رسالة مضمونة الوصول

بقلم
محمد الهميلي
الى السيد وزير العدل

 السلام على من اتبع الهدى وشهد شهادة الحق و تعهّد بحمل لواء العدالة و العدل الذي هو اساس عمران البشر... 

 أما بعد، 
 لقد قامت الثورة التونسية على البغي و الظلم و التعذيب و الإقصاء والتهميش، فلا نجاح لثورة عدالتها عمياء ترى هذا وتعمى عن هذا. فمن مفارقات الزمان في تونس أن تكون عدالتنا كسيحــــة عرجاء لا تستطيع أن تمشى على ساقين :  العدالة الحق وقوة القانــــــون، فكم من مجرم ومغتصب وفاسد وعدوّ للشعب ينعم بحريته وهو يحمل فى طيّات ملفّه الشّخصي انتهاكات ومؤامرات واعتداءات طالت جميع فئات الشعب ومؤسساته التشريعية والإدارية والتجارية. 
وكم من إخطبوط و ”مافيوزي“ بلع البلاد والعباد و”استكرش“ واستأثر بمقدرات الدولة و الشعب...فراعنة و أرباب مقاولات وشبكات تهريب للبضاعة وتجارة سمّ المخدّرات والخمر الذي أصبح يجرى أنهارا وجداول فى كل أنحاء الجمهورية، يباع على قارعــــة الطريــــــق، حتى أصبـــح مشاعا بين الشباب، إناثا وذكورا وأمام المعاهد والجامعات وداخل المبيتات. ومصيبة المصائب أن أصبح ”حشيش الزطلـــــــة“ يُرَى جهـــرة بين الأنهج وعلى قارعة الطريق . فسجائر ”الزطلة“ صارت مباحة  بين الشباب وبسببها ظهرت نعمة الثراء على الكثير الكثير ونفاجئ يوما بعد يــــــوم بظهــــــور أقطــــاب ماليّــــة ومسيطـــرة على قطاع التجارة الخاصة. كما انتشرت ظاهرة التحرّر الفوضوي للأسعار وتعاطي  تجارة التفصيل بدون رقابة أو تعديل للأسعار. فاشتعلت  أسعار الخضروات واللحوم والحليب والبيض وكل المواد الضرورية وأصبحت المخالفات بدون رقيب أو رادع من لدن الدولة. كل هذا مع تزايد ظاهرة التجرؤ على الدولة فى كل القطاعات. وانحرفت  عقلية الموظف فأصبح لا يلتزم بمواقيت العمل ولا يؤدى عمله كما يجــــب فتعطلت مصالــــح العبــــاد وأصبحت الإدارة اليوم لا تطاق . وانتشرت ظاهرة الرشوة أكثر من ذي قبل وأصبحت تونس في وضع لا تحسد عليه.  
أما ما يخصّ القضاء، فحدّث ولا حرج، فكل يوم نرى العجب العجاب: المجرمين يقع تسليمهم الى المحاكم و هم من أرباب السوابق وهم من يمثلون الخطـــــــر الداهـــــم الذي يهدّد البــــلاد، فهم من نراهم يتعدون على حرمات المواطنين و ينتهكون حقهـــــم فى الامن والسلم والاستقرار. نرى يوميا ظاهرة البراكاجات والخطف والنشل والاعتداءات وقطع الطرق والاختطافات ولم تقصّر وزارة الداخلية فى حملاتها ضـــــد هؤلاء المنحرفيــــن والمجرمين، فتسلمهم يوميا للسّلط القضائية ولا يمضى يوم أو اثنان إلاّ ونراهم فى الشوارع يعاودون صنيعهم و جرمهم.
سيدي وزير العدل،.... العدل أساس العمران، 
فهل يمكن أن تستمر المنظومة السجنية القديمة فى أداء وظيفتها إلى الآن؟ فأين القطع مع الماضى و نحن نرى إلى الآن من عذّبونا وسلخونا واضطهدونا يحتفظون بمواقعهم فى إدارة السجون والاصلاح؟...
نعيب على وزارة العدل أنها لم تكن فى مستوى وآمال الشعب الذي انتظر بفارغ الصبر محاكمة كل طواغيت الداخلية والعدل والتجمع وكل الفاسدين الذين نهبوا ثروات الشعب واستأثروا بكل أسهمه الاقتصادية. وما يدهشنا أكثر ونستغرب له، هو إطلاق سراح بعض  رموز العهد البائد وزبانية بن على من السجن وهم أكبر وأخطــــر من بنى منظومة 7 نوفمبر الاقصائيّة، وهم من فقًر الشعـــب وسلبه كرامته وإنسانيته.
سيدى الوزير، 
عدالتكم لم تــــــر إلا ضعفـــــاء الشعــــب الذين خرجـــوا يعبرون عن مواقفهم ، فيهم من أخطأ و فيهم من تصرف بعفوية الثورى المتعطش للحريّة. فإخواننا فى السجون وفيهم من لفظ روحه رافضا وضعه فى السجن لأنه آمن الآن أنه حرّ، وصكّ حريته أمضته ثورتنا الغرّاء. فالتعبير عن الرأي يجب أن يكون مكفولا ومحميّـــا من العدالة، ومن أخطأ وارتكب جرما يدفع ثمن ذلك بالعدل ولا زيادة وبدون تهويل ولا تمييــــــز. والواجب اليــــوم يحتّم علينـــا القطع مع منظومة الاقصاء والتمييز السلبي خاصّة مع الحساسيات الدينية والمتمثلة فى التيار السلفى. ونهيب بكل المؤسسات أن تتوخى الحذرفى معالجة هذه الظاهرة الطبيعية الناتجة عن الكبت والسياسات المحلية والدولية المناهضة له. فالحوار هو خير علاج وحماية ووقاية للشّعب و البلد لأن  من يمثلونه هم فلذات أكبادنا وإخوتنا وأهلنا ويجب أن نبسط لهم من الرّحمة والتّفهم ونعمـــل على احتواءهم حتى لا يكونوا وقودا للفتنة التي يسعى لها أعداء الثورة والساعين الى زرع بذور الفتنة والصراعــــــات الجانبيـــــة التى لا تخدم البلاد ولا تنبّئ بخير. كما نرجو أن يقع فتح تحقيق فوري وسريع فى كل الانتهاكـــــات التــــى طالــــت أصحاب الرأي قبل وبعد الثورة فى إطار العدالة الانتقالية بما يرضى الله ويساهـــم فى دعم السلم الأهلي والتعايش السلمي بين جميع مكوناته وحساسياته فــــي كنف قوانيـــن عادلــــة تكرّس دولة القانـــون والمؤسسات... 
و الله ولى التوفيق و هو هادي السبيل...