في الإصلاح التربوي

بقلم
د.مصدق الجليدي
المجلس الوطني الأعلى للتربية تصور وظيفي وهيكلي

 كنا قد دعونا في مناسبات عدة إلى بعث مجلس وطني أعلى للتربية توكل إليه أساسا مهمة تقديم تصور لنظام تربوي بديل لتونس ما بعد الثورة. جاء هذا المقترح في مقال نشرناه بجريدة الشروق (16-12-2011)، ثم ضمناه البيان الختامي للندوة التربوية الوطنية حول النظام التربوي البديل الذي نظمته جمعية تطوير التربية المدرسية بقابس، بتاريخ 24 ديسمبر 2011، ثم سلمنا في الغرض عريضة للسيد وزير التربية أمضى عليها زهاء مائة وخمسون مرب وباحث تربوي في ندوة منهجية الإصلاح التربوي التي نظمتها وزارة التربية بتونس في 29 و30 مارس 2012، وقد علمنا من أكثر من مصدر رسمي وغير رسمي، بتوجه النية إلى الاستحداث الفعلي لهذا المجلس. وإسهاما منا في دفع هذا المقترح الوطني خطوات أخرى في اتجاه التحقيق الفعلي، نقدم هذا التصور الوظيفي والهيكلي له. 

قبل العرض المنهجي لهذا المقترح ننوه بأن موقع هذا المجلس ضمن منظومة الإصلاح التربوي، كما نتصوره هو كالتالي:
◄ المجلس هو المصدر الوطني الرئيسي لمقترحات الإصلاح والتطوير التربوي. يرفع مقترحاته إلى الجهات الرسمية (وزارة التربية: كتابة الدولة للإصلاح والتطوير التربوي: غير موجودة حاليا) التي تكلف خبراء وباحثين تربويين بالنظر علميا في إمكانيات تفعيل تلك المقترحات وإنجاز المهام البحثية والتقييمية المتضمنة فيها. يمكن جمع هؤلاء الخبراء والباحثين في هيكل وطني رسمي للبحث والتقييم التربوي.
(أولا) الهوية:
المجلس الوطني الأعلى للتربية هيئة علمية وفنية وطنية استشارية عليا في مجال التربية النظامية. يتمتع هذا المجلس بالاستقلالية الإدارية والمالية عن وزارة التربية. ترصد له ميزانية سنوية من قبل رئاسة الحكومة في ضوء احتياجاته المبرمجة. ويمتع بتمثيلية استشارية في مجلس الشعب. يمكن له عقد اتفاقات تعاون مع هيئات تربوية وأكاديمية دولية ولكن لا يتلقى منها دعما ماليا. يلتزم المجلس بالعمل وفق مبادئ الجمهورية المنصوص عليها في الدستور التونسي ويتبنى اختيارات تربوية وطنية أصيلة متجذرة في الثقافة العربية الإسلامية ومنفتحة على مدارس الحداثة التربوية في العالم.
(ثانيا) المهام:
(1) يقيم النظم التربوية المطبقة في تونس منذ الفترة الاستعمارية إلى اليوم. (يتواصل تقييم النظام التربوي بعد الإصلاح المنشود من قبل الهيكل الثاني الذي هو المعهد الوطني للتقييم التربوي. ويعتمد المجلس الأعلى للتربية نتائج التقييمات المنشورة من قبل هذا المعهد لتقديم مقترحات تطويرية جديدة، كلما دعت الحاجة إلى ذلك (
(2) يضطلع المجلس أيضا بمهمة مركزية تتمثل في بلورة فلسفة إصلاح وتطوير تربوي للمدرسة التونسية ما بعد الثورة. تتمثل أهم مرجعيات ومرتكزات هذه الفلسفة في قيم الثورة التونسية الأساسية: الكرامة والحرية والعدالة والتنمية المتوازنة، وفي العودة إلى القيم الأصيلة السامية في الثقافة العربية الإسلامية: قيم العمل والإبداع والاجتهاد والمسؤولية والتعاون والتضامن وتوقير العلماء والمربين. مع الاستفادة العظمى من القيم الكونية الحداثية: الفرد والعقلانية والمبادرة والديمقراطية والمواطنة والنجاعة والفعالية والتفوق والجودة الشاملة.
(3) يبلور تصورا مفصلا للإصلاح والتطوير التربوي في تونس ما بعد الثورة وفق مرحلية العاجل والآجل، ومن كل مداخل المنظومة التربوية الفلسفية والتشريعية والبيداغوجية والبشرية  والهيكلية والمؤسسية والاقتصادية، كما يضبط مختلف أنواع مخرجاتها المنتظرة ونوعية التمشيات الوسيطة المفضية إليها.
(4) ينسق مع مجلس الشعب ومع رئاسة الحكومة ومع وزارة التربية فيما يخص إجراءات تقنين وتفعيل المقترحات والتوصيات التي يصوغها.
(5) يتابع دوريا مستوى ونوعية تنفيذ المقترحات والبرامج التي ينتجها ويتم تبنيها رسميا من قبل وزارة التربية.
(6) يراقب مدى تطابق البرامج ومحتويات الكتب المدرسية والمقاربات التربوية المطبقة رسميا مع ما تم الاتفاق عليه من توجهات واختيارات مع وزارة التربية (ومجلس الشعب ورئاسة الحكومة).
(7) يطوّر تصورات جديدة للتربية والتعليم كلما دعت الحاجة إلى ذلك، تماشيا مع نسق تطور البلاد العام، ودفعا نحو مثل هذا التطور على نحو مستقبلي استشرافي.
(ثالثا) الهيكلة
 
