كلمات

بقلم
عبدالنّبي العوني
النخبة....؟

  النخبة بصفة عامة ،هي التي  ساهمت و تساهم، وفي كل المراحل التي مرت بها أمتنا، إما تأبيد ما هو قائم و المساهمة في تدجين الفعاليات المتمرّدة داخل المجتمع، التي تئنّ تحت المنظومات  السائدة وتريد التحرّر منه، أو تساهم في خلخلة مراكز التوازن التي يبحث عنها المجتمع و بالأخص بعد مخاضات التغيير أو ما بعد الانتفاضات أو ما بعد بداية الثورات.

 وفي الحالات القليلة، وعلى مر تاريخنا الحافل،  متى كانت النخبة متآلفة و متحالفة مع بقية فعاليات المجتمع وقتها وثمة  يحصل التجانس ويتحسن الأداء الفردي والجماعي وتنطلق الفعالية الحضارية وتتحرر الطاقات و تتعلق الهمم الفردية والجماعية بالقيم الكبرى وتتأسس النماذج الأصيلة ويترعرع حلم البناء الجدّي والواقعي والمؤسس على الاحتياجات والقدرات والمقدَرات وتأخذ الأمة مسار الصعود في السلّم الحضاري والإنساني وهذه الوضعية تأتي في شكل ومضات قليلة طوال تاريخنا الحضاري أو السياسي أو الثقافي.
ولأننا، حسب رأيي، أمة لغوية بالسليقة و بامتياز ، بمعنى أن الجزء الدماغي الفردي والجماعي عندنا والمشرف على الكلام واللغة متضخّم بشكل كبير مما يحدث لنا اللاتوازن  الأدائي والمسترسل في مواجهة التحديات الحضارية، وتجدنا في كل أزماتنا نستعمل وظيفة واحدة وهي وظيفة اللغة ونستعيض بها عن كل الوظائف الاخرى ولذلك نعيش أزمات متكررة ومتعددة مع إحساسنا الباطني والجيني  بأننا خير أمة أخرجت للناس في حين أننا لا نؤدي ما يقابلها من متطلبات مما أنتج وما زال ينتج لنا فائضا لغويا  لم يستطع تقديم إجابات لكل احتياجاتنا وتطلعاتنا وتجدنا عندها ذوي أحلام  كبيرة وواقع يغوص في الأوحال الاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى الرياضية وإعلامنا" وليست أعلامنا"   الذي هو مرآتنا الداخلية التي تكشف تفاعلاتنا الكيمائية الثقافية والسلوكية ، وهو جزء من نخبة تربت في أحضان ثقافية مترعة  لما هو قائم ومشرعة على ما كان قائم، لذلك هي تمارس فحولتها المستنسخة والمستدعاة والمشوهة على المنابر والشاشات التي تصوم، تصوم ،وتفطر على بصلة كما يقال في أمثالنا الشعبية، وعندما يتحقق عندهم أن منتجاتهم الكلامية تخرج ميتة من أفواههم ولا تغنيهم أو تقدم لهم أي زيادة في أرصدتهم عند مجتمعهم، حينها تموت قدراتهم و مقدرتهم  بطبيعتها لأنها لا تختزن نبض الحياة  داخلها، وتحل مكانها طاقات جديدة تسعى للحاق بمهج وإرادات وانتظارات الطاقات الكامنة في المجتمع، و تبحث  عن حالة انسجام وتوازن مع المكونات المذكورة آنفا، وعندها تعيش الأمة حالة انتشاء فيزيولوجي معرفي وحضاري يٌتخلّص فيها من كل المثبطات والعوائق الداخلية ونتحرر، وتتحرر القدس، وتغيب عن برامجنا حوادث مثل الذي نراه الآن، مثل ما يحدث في غزة من أثر خارجي، أو ما يحدث في مصر  من تداعي داخلي،  حادثة الاصطدام مثلا ، أو في تونس  كما نراه ليلا ونهارا، في الأحلام أو في المنامات.