من وحي الحدث

بقلم
فتحي الزغل
هل يفعلها الأردنيّون؟

    بدأ الشّعب الأردني منذ اليوم الثّالث عشر من نوفمبر الحالي طقوس الثّورات، فتوضّأ بماء الشّجاعة و قصد محراب السّاحات و الشّوارع. و بين عيني كلّ أردنيّ ألحظُ تصميما رهيبا على تقديم النّفس قربانا طلبا للحرّية و للكرامة و لحكم نفسه بنفسه.

  فمنذ إعلان حكومة "النّسور" الجديدة عن ترفيعها في معاليم المشتقات البترولية و الغاز نحو عشرين إلى خمسين في المائة، و الأردنيّون في الشّوارع يحتجّون، ساخطون، من نظامهم قانطون. خُروجٌ ذكرني بتونــس و ليبيا و مصر و قليلا باليمن و كثيرا بسوريا.
   فمن حيث الملاحظة الأوليّة للحدث، فإنّ حكومة "النّسور" قد أخطأت الخطأ الجسيم بذاك القرار، فلا الأحداث الإقليميّة و لا الأوضاع داخل المملكة، تسمح بهذه الحركة المُغامرة غير المحسوبة سياسيّا. إذ أنّي من الذين يعتبرون أنّ الوضع الداخلي لهذا البلد يغلبُ عليه الاحتقان منذ فترة طويلة حتّى قبل انبجاس الرّبيع العربيّ، وعدم رضاء أغلبية شرائح الشعب الأردني عن أداء حكومات ملكٍ لا تُعلم له شرعيّة سوى في القصص التي رواها المستعمرُ و لا يزال يكرّرها عن ذاك البلد.
  و حركةٌ كتلك الزّيادات في أسعار المحروقات هي صبّ زيتٍ على نارٍ تحت رماد، وهي من شأنها أن تكون شرارة لثورة عارمة بدأت تشبّ في جميع المدن الأردنية وقودُها وضعٌ مُزرٍ و حكومةٌ منبطحة لملكٍ لا يملك ظاهرهُ من العروبة غير اسمه.
   فالواقع الاقتصادي الأردنيّ الذي يؤيّد في ظاهره قرار الحكُومة ، أعتبره بدوره من الشرارت العميقة لثورة أردنية أراها في الأفق أكيدة. فهذا البلد الصّغير الفقير توالى عليه ملِكين هما الرّاحل الحسن الثاني و الحالي عبد الله الثّاني، بسياسات اقتصاديّة تعتمدُ على الهبة و الإحسان ومقايضة المواقف السياسيّة بالمال. هذا المال الذي يذهب دائما ودوما نحو برامج تعزيز مكانة العرش، وتجذيــــــره في البلد، وفرض النّظام الملكي. لأنّ الدّول الغربيّة المانحةَ للمالَ لهذا النّـــظام وهي أساسا الولايات المتّـــــحدة وبريطانيا، متّفقة على  أنّ حكم الشّعب الأردنيّ يومًا لنفسه سيكونُ ضربا لأمن الكيان الإسرائيلي حتمًا. لأنّهم يُدركون ويعرفـــــــون قبل غيرهم أنّ كلّ الحقائـــــق والمعطيات الجيوسياسيّة والشعبيّة، تؤكد أنّ شعوب المنطقة لن تسالم ذلك الكيان ولن تُبرم معه اتفاقات الاستسلام أبدًا.
   فهل يتمرّد الأردنيّ على المساعدات الأمريكيّة؟ وهل يثور على نظامه؟ أو سيكتفي بالثّورة على حكومته و أسعاره؟ لتُؤدي حكومةً أخرى جديدةً قديمةً اليمين أمام ملكها المفدّى؟