(1) الأطراف المشاركة في المجلس
ينضم إلى تركيبة المجلس الفاعلون الاجتماعيون الآتي ذكرهم، عبر تمثيلية يقع ضبطها:
◄ فاعلون تربويون: خبراء وباحثون ومربون بأصنافهم المختلفة ومكونون ومتفقدون بأصنافهم المختلفة ومديرون ومرشدون تربويون وإداريون.
◄ علماء تربية وعلماء اجتماع وعلماء نفس وعلماء تاريخ.
◄ رجال فكر وثقافة.
◄ جامعيون.
◄ رجال قانون.
◄ نقابيون.
◄ جمعيات تربوية وطنية فاعلة.
◄ إعلاميون.
◄ أولياء.
◄ تلاميذ.
يتم الصعود إلى المجلس بطريقة مزدوجة: 
◄  صنف العلماء والخبراء والباحثين والجمعيات التربوية والأولياء: بتقديم ملفات ترشح إلى رئاسة الحكومة التي تعين هيئة وطنية فنية للنظر في هذه الترشحات باعتماد معايير مضبوطة موضوعية (المستوى العلمي- مستوى الخبرة- مدى الحضور والنشاط على المستوى الوطني والدولي...الخ.).
◄  بقية الأصناف يتم انتخاب ممثليها بطريقة ديمقراطية من قبل نظرائهم.
(2) الهيكلة:
يتركب المجلس من تنسيقية عامة ومن لجان قطاعية ومتخصصة. ويمكن أن يشتمل على مائة عضو. 
◄  التنسيقية العامة تشتمل على ممثلين منتخبين داخليا عن كل صنف من الأصناف. هذه التنسيقية تنتخب رئيسا للمجلس يقره رئيس الحكومة ويقره مجلس الشعب. للتنسيقية كاتبا عاما وكتاب مساعدون ومتصرف مالي ومستشار قانوني. تقوم هذه التنسيقية بضبط رزنامة أعمال المجلس وتصوغ تقاريره وتوصياته وتوزع أعماله وتستدعي من تراه مناسبا للتشاور والاستفادة في إطار احترام استقلالية توجهات المجلس وقراراته، وتتصل ببقية الأطراف ذات العلاقة.
◄  اللجان:
لجنة تقييم النظم التربوية (مؤرخو تربية- علماء اجتماع- مختصون في تقييم النظم التربوية).
لجنة الفلسفة والأهداف التربوية (رجال فكر وثقافة- فلاسفة التربية- جامعيون- علماء اجتماع ونفس- متفقدون- مربون- أولياء- تلاميذ).
اللجنة البيداغوجية: المقاربة التربوية العامة-المنهاج التربوي بكل مكوناته من برامج وطرق بيداغوجية وتكوين وتقويم وغيرها من مكونات المنهاج المعروفة (علماء وخبراء تربية- متفقدون- مربون- مكونون-مديرون- مرشدون تربويون- أولياء- تلاميذ- نقابيون). وهي تنقسم إلى لجان فرعية.
لجنة الموارد البشرية والمالية والهيكلة والمؤسسة التربوية (خبراء نظم تربوية- إداريون- رجال قانون- متصرفون ماليون- متفقدون عامون- نقابيون).
◄  كل الوثائق التي ينتجها المجلس والاستشارات التي يقوم بها تخضع من الناحية المالية لنظام مكافآت يوضع للغرض، من قبل رئاسة الحكومة ومجلس الشعب، بحسب رتب المشاركين فيها من باحثين وخبراء ومستشارين منتدبين أو متعاقدين مع المجلس، ويستثنى من ذلك الإداريون الذين سيلحقون بالمجلس والأولياء والتلاميذ والنقابيون وممثلو الجمعيات التربوية، الذين يمتعون مع ذلك بنظام الإقامة المخصص لأعضاء المجلس لمن لا يقطن بإقليم تونس الكبرى. يمكن إسناد منحة استثنائية سنوية للجمعيات التربوية المشاركة لمساعدتها على نشاطها.