية والأمانة“ والتي تدخل ضمن خطة لمقاومة ثقافة ضدّ ”التجارة الموازية والتهريب وغيرها من الظواهر المضرّة بالاقتصاد الوطني“.وهو مسلك وفيّ ومنصاع  لما تُرْشِدُنا إليه المنظمات الأممية من خرائط طريق ستتبعها حتما خطوات أخرى لعقد دورات تدريبية عن مفاهيم ومبادئ الحكم الرشيد ودور المربين في تعزيز قيم الشفافية والنزاهة. وسوف يتم تعريف المشاركين بكيفية عمل مدونة سلوك وكذلك التشبيك والمناصرة. ولكن لا يفوت الشارع عند تقييم الإجراءات والتدابير المتخذة لمكافحة الفساد، أنّ الفاسدين  من الساسة و رجال المال وكبار المسؤولين في الإدارة، ما زالوا وسيكونون خارج المحاسبة. فجرّاء محدودية التأهيل وغياب أداة مساءلة شعبية للمؤسسات الحكومية والتباس التشريعات أو عدم تفعيلها أو انقلابها على المدعين في صورة عدم ثبوتها، أصبح  برنامج مكافحة الفساد يسير على استحياء ثمّ و أمام شراسة مترفي  البلد الذين لم يشملهم طلب الإفصاح عن الذمة المالية، زادت فرص الإثراء غير المشروع بعد الثورة بالصفقات المشبوهة واحتكار السّوق وفرض سياسة الأمر الواقع بالسوق الموازية، ومزاحمة أصحاب الربح المشروع ممن يحملون رخص الاتجار. 
إنّ عمالقة  المفسدين لا تطالهم العدالة حتى وهم يحترفون تهريب البضائــــــــــــع ويتنصلون من الضرائب بل كان عجز الحكومة وضعفها عن ملاحقة المتنفّذين في بيع المسكرات والمواد المخدرة ذريعة للمتشددين للحلول محلّ الدولة في قضم رعونة من يًظنّ أنهم يهددون قيم الشعب ويخالفون مبادئ الدين. ومما لا نجد له تفسيرا بإزاء هذا التجاذب ، تضخم عدد اللجان التي تعمل في دائرة مكافحة  الفساد( لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، لجنة استرجاع الأموال المنهوبة، لجنة المصادرة، لجنة الإصلاح الإداري لمكافحة الفساد)  ولكنّها لجان مشلولة لا تتجاوز مهماتها سوى الرصد والتوثيق ورفع التوصيات ولا تـًفهم الأسباب التي تؤخر النّظر في مضامين تلك التقارير التي تظلّ مثل الواجهات البراقة لإبراء الذّمّة في ظرف يتّسم بغموض المعالجة لملفات الفساد،  وعدم إمكان التحقق مما يروج عن تبخّر مستندات مهمّة تقود لخيوط كشف الحقيقة التي لن تنجلي ولا تأتي  في ظلّ حديث عن أنّ العدالة الانتقالية قد تمتدّ إلى عشرات السنين  وما ضنّك بدليلين أولاهما  تواضع المنجز الحقيقي في المجال بعد قرابة العامين عن قيام الثورة وثانيهما  تهوين البعض الآخر من حجيّة  ألارتكاز على مستندات شبه خاوية أمام القضاة علما وأنّ ملفات حسّاسة تطرقت إليها تلك الوثائق وبعض محتوياتها ذات خطورة على الأمن القومي للبلاد،  من ذلك أنّ الغموض مازال يكتنف قضية التفويت في الأموال المصادرة بينما تستمرّ ظاهرة التعطيل والتسويف الإداري والتعامل بأسلوب التلميع البيروقراطي للمنجزات ريثما يتراجع تسونامي الإضرابات ويكون مشهد التنظيف قد سوي بالتمام.
حتى ينبلج الصبح إذن، سيتواصل غياب المراقبة والمتابعة في مجال الصفقات العمومية والتغطية عن مصائر مال المجموعة الوطنية في أقبية البنوك، وشبكة جهاز الإعلام وشركات الإشهار والجمعيات المدنية والرياضية المختصّة في غسيله حيث لم يعد يخفى على أحد حضور الاستخبارات في ذرّ الرماد على العيون عن حجم النهب المنظم. كذلك وفي ضوء ما اعتبره المتدخلون استمرارا لنظام مازال يقوم على برامج لا تخرج عن دائرة النظريات السريالية التي لا تشخصّ الواقـــــــع و تجانبه بالذهاب لطلائه بالإنجازات الموعودة ستستفيق  الدول المترددة في دعم رغبة الشعب التونسي في استرجاع أمواله المنهوبة وجلب الهاربين (في الخارج) عن زلزال آخر ،الله أعلم بمداه، لجلب المطلوبين للعدالة، إذ تجاهلت عدّة دول إنابات قضائية أصدرتها تونس للمطالبة باسترجاع أموال مهربة في بنوك هذه الدول.(انظر تصريح وزير العدل صائفة 2012 في هذا الشأن ) لذلك فإنّ المسؤولين التونسيين ممّن أمكنهم الوقوف أو تملك وثائق حول مسار الأموال التي هرّبها بن علي ومقربون منه إلى الخارج، - حسب نفس تصريح الوزير - يكادون  أن يتحولوا إلى شركاء في الجريمة برفضهم إبلاغ النيابة العمومية أي إنّ من توابع  هذا الوضع المعقد صعوبة تعقب الأموال المنهوبة. ولتواطؤ الداخل مع ضعف التعاون الدولي لاسترجاعها، قدّرت منظمة ”الشفافية المالية“ التونسية غير الحكومية حجم هذه الأموال المهربة بنحو 23 مليار دولار.فما وسع البلاد حتى الآن إلاّ أن تسترجع "طائرة (من سويسرا على ملك صهر بن علي صخر الماطري الهارب في قطر) و28 مليون دولار (مودعة في بنك لبناني باسم ليلى الطرابلسي) وفيلا في كندا (باسم صخر الماطري)". أمّا الأموال التونسية التي أعلنت سويسرا عن تجميدها فلا تشّكل ”سوى  عشرة في المائة من الأرصدة (التونسية) التي أودعت المصارف السويسرية“. وبإزاء ضعف الإرادة السياسية لدى الدول المعنية بإرجاع تلك الأموال وعدم توفيرها المعلومات الدقيقة عنها و ”تحججها بالسرية المصرفية المحمية بالقانون لم يعد للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد أيّ معنى اللهم إلاّ أنهم يحتفون بالأموال المهربة من جيوبنا ونقبل نحن بأعياد المنظمة إذ تتمسك أغلب الدول بقوانينها المحلية وتتجاهل عضويتها ومصادقتها على الاتفاقية لكشف الأموال المتأتية من الفساد“ وإذ لا نعلم إلاّ  قضايا قليلة قد فتحت  بشأن تورط كبراء أجهزة الدولة في غسيل الأموال، فأسباب ذلك عدّة منها الفجوة المعرفية بالمتطلبات القانونية وغياب نجاعة التواصل والحوار بين الدولة المطالبة والدولة المطلوب منها، فيما أنّ ممثل الولايات المتحدة الأمريكية لقمّة الدوحة حول مكافحة الفساد بعد أن فكّر وقدّر قدم عرضا إيضاحيا عن استخراج الأرباح من الجرائم وإمكانية إنشاء نظام فعال للعائدات المتأتية من الجريمة على الصعيد المحلي من خلال التعاون مع السلطات القضائية والأجنبية؟ كذلك فإنّ التحقيق في التجاوزات التي حصلت في تمويل الأحزاب والحملة الانتخابية السابقة (أكتوبر 2011) سيظلّ محاطا بكثير من التكتم – هذا إن فُتِح - ولعلّ أن يجري يوما ما التّحري  بخصوص صفقات أخرى عن تحوّل اللاعبين الرياضيين و دور إدارة المحاسبات في مراقبة إدارة المال العام وسكوتها عن تمويل بعض الجمعيات حتى من داخل بعض الوزارات (انظر تصريح الوزيرة بادي في خصوص التجاوزات داخل وزارتها والمنظمات المتعاملة معها ) وجميع ذلك مما تقدّم  لهو من دعاوي إثارة الشكّ حول جدوى هيئات مكافحة الفساد لا سيما وأنّها لا تعمل على تشريك المجتمع المدني والمساهمة في  توعيته بكيفية الإبلاغ عن الفساد وجدوى المطالبة بإقرارات الذمة المالية و التثبت من عطاءات ومشتريات الشركات الحكومية والخاصّة وفرض  الشفافية في إجراءات تقديم الخدمات العامة في الإعلام والماء والكهرباء والاتصالات وتعيين الموظفين وترقيـاتهم والتحقيق في ما يروّج  عن  قبول موظفين لهدايا ومنح خاصة تعيش وتنتعش من ثمرة الثورة  ...وكلّ عام وأعيادنا وأعيننا وألسنتنا بخير وسلام